آطار مفاهيمي للنظام البرلماني والاداء التشريعي والرقابي

خولة جبار محمد الجنابي
2025 / 2 / 16

المقدمة :
يعد النظام البرلماني بفعل مقوماته وأركانه من أكثر النظم السياسية انتشاراً في دول العالم وأكثرها تحقيقاً للديمقراطية، وقد ارتبط في نشأته بالتجربة البريطانية التي أصبحت مثلاً تحتذيه دول أخرى، ثبتت من خلاله المبادىء الاساسية لقيام هذا النظام والمتمثلة بثنائية السلطة التنفيذية والفصل المرن بين السلطات القائمة على التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. الامر الذي جعل الكثير من الدول تعتمد على هذا النظام، ومنها جمهورية العراق طبقاً لدستورها الصادر عام 2005.
المحور الاول : مفهوم النظام البرلماني
1ـ النظام البرلماني لغةً: هو ما نظم فيه الشيء وكل أمر وجمع نظام انظمة، جاء أصل كلمة برلمان من اللغة الفرنسية "Parler " بمعنى يتكلم وكلمة " parlement" بمعنى المشاورة وظهرت في القرن الثالث عشر ، ترتبط كلمة البرلمان بفعل الكلام أو الحديث والذي يعبر عن الفعل المستخدم في اللغة الفرنسية "Parler" ثم اشتقت من فعل التسمية التي أطلقت على مكان الحديث" parlement" وصرفت في الاستخدام العربي إلى البرلمان وفي المفهوم الإنجليزي فتشير كلمة برلمان إلى المجلس النيابي وهو المعنى الذي استقر في النهاية لهذه الكلمة ( ).
2ـ النظام البرلماني اصطلاحاً: انه المؤسسة السياسية التي تتكون من مجلس أو أكثر يتألف كل منها من بعددٍ من الأعضاء. وهذا المجموع يتمتع بسلطات ذات أهمية متفاوتة وعرف البرلمان أيضا بأنه الهيئة الوطنية التي تشرع القوانين في بلدان التي تأخذ بالنظام الديمقراطي، وهناك برلمانات تتكون بالكامل من أفراد منتخبين بينما هناك برلمانات أخرى بها أعضاء منتخبون وأعضاء معينون يرثون عضويتهم، فالنظام البرلماني الذي يقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من الشعب الذي انتخبه ويطلق على المجلس المنتخب في النظام البرلماني (برلمان) ومن هنا جاءت تسمية هذا النظام، ويعرفه (موريس دوفرجيه) أنه ذلك النظام الذي يتميز بثنائية السلطة التنفيذية اي وجود رئيس دولة وحكومة مسؤولة سياسياً أمام البرلمان،ويعرفه (رايموند كارفيلد كيتيل) أنه ذلك الشكل الذي تكون فيه السلطة التنفيذية مسؤولة قانونياً تجاه السلطة التشريعية في أعمالها، وتتوقف مدة بقاء الوزارة في الحكم على الثقة التي تضعها فيها السلطة التشريعية وعند فقدان هذه الثقة يجب على هذه الوزارة الاستقالة أو طلب حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.( )
ويلاحظ أن النظام البرلماني لا يتميز عن غيره من أنظمة الحكم النيابية بسبب وجود البرلمان لان البرلمان يوجد أيضا في النظام الرئاسي ونظام حكومة الجمعية، بل ان الذي يميز النظام البرلماني عن غيره من الأنظمة هو كيفية تحديد العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فاذا كان الفصل شديد أو شبه تام بين السلطتين نكون أمام النظام الرئاسي، واذا كان غلبة اختصاص البرلمان على الحكومة نكون أمام نظام حكومة الجمعية، أما اذا غلب التوازن والتعاون بينهم مع وجود رقابة متبادلة نكون أمام النظام البرلماني، وعليه فان الرقابة وتبادل الرقابة هما جوهر النظام البرلماني وان انعدامهما يؤدي على الرغم من وجود البرلمان إلى انعدام هذا النظام.( )
مما تقدم يمكن القول إن النظام البرلماني هو النظام القائم على أساس المساواة والتعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ووسائل التأثير المتبادلة بينهم.
3ـ عناصر النظام البرلماني :
تعتمد النظم البرلمانية التقليدية تطبيقات الفصل النسبي المرن بين السلطات ، نظراً لما يقوم فيما بينها من علاقات تعاون ورقابة متبادلة ، كما يستند على أساس التوازن و المساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وبذلك تكون عناصر النظام البرلماني أو اركانه ، هي ( ):
1ـ ثنائية السلطة التنفيذية : رناسة الدولة ورناسة الوزراء ، إذ يكون رئيس الدولة غير مسؤول ، إذ يرتكز دوره في إيجاد التوازن بين السلطات والمحافظة عليه . بينما يتحمل رئيس الوزراء والوزراء عبء ممارسة السلطة فعلياً ، كما يتحملون المسؤولية ، بصورة تضامنية أو فردية ، انسجاما مع مبدأ حيث توجد السلطة توجد المسؤولية .
٢ تعاون السلطات المتبادل برغم الفصل النسبي المرن بينها ، إذ تباشر السلطة التنفيذية بعض المهام ذات طبيعة تشريعية ، مثل : تشكيل البرلمان ودعوته إلى الانعقاد أو فضه أو تأجيله، والاشتراك معه في بعض الاختصاصات ، على سبيل المثال : حق اقتراح مشروعات القوانين ، أو الاعتراض عليها أو تصديقها ، والجمع بين عضوية البرلمان والوزارة ، وحق حل البرلمان . بينما تقوم السلطة التشريعية في بعض المهام ذات طبيعة تنفيذية من خلال : حق السؤال وحق الاستجواب ، وحق إجراء التحقيق ، وسحب الثقة . وكذلك الأمر فيما يتعلق بتولي رئيس الدولة منصبه من خلال البرلمان، وتقرير المسؤولية السياسية للوزارة فرديا وتضامنيا ، وتوجيه الاتهام الجناني والمحاكمة لرئيس الدولة أو الوزراء وكبار المسئولين في الدولة .
ومن الجدير بالذكر إن تلك الخصائص التقليدية للنظام لبرلماني قد تطورت عمليا ، خاصة في ظل تطبيقات النظم السياسية والدستورية المختلطة ، ومن نتائج ذلك التطور حصول اختلال في مبدأ التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

المحور الثاني : الاداء التشريعي
تعد الوظيفة التشريعية صلب عمل السلطة التشريعية، فهي التي تجعل البرلمان من اهم سلطات الدولة بإعتبارها ممثل الأمة والمعبر عن نبضها، ولأنه الذي يسن القوانين ويعدلها ويلغيها ومن الضروري موافقته على كل المشروعات بقوانين التي تقدمها إليها السلطة التنفيذية، بل وعلى المعاهدات الدولية التي تبرمها السلطة التنفيذية إضافة إلى أن السلطة القضائية لاتطبق الا القوانين التي تقرها السلطة التشريعية
وحيث أن هذه الوظيفة التشريعية تبرز ناحيتين أساسيتين لتبيان عملية صنع القانون بواسطة السلطة التشريعية والتي تحدد في عملية إقتراح القانون، ومن ثم تبني مشروع القانون،فبالنسبة لاقتراح القانون تظهر دراسة مصدر إقتراح القونين في أكثر الدول، بأن منشأ هذه القوانين ليست برلمانية وإنما حكومية، في أغلبية القوانين التي صودق على تشريعها ولهذه الظاهرة اسباب عديدة منها ( ).
١ التعقيد الفني لبعض القوانين التي تستوجب وجود أجهزة كفوءة ومتمرسة ذات تقنية عالية تفتقدها الجهات البرلمانية.
2ـ التحفظ على أعطاء بعض الصلاحيات التشريعية للبرلمان فيما يتعلق بمشاريع القوانين التي لها طابع صرف أو إلغاء دخل للمصالح العامة.
تمارس السلطة التشريعية عددا من الوظائف تتراوح في مجالها ونطاقها من دولة إلى اخرى، وذلك حسب الإطار الدستوري السائد، وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك تبعاً لمدى التطور الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرة أعضاءه، كانت السلطة التشريعية في الماضي تقتصر أعمالها على تشريع القوانين العامة التي تنظم العلاقات بين المواطنين والدولة تاركة تنظيم الشؤون الخاصة للمواطنين إلى أحكام العُرف وإلى السلطة القضائية، ولكنها استطاعت شيئاً فشيئاً حتى بعد تشكيل المجالس التمثيلية توسيع أعمالها إلى ابعد من المسائل المتعلقة بالإدارة العامة، ولكن باتساع شمول التمثيل وزيادة وعي المواطنين، اخذ المواطنون يدركون قوتهم واصبح لازماً عليهم أن يتدخلوا بوساطة ممثليهم في أمور تشريعية واسعة النطاق، فدعت الحاجة لذلك إلى تنظيم كل من المصالح الخاصة والعامة وإلى خلق هيئات تشريعية أخرى فوضت اليها سلطات وضع القوانين، وكل هذا ضاعف أعمال السلطة التشريعية عامة
ومن اجل أن تتمكن السلطة التشريعية من تكوين ثقل مقابل السلطة التنفيذية ينبغي ان تمتلك صلاحيات واسعة وإلّا فلا تكون سوى واجهة كأشباه البرلمانات في الأنظمة التسلطية، حتى أن نظرية الديمقراطيات الليبرالية ترغب أن يحوز البرلمان على السلطة السياسية وان تكتفي الحكومة بتطبيق القوانين التي يصوّت عليها البرلمانيون وفيما يتعلق بوظائف السلطة التشريعية فان هذه السلطة هي المؤسسة التمثيلية الرئيسة في الدولة، ومن ثم هي المسؤولة عن تمثيل قطاعات المجتمع المختلفة وصياغة مصالح قطاعات المجتمع في سياسات ومتابعة تنفيذ هذه السياسات، وبصفة عامة فان السلطة التشريعية هي المسؤولة عن ضمان وكفالة حقوق الشعب، ومن هذا المنطلق فان السلطة التشريعية تقوم بثلاث وظائف أساسية هي:.( )
فالتشريع هو وضع القوانين وتعديلها وإلغاءها، وتعد عملية التشريع عاملاً رئيسياً في عمل السلطة التشريعية وان طرحت اولاً من لدن السلطة التنفيذية أو جرت صياغتها من لدن أعضاء السلطة التشريعية أنفسهم بصفتهم ممثلي الشعب، فتقع على عاتق هؤلاء مسؤولية دراسة التشريعات والتصديق عليها، ولابد من الإشارة إلى ان تحمل هذه المسؤوليات ليس بالأمر السهل، فمع تعقيدات المجتمع العصري ومع تفصيل المواضيع القانونية يتطلب من السلطات التشريعية معرفة وخبرة في مجالات متعددة، فضلا عن ذلك يتطلب وجود سلطة تشريعية قوية ودعماً ادارياً يُمكّن أعضاء هذه السلطة من تأدية وظائفهم التشريعية، ويتضمن هذا الدعم تأمين الخبرات وإعداد الأبحاث حول التشريعات وقرارات المحاكم في مجالات قانونية محددة، إلى جانب مساعدة أعضاء البرلمان على صياغة القوانين، وعندما تقدم السلطة التنفيذية التشريع، غالباً ما يكون على الإدارة البرلمانية أن تحضر أعضاء البرلمان لمناقشة القانون وتعديله.
وبهذا فإن السلطة التشريعية تشرع القوانين أو تقرها وتلغي ما هو غير متجاوب مع الزمن، والعمل على جعل القوانين تتناسب مع الظروف الحديثة المتغيرة، وان السلطة التشريعية تمتلك في كثير من الدول صلاحية كاملة أو جزئية لتعديل دستور الدولة، وبهذا يكون لها مشاركة في عمل القانون الدستوري.
المحور الثالث : الاداء الرقابي
يقصد بالرقابة البرلمانية في النظام السياسي مجموعة السلطات التي تستعملها السلطة التشريعية في مواجهة السلطات الأخرى داخل الدولة لضمان احترام القانون. ولم يتفق الفقه الدستوري ولم يهتم كثيراً بوضع تعريف للرقابة البرلمانية على الرغم من انها تعد وظيفة من اقدم وظائف البرلمانات في العالم, الأمر الذي انعكس على قلة التعاريف التي وضعها باحثي الفقه الدستوري, وعرف الدكتور حامد ربيع الرقابة البرلمانية, بأنها صورة من صور الضبط ولعل ما يؤخذ على هذا التعريف أنه لا يقر بوجود اي نوع من انواع الرقابة البرلمانية في النظم السياسية الرئاسية, رغم ان بعض تلك النظم درجات, بما تفوق بكثير عما هو قائم في النظم البرلمانية.
وقد عرفها الدكتور فارس عمران بأنها تقصي الحقائق من جانب السلطة التشريعية لأعمال الحكومة للكشف عن عدم التنفيذ السليم للقواعد العامة في الدولة وتحديد المسؤول عن ذلك ومسائلته ،ونرى ان الرقابة البرلمانية هي شكل من اشكال الرقابة السياسية الذي تمارسه السلطة التشريعية على عمل السلطة التنفيذية ومدى مطابقة للدستور والقوانين النافذة أياً كان شكل النظام السياسي. فالبرلمان إنما يمارس هذه الرقابة نيابة عن الشعب، وذلك لأنه أقرب السطات تمثيلاً له وأقدرها على التعبير عن إرادته.( )
ومن كل التعاريف السالفة الذكر نلاحظ ان الرقابة البرلمانية هي شكل من اشكال الرقابة السياسية لكنها ليست الوحيدة, ان الرقابة البرلمانية تظهر وبشكل واضح في النظام البرلماني حيث يوفر هذا النظام ادوات تساعدها على القيام بعملها كالسؤال ولجان التحقيق والإستجواب والمسؤولية السياسية الفردية والتضامنية للوزراء على عكس النظام الرئاسي الذي لا يعرف سوى وسيلة تقصي الحقائق التي تلعب دوراً كبيراً في تعميق الرقابة البرلمانية في هذا النظام.وكذلك تسعى الرقابة البرلمانية بشكل عام الى الكشف عن عدم التنفيذ السليم للقواعد العامة في الدولة ومساءلة المسؤول سياسياً أو جنائياً هذا بالإضافة الى كشف الأخطاء.( )
2ـ اطراف الرقابة البرلمانية
من المسلم به ان عضو البرلمان هو من يمارس الرقابة البرلمانية على عمل السلطة التنفيذية, لكن دور عضو البرلمان يختلف حسب النظام السياسي, برلماني او رئاسي حيث يكون دور العضو في النظام البرلماني مقيد, لا يستطيع استخدام الكثير من أدوات الرقابة البرلمانية كالسؤال والإستجواب بسبب وجود درجة كبيرة من التماسك الحزبي داخل البرلمان, وترى ذلك بشكل واضح في النظام البرلماني العراقي حيث أنه بسبب الانتماء الشديد الى الحزب وان الحكومة تشكل من جميع الأحزاب الفائزة فإنه لا يمكن العضو البرلمان أن يمارس دوره من خلال الرقابة البرلمانية لأن العضو لا ينتقد عمل حزبه وبالتالي لا يصوت ضد حزبه ، يسعى أعضاء البرلمان من خلال ممارستهم للرقابة الى التأكيد على تطبق الدستور والقوانين في الدولة من أجل تحقيق الصالح العام وكذلك مراقبة عمل الإدارة الخاضعة للسلطة التنفيذية منع انتهاكها للسياسات المقررة الوقوف تجاه الظلم الذي يتعرض له المواطنون على يد الإدارة، وكذلك تتولى مراقبة الموازنة العامة للدولة التي تتضمن الإيرادات والنفقات لمدة, كذلك الرقابة على ضغط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كذلك تعمل الرقابة البرلمانية متابعة كل ما تم انجازه من خطط التنمية الاقتصادية، أي أن يعمل البرلمان بالإضافة الى التشريع القوانين هو مراقبة ومتابعة تنفيذ هذه القوانين من خلال الرقابة المستمرة عليها. كذلك تهدف الرقابة البرلمانية كل ما يتعلق بالأمن القومي للدولة مما يتعلق بالسياسات الخارجية والدفاعية للدولة، فبالنسبة للسياسات الخارجية حيث يتم مرافقة كافة الاستثمارات العاملة في الداخل او الموجهة الى الخارج, وفيما يتعلق بالعمالة الأجنبية في الداخل والعمالة الوطنية في الخارج.
ويتضح دور الرقابة البرلمانية على السياسة الخارجية للدول النامية من خلال الحفاظ على سيادة الدولة بما يتضمن محاولة تعبئة الرأي العام في مواجهة ما قد تتخذه السلطة التنفيذية من الوسائل .( )
3- اهداف الرقابة البرلمانية
يسعى أعضاء البرلمان من خلال ممارستهم للرقابة الى التأكيد على تطبق الدستور والقوانين في الدولة من أجل تحقيق الصالح العام وكذلك مراقبة عمل الإدارة الخاضعة للسلطة التنفيذية ومنع انتهاكها للسياسات المقررة الوقوف تجاه الظلم الذي يتعرض له المواطنون على يد الإدارة،وكذلك تتولى مراقبة الموازنة العامة للدولة التي تتضمن الإيرادات والنفقات، كذلك تعمل الرقابة البرلمانية متابعة كل ما تم انجازه من خطط التنمية الاقتصادية أي أن يعمل البرلمان بالإضافة الى التشريع القوانين هو مراقبة ومتابعة تنفيذ هذه القوانين من خلال الرقابة المستمرة عليها،كذلك تهدف الرقابة البرلمانية كل ما يتعلق بالأمن القومي للدولة مما يتعلق بالسياسات الخارجية والدفاعية للدولة.فبالنسبة للسياسات الخارجية حيث يتم متابعة كافة الاستثمارات العاملة في الداخل او الموجهة الى الخارج, وفيما يتعلق بالعمالة الأجنبية في الداخل والعمالة الوطنية في الخارج.( )
الاداء الرقابي : تمارس السلطة التشريعية إلى جانب الاختصاص التشريعي وظيفة الرقابة التي تتعدد وسائلها، وتبدأ من إبداء الرغبات إلى الأسئلة والاستجواب، وتقصي الحقائق، والتحقيق، وطرح الثقة بوزير أو بالوزارة ككل، ويقصد بالرقابة البرلمانية في النظام السياسي (بشكل عام) مجموعة السلطات التي تستعملها الدولة (بالمعنى الواسع) بقصد ضمان احترام القانون من جانب المنظمات الخاضعة للرقابة، أو يقصد حماية الصالح العام في هذا المجال، وتعرف الرقابة البرلمانية أنها دراسة وتقييم أعمال الحكومة مقرونة بحق البرلمان في ان يصدر احكاماً قيمية عن هذه الأعمال قد تقود إلى استقالة الحكومة اذا سحبت منها الثقة، وهي تقصي الحقائق من جانب السلطة التشريعية للأعمال الحكومية للكشف عن عدم التنفيذ السليم للقواعد العامة في الدولة وتحديد المسؤول عن ذلك ومساءلته.
وتنبع أهمية الرقابة البرلمانية في النظام السياسي من افتراض مؤداه ان السلطة التشريعية تمثل الشعب الذي يفترض ان السلطة التنفيذية مسؤولة أمامه، وبهذا تبرز السلطة الأولى على الثانية من خلال الرقابة والمحاسبة، وهذا الدور يكتسب أهميته في وجود إطار محاسبي قوي على السلطة التنفيذية، كي لا تنفرد الأخيرة بالحكم، وعلى هذا الأساس فان البرلمانات التي تمارس دوراً تشريعياً فقط من دون ممارسة وظيفتها في الرقابة على السلطة التنفيذية هي برلمانات تفتقد لمقومات القوة
وتتعد صور الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية في النظم السياسية المختلفة ولا يمكن عملياً إحصاء تلك الوسائل نظراً لكثرتها وتباينها من نظام سياسي لآخر، إلا أن اهم هذه الوسائل تتمثل في الاتي.( ):
أ‌-السؤال: ويقصد به استفسار واستيضاح عن امر معين يجهله موجه السؤال، ويوجه السؤال من عضو البرلمان إلى هيئة الوزارة باسرها أو إلى أحد الوزراء.
ب‌-الاستجواب: يتضمن معنى النقد والاتهام للحكومة أو لأحد الوزراء، فهو يعد ابعد اثراً من السؤال لكونه يتضمن معنى محاسبة الحكومة أو (الوزير) عن كيفية تصرفها عما عهد إليها من سلطة، فالنائب يقدم الاستجواب على أساس وقوع خطأ من الحكومة أو من الوزير المستجوب، ويترتب على الاستجواب غالباً طرح الثقة بالحكومة كلها أو بالوزير المستجوب.
ت‌-لجان التحقيق البرلمانية: إن حق إجراء التحقيق البرلماني هو نتيجة لازمة لممارسة البرلمان لدوره الرقابي وذلك عن طريق اللجان التي يحق لها ان تتولى الرقابة على أعمال الحكومة وذلك لكشف الأخطاء.
ث‌-الاقتراحات برغبة أو بقرار: إذ تقوم بعض المجالس التشريعية في النظم البرلمانية بمنح أعضاؤها الحق في إعداد مشروعات اقتراحات تتضمن رغبات أو قرارات الأعضاء ويمكن للبرلمان ان يوصي السلطة التنفيذية بتبني تلك الاقتراحات.
ج‌-المسؤولية السياسية للوزراء (الجماعية والفردية): قرر النظام البرلماني المسؤولية التضامنية لهيئة الوزارة بكامل أعضائها، وقرر المسؤولية الفردية لكل وزير على حدة، على عكس النظام الرئاسي الذي لا يعرف تلك الوسيلة، اذ يفترض ان السلطة التنفيذية نابعة من البرلمان في النظام الأول بينما هي مستقلة في النظام الثاني، ومن المسلم به في النظام البرلماني انه اذا ما قرر البرلمان سحب الثقة من هيئة الوزارة أو من احد الوزراء وجب على هيئة الوزارة تقديم استقالتها، ووجب على الوزير اعتزال منصبه ايضاً كجزاء للمسؤولية الوزارية.
ح‌-الاتهام الجنائي: أقرت معظم النظم السياسية حق اتهام الوزراء جنائيا على ارتكابهم جريمة الخيانة العظمى أو في حالة إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم أو في حالة خرق الدستور، وتختلف هذه الوسيلة من نظام سياسي لآخر من حيث آلية الاتهام والإجراءات المتبعة والجهة المتخصصة بالمحاكمة البرلمانية فيما بعد إذا ثبت الاتهام.
وعن طريق هذه الآليات تعتبر الرقابة البرلمانية حجراً اساسياً في البرلمانات الديمقراطية، إذ تشكل مؤشراً على الحكم السليم وهي تهدف إلى ضمان محاسبة الحكومة على السياسات التي تطبقها، إذ تقوم على المراقبة الواسعة لعمل السلطة التنفيذية عن طريق ممثلي المواطنين، وإلى جانب وظيفته التشريعية، يتمكن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة.
المحور الرابع : النظام البرلماني في العراق
بعد البرلمان السبيل الوحيد لمشاركة الافراد في الحكم ، ويتبوا مكانة متميزة في النظام السياسي والدستوري للدول بالشكل الذي يجعل منه عصب الدولة . وقد طبق العراق النظام النيابي البرلماني اول مرة عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة بموجب القانون الاساسي لعام 1925 في العهد الملكي ، وتجددت التجربة البرلمانية بعد عام 2003 طبقاً لاحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005، رسم قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 آلية وضع دستور جمهورية العراق الدائم بموجب (المادة 61) منه ، لقد قام النظام السياسي وفقاً للدستور النافذ على الأخذ بالنظام النيابي البرلماني الديمقراطي (المادة الاولى) . وهذا يعني ان شكل نظام الحكم جمهوري ، وشكل الحكومة برلماني الذي يقوم على اساس التعاون والتوازن بين السلطات ، الا ان الاختصاصات التي منحت لمجلس النواب تتعارض مع خصائص النظام النيابي البرلماني ، حيث يلاحظ ان المشرع الدستوري اتجه الى تقوية (مجلس النواب) على حساب السلطة التنفيذية ، كما نص على ان جمهورية العراق دولة اتحادية غفل خاصية جوهرية في النظام الاتحادي لعدم نصه على آلية تكوين مجلس الاتحاد وبيان اختصاصاته ، وكذلك إرجاء اقامته الى دورة انتخابية اخرى ولم يشكل لحد الآن ، ونعتقد ان تأخير تشكيل مجلس الاتحاد يعد قصوراً شريعياً دستورياً . سيما ان الاتجاه السائد يرى ان هناك تلازماً بين الفيدرالية ونظام ثنائية السلطة التشريعية .
ستنتج بجلاء بالنسبة لتطبيق دستور العراق لسنة 2005 اخذ بالنظام البرلماني الديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق . الا ان التطبيق العملي يشير الى ان القوى السياسية ابتدعت مبدأ المحاصصة والتوافق السياسي الذي لا علاقة له بخصائص النظام البرلماني المعروفة ، وبذلك يبدو تغليب التوافقات السياسية على النصوص الدستورية بشكل واضح.( )
إختصاصات وصلاحيات مجلس النواب العراقي
حددت المادة ٦١ من الدستور العراقي الدائم لعام ٢٠٠٥ إختصاصات واسعةومهمة لمجلس النواب، وكما يلي:
أولاً: الأختصاص التشريعي:
وهذا ماحددته المادة (٦١/أولاً) من الدستور العراقي الدائم الذي أناط تشريع لقوانين بمجلس للنواب وهو صاحب الأختصاص الوحيد في تشريع القوانين، في حين إن عملية التشريع تمر بعدة مراحل تبدأ بإقتراح القوانين مروراً بالمناقشة وإنتهائاً بالتصديق والنشرفي الجريدة الرسمية
أ ـ إقتراح القوانين: هي المرحلة الأولى لعملية تشريع القوانين وهي حق منحه الدستور للسلطة التشريعية، ولكن قد يكون هذا الحق مشترك بين أعضاء الحكومة والبرلمان في النظام البرلماني ولم يذهب الدستور العراقي الدائم لعام ٢٠٠٥ بعيداً عن هذا فقد نصت المادة ( ٦٠/أولاً، ثانياً) على أن مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء على الأقل أو لإحدى لجان المجلس المتخصصة، وأن يقدموا مقترحات القوانين إلى المجلس، يتم بعد ذلك مناقشتها تمهيداً لإصدارها .( )
ب- المناقشة والمداولة: في هذه المرحلة تتم عملية المناقشة وحق التعديل والتصديق على مشروعات القوانين مع تحديد المواضيع التي يجوز مناقشتها وتنظيم الكيفية التي قد يثار بها أي نزاع في حالة وجود خلاف.( )
ج- مرحلة التصديق: تعد هذه المرحلة سابقة لعملية النشر في الجريدة الرسمية، ولا حقة لعملية المداولة والمناقشة للتصويت عليه من النواب، فقد حدد الدستور العراقي الدائم المادة (٥٩/ثانياً) الأغلبية البسيطة أي (نصف + ١) لاصدار القوانين في مجلس النواب، مالم يقرر هذا الدستور إشتراط أغلبية خاصة لإتخاذ القرارات داخل هذا المجلس . ثم ترسل هذه القوانين إلى رئاسة الجمهورية أو مجلس الرئاسة للتصديق عليه، ثم تنشر في الجريدة الرسمية لنفاذها.( )

ثانياً: الأختصاص المالي:
أستناداً إلى المادة (٦٢) من الدستور العراقي، يختص مجلس النواب بإقرار مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي المقدم من مجلس الوزراء، وله بهذا الصدد إجراء مناقلة بين أبواب وفصول الموازنة العامة، وتخفيض مجمل مبالغها، كما أن له عند الضرورة أن يقترح على مجلس الوزراء زيادة إجمالي مبالغ النفقات. والملاحظ أن مجلس النواب العراقي لا يبادر إلى محاسبة الحكومة في الموازنة المقررة من قبله، وهل تم صرف المبالغ المرصودة بما تم التخطيط ام انها أقرت حبر على ورق، ولم تكن هنالك مشاريع حقيقية .( )
ثالثاً: الإختصاص الرقابي: تعرف الرقابة التي تباشرها السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية بالرقابة السياسية، وهي رقابة مهمة، لأنها تمثل إرادة الشعب وتعبر عن رغباته. والرقابة التي تمارسها السلطة التشريعية حسب الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ هي كما يلي:
الرقابة على السلطة التنفيذية: منح الدستور العراقي للبرلمان في رقابته على السلطة التنفيذية حق الرقابة على كلمن رئيس الجمهورية، والوزراء سواء بصيغة فردية أو تضامنية .
١ الرقابة على رئيس الجمهورية:
من المعروف أن رئيس الدولة سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية غير مسؤول سياسياً في النظام البرلماني، في حين هج الدستور العراقي الدائم لعام ٢٠٠٥ خلاف ذلك في (المادة ٦١/سادساً/أ) التي أشارت إلى مسألة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب بالأغلبية المطلقة لاعضاء مجلس النواب وبناء على المادة (٦١/سادسا/أ) لمجلس النواب تقديم طلب إلى رئيسه لمساءلة رئيس الجمهورية، إذ ما أخل بصلاحياته الواردة في المادة (٧٣) من الدستور.( ) على أن يحتوي الطلب على الأسباب الموجبة والمبررة لهذا الطلب، ويقدم بالأغلبية المطلقة لأعضائه، ولكن بعد مراجعة لصلاحيات رئيس الجمهورية الواردة في المادة (٧٣) وجد أنها صلاحيات فخرية (شرفية) لا تحتوي على أي صلاحيات تنفيذية، وبالتالي لامبرر لهذه الصلاحيات من مجلس النواب العراقي. كما قررت المادة (٦١/سادساً/ب) إن من إختصاصات مجلس النواب العراقي (إعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه بعد إدانته من المحكمة الإتحادية العليا في إحدى الحالات الآتية) :
1ـ الحنث باليمين الدستوري.
2- إنتهاك الدستور .
٣ الخيانة العظمى.
بحسب هذا النص فإن مجلس النواب إذ لم يقرر بالأغلبية ي المطلقة لعدد أعضاءه، إعفاء رئيس الجمهورية رغم إدانته من المحكمة الإتحادية بجرائم خطيرة مثل هذه، فإن قرار المحكمة الإتحادية يصبح لاقيمة له، ويستطيع رئيس الجمهورية مواصلة عمله على الرغم من إداتته من أعلى سلطة قضائية في العراق، يفترض أن قرار المحكمة الإتحادية بإدانة الرئيس بهذه الجرائم يتبعها آلياً إعفائه من منصبه دون الحاجة لموافقة مجلس البرلمان، لأنه يفترض أن السلطة القضائية في ممارستها لعملها تتمتع بالإستقلالية .( )
رابعاً: الأختصاص التأسيسي
أجاز الدستور العراقي الدائم لعام ٢٠٠٥ لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب، إقتراح تعديل الدستور. بالمقابل فإن المادة ، (١٤٢)، حددت قيام مجلس النواب بتشكيل (لجنة من أعضائه) تكون هذه اللجنة ممثلة للمكونات الرئيسية للمجتمع العراقي، مهمتها تقدم تقرير إلى مجلس النواب خلال مدة لا تتجاوز أربعة شهور ويتضمن هذا التقرير، توجيه بالتعديلات الضرورية ثم تعرض على مجلس النواب للتصويت عليها ... الخ ، ومن ثم نستنتج ان مراحل تعديل الدستور تمر ب (إقتراح التعديل ← موافقة مجلس النواب ← إستفتاء شعبي ← المصادقة على التعديل ) كما فشل المجلس في تشريع عدة قوانين، إذ نصت أكثر من مادة دستورية على تشريع قانون ينظم آليات تنفيذها، إلا أن المجلس عجز عن إصدار هذه القوانين، بسبب عدم تشريع قانون ينظمها. مثل قانون الأحزاب مادة (٣٩/أولاً)، وقانون حظر الكيانات التي تتبنى العنصرية والإرهاب والتكفير المادة (٧/أولاً)، وقانون النفط والغاز، كما رفض مجلس النواب عدداً من المشاريع المهمة مثل قانون إعمار البنى التحتية الذي قدمته الحكومة. إضافة إلى أن هناك سياسات أتبعتها الكتل في مجلس النواب في التعامل مع القوانين المهمة والتي كانت تقوم إلى حدٍ كبير على إنعدام الثقة وتغليب مصلحة الكتل على المصلحة العامة.( )

الخاتمة
إن تبني النظام البرلماني بشكل سليم سيؤدي بنسبة كبيرة إلى تجسيد نموذج دولة قوية و ديمقراطية تحترم إرادة شعبها، كون أنها اعتمدت على طرق نزيهة للوصول إلى السلطتين التنفيذية و التشريعية، الأمر الذي سيظهر جديا أثناء تسلمهما لاختصاصاتهما بعد النجاح في الانتخابات، فيظهر استنادا للتوازن و الفصل بينهما نوعا من التعاون الذي سيؤدي حتما إلى استقرار نسبي في مؤسسات الدولة على الوجه الخاص، و إلى الاستقرار السياسي للدولة التي اعتمد دستورها هذا النوع من الأنظمة على وجه العموم.الأمر الذي لا يمكن تصوره بالنسبة للأنظمة الشمولية، بل بالعكس من ذلك تماما سيكون استنادها إلى النظام البرلماني آلية سهلة للاستفراد بالحكم، لأن إحكام القبضة على البرلمان سيترتب عليه فرض السيطرة على كل الحياة السياسية بعد ذلك. فالنظام البرلماني هو القدرة على فرض الاداء التشريعي والاداء الرقابي و هذا ما يجعلنا في النهاية نقول أن هذا النظام سيكون آلية حقيقية لتطبيق الدولة الدستورية و تجسيد قيم ومبادئ الديمقراطية بالنسبة للدول التي تطبق النظام البرلماني الذي يستند على هذا المبادى الاساسية ويعتمد الاركان الخاصة بالنظام البرلماني ويطبقها على ارض الواقع .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي