زحف بني هلال لشمال إفريقيا: النكبة و الطامة الكبرى!!!

حاتم بن رجيبة
2025 / 2 / 11

بينما يتشدق الساسة والنخب في شمال إفريقيا ومصر بالعروبة ويفتخرون بها ويدافعون عنها و يستميتون من أجلها و يقاتلون من يعاديها من البربر و الأقباط أي إخوانهم، نسوا أن القبائل العربية التي غزتهم و توطنت أراضيهم من أهم أسباب هلاكهم وتأخرهم . جلبوا الإستعباد وخاصة القبلية وعيش البدو والترحال عوض الإستقرار وبناء المدن والبنية التحتية المتحضرة من مدارس وفلاحة وطرقات وتطور. جحافل العربان من بني هلال وبني سليم خربت خاصة شمال إفريقيا ورمتها قرونا إلى الخلف، إلى الهمجية والبدائية.

مازلنا في شمال إفريقيا نعاني من ذلك الزحف المدمر، زحف العربان والقبائل التي عاشت قرونا على الترحال والغزو والإحتطاب وسفك الدماء.


ذلك أن شمال إفريقيا شهدت في القرن الحادي عشر تحولًا تكتونيًا – ليس بسيوف جيش منظم، بل من خلال التقدم المستمر للقبائل البدوية الرحل. تحركت قبائل بني هلال وبني سليم، التي كانت موطنها الأصلي في شبه الجزيرة العربية، مثل موجة لا يمكن إيقافها عبر سهول وواحات المغرب. لم يكونوا غزاة تقليديين بجيش منضبط أو تكتيكات حصار استراتيجية، بل كان أسلوب حياتهم، وتحركاتهم المستمرة، وأعدادهم الهائلة هي التي غيرت وجه شمال إفريقيا إلى الأبد. تعود جذور هذا التغيير الضخم إلى سياسة الخلافة الفاطمية التي حكمت مصر في القرن العاشر. كان الزيريون، السلالة البربرية التي حكمت إفريقية (تونس الحالية وشرق الجزائر وغرب ليبيا) أتباعًا مخلصين للفاطميين. لكن بحلول عام 1048، تجرأوا على قطع روابطهم بهم والتحول إلى الخلافة العباسية السنية في بغداد، وهو تحدٍ لم يكن للفاطميين أن يغضوا الطرف عنه. وبدلًا من إرسال حملة عسكرية مكلفة، لجأوا إلى استراتيجية أكثر دهاءً: إذ أشعلوا نار الفوضى من خلال توجيه بني هلال وبني سليم، الذين أصبحوا عبئًا متزايدًا في مصر، نحو الغرب. لم تكن هجرة هذه القبائل مجرد تحرك عسكري، بل كانت هجرة جماعية ضخمة. لم يكن الأمر يتعلق بالمحاربين فقط الذين يجوبون شمال إفريقيا، بل كانت مجتمعات بأكملها – رجال، نساء، أطفال، قطعان ماشية – قافلة ضخمة إما أخضعت المدن والقرى في طريقها أو أجبرتها على الانضمام إليها. كانوا سادة الصحراء، بارعين في الهجمات الخاطفة، الغارات، وفن الحركة السريعة. لم تكن استراتيجيتهم كتلك الخاصة بالجيوش التقليدية التي تخوض معارك مفتوحة، بل كانت أشبه بعاصفة غير مستقرة تضرب ليلًا، تحرق الحقول، وتجعل مصادر المياه غير صالحة للاستعمال. لقد قوضوا الأسس الاقتصادية للزيريين والحمدانيين، حيث دمروا المناطق الريفية، وأجبروا السكان على الفرار، وزعزعوا استقرار طرق التجارة.

تختلف التقديرات بشأن هذه الهجرة الضخمة، لكن يُعتقد أنه بين عامي 1051 و1110، تدفق أكثر من مليون شخص من هذه القبائل إلى شمال إفريقيا. وبحلول أواخر القرن السادس عشر ربما نمت هذه الأعداد إلى أربعة ملايين، مما أدى إلى تغيير عميق في البنية العرقية والثقافية للمنطقة.

لم تكن السلالات البربرية، وخاصة الزيريون والحمدانيون، ضحايا عاجزين. فقد امتلكوا مدنًا محصنة، وجيوشًا منظمة، وتقاليد قديمة في مقاومة الغزاة. لكن نقاط ضعفهم تحولت إلى ميزة لصالح العرب: إذ منعت الانقسامات السياسية الدفاع الموحد ضد البدو العرب. وبينما اعتمد البربر على تكتيكات الحرب التقليدية مثل المعارك المفتوحة والتحصينات، كان بني هلال وبني سليم يتمتعون بقدرة عالية على التنقل. استخدموا حرب العصابات، والهجمات المباغتة، والحرب النفسية من خلال تدمير المحاصيل بشكل منهجي وتعطيل الإمدادات الغذائية. وعلى عكس الجيوش التي تنسحب بعد انتهاء المعركة، استقر البدو في المنطقة، وامتزجوا بالسكان المحليين، وأعادوا تشكيل الثقافة واللغة إلى الأبد.

كان لوصول البدو تأثيرات بعيدة المدى ما زالت تؤثر على شمال إفريقيا حتى اليوم. أصبحت اللغة العربية، التي كانت في السابق لغة المدن والإدارة فقط، منتشرة أيضًا في المناطق الريفية. واعتنقت العديد من المجموعات البربرية اللغة العربية، مما أدى إلى تعريب المغرب الكبير.

تأثرت المجتمعات البربرية بشكل متزايد وجذري بالتقاليد العربية. حيث انتشرت البنية القبلية، والتنظيم الاجتماعي البدوي، والعادات القبلية بين السكان المحليين. بينما قاومت بعض القبائل البربرية التعريب وانسحبت إلى مناطق وعرة مثل جبال الأطلس أو منطقة القبائل، اختفت اللغات البربرية تمامًا في العديد من المناطق. جلب البدو أسلوب حياتهم معهم، مما أدى إلى تحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق رعي للماشية، مما تسبب في تغيير الاقتصاد والمشهد الطبيعي. لم تكن هجرة بني هلال وبني سليم مجرد حملة عسكرية، بل كانت ثورة ثقافية وتحولًا عرقيًا وتغييرًا اقتصاديًا. كانت السلالات البربرية، التي كانت ذات يوم القوى المهيمنة في المنطقة، تواجه ضغطًا مستمرًا لكنه لا يُقاوم من الصحراء. ما بدأ كإجراء عقابي من قبل الفاطميين لمعاقبة تابع متمرد تحول إلى أحد أكثر الأحداث تأثيرًا في تاريخ المغرب الكبير. وصولهم كان بمثابة زلزال هائل ظلت تداعياته محسوسة لعدة قرون، بل إلى حد اليوم .


استخدم الغزاة قوتهم العسكرية بقسوة لإخضاع المجتمعات المحلية. تم إحراق المنازل، وتدمير الحقول، و سبل عيش السكان بشكل كامل. تم استعباد النساء والأطفال، بينما تم قتل الرجال أو دفعهم للهروب.

كانت المناطق الساحلية في شمال إفريقيا التي تتمتع بأهمية اقتصادية وثقافية عالية هي الأكثر تضرراً من تدخلات بني هلال. كان بني هلال معروفين بقوتهم التدميرية وقدرتهم على الاستقرار بسرعة في المناطق التي تم غزوها. بالإضافة إلى العنف الجسدي، كان التدمير الثقافي جزءاً آخر من سلوكهم الوحشي. كان الغزاة العرب يفرضون على السكان المحليين الامتثال لعقيدتهم وعاداتهم. زادت الاختلافات الدينية بين القبائل العربية، التي كانت في الغالب سنية، والقبائل البربرية المحلية التي كانت تتبع العقائد التقليدية أو الشيعية، من التوترات وأدت إلى تصعيد الصراعات.

في توسعهم عبر المنطقة، لم ينهبوا القرى فقط، بل قتلوا أو شردوا السكان المحليين. تشير التقارير التاريخية من تلك الفترة إلى مقتل الآلاف في هجمات، مذابح وتدميرات ممنهجة. على سبيل المثال، هناك تقارير تفيد بأن بني هلال ودمروا مدينتي القيروان والمهدية بالكامل.

كانت هذه القبائل البدوية تستهدف الأراضي الزراعية عمداً لكسر مقاومة السكان المحليين. تم إحراق الحقول، وتدمير الآبار، وتخريب أنظمة الري. في مناطق مثل تونس الحالية، التي كان الزراعة وتربية الحيوانات جزءاً مهماً من حياة السكان المحليين، أدى هذا التدمير إلى مجاعات هائلة. كان جانب آخر بالغ الأهمية في التدمير هو تهجير واستعباد أجزاء كبيرة من السكان. تم أسر الآلاف من النساء والأطفال، لا سيما في المناطق الريفية النائية، وبيعهم في أسواق العبيد العربية. وفقاً للتقارير، وصل تدفق الأسرى إلى المدن الكبرى في المغرب مثل تونس وفاس إلى ذروته في تلك الفترة، حيث أنشأت القبائل البدوية ما يشبه "اقتصاد العبيد" في المناطق التي غزوها.

كانت نتيجة هذا التوسع الوحشي تحولاً كبيراً في الهيكل الاجتماعي والديموغرافي لشمال إفريقيا. يُقدّر أنه في معظم القرن الحادي عشر تم قتل مئات الآلاف من البربر وسكان شمال إفريقيا أو إجبارهم على الهجرة إلى مناطق جبلية نائية. هذه التغيرات الديموغرافية، إلى جانب تدمير الهوية الثقافية للمنطقة، أدت إلى تحول دائم في المجتمع الشمالي الإفريقي.

كانت الحضارة الرومانية مشعلا للتطور والرفاهة و،، الديمقراطية،، والمجتمع،، المدني،، في أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط لسبع قرون كاملة!! شيدت خلالها مدنا ضخمة وطرقات بآلاف الكيلومترات وقنوات مياه ومسارح لا تعد و عمارة مدهشة . كانت فترة منيرة وعتبة نحو الرقي والإزدهار إلى أن هجم شعبان متوحشان على تلك الإمبراطورية وجلبا معهما كامل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا إلى غياهب القرون الوسطى: قرون الإنحطاط والبدوية والتخلف والفقر والهمجية. القبائل الجرمانية من جهة والقبائل العربية من جهة أخرى. هاته القبائل بنمط حياتها المعتمد على الترحال و الغزو معادية للحضارة من تمدن واستقرار وفلاحة وزراعة وبنى تحتية من طرقات وشوارع معبدة وقنوات جلب و توزيع المياه وقنوات تصريف ومسارح وحمامات وكليات وبرلمانات وديمقراطيات ألخ .

المناطق الداخلية في تونس كانت زمن الرومان مركز الحضارة والرقي من مدن ومعالم يدهش لها المرء ويبقى فمه فاغرا أمام عظمتها إلى وقتنا هذا. أصبحت بعد زحف العربان مناطق مهملة فقيرة ومتصحرة تسودها القبلية والجهل والعدوانية و التخلف والبدوية. لا زالت تلك المناطق تعاني مباشرة من قدوم بني هلال وبني سليم والعربان منذ ألف سنة!!! حولوها دمارا بعد أن كانت حضارة راقية وعالما أولا!!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي