التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في لقاء ترامب ونتنياهو والمواقف العربية

بهجت العبيدي البيبة
2025 / 2 / 5

في السياسة، لا تأتي التصريحات عبثًا، ولا تُترك الرموز دون دلالات. فلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير كشف عن رؤى غير مسبوقة لمستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث أشار ترامب إلى إمكانية تهجير الفلسطينيين من غزة وإعادة تطوير القطاع تحت سيطرة أمريكية، بينما وصف نتنياهو هذه الفكرة بأنها “جديرة بالاهتمام وستغير التاريخ”.
لكن، إلى جانب التصريحات اللافتة، برزت تفاصيل قد تبدو صغيرة، مثل ألوان ربطات العنق التي ارتداها الزعيمان، والتي ربما تحمل في طياتها رمزية تعكس عمق التناغم السياسي بينهما، حيث اختار نتنياهو رابطة عنق حمراء، وهو اللون الغالب في العلم الأمريكي، بينما ارتدى ترامب رابطة عنق سماوية، وهو لون قريب من الغالب على العلم الإسرائيلي. مع لون واحد لبزتي الرئيسين فهل هذه مجرد صدفة؟ أم أنها تعبير رمزي عن التلاحم بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية؟
تصريحات خطيرة: إعادة رسم الشرق الأوسط!
تصريحات ترامب خلال اجتماعه مع نتنياهو لم تكن مجرد تأكيد للدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل، بل حملت تصورًا جديدًا لما يمكن أن يكون عليه مستقبل غزة، إذ قال:
“الولايات المتحدة سوف تتولى السيطرة على قطاع غزة وسنقوم بعمل هناك أيضًا. سوف نمتلكها، وسنكون مسؤولين عن تفكيك كل القنابل غير المنفجرة والأسلحة الأخرى الخطيرة في هذا الموقع.”
هذا التصريح، الذي يوحي بتغيير جذري في سياسات الشرق الأوسط، يفتح الباب أمام تساؤلات عدة: هل تفكر الإدارة الأمريكية الجديدة في فرض سيطرة مباشرة على غزة كخطوة نحو إعادة هندسة جيوسياسية للمنطقة؟ وهل يمكن أن تنجح هذه الفكرة، خاصة في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية؟
نتنياهو، من جانبه، وصف رؤية ترامب بأنها “تفكير خارج الصندوق”، معتبرًا أن لا سلام في الشرق الأوسط بوجود حماس، مما يعني أنه يرى في مقترح ترامب فرصة لتغيير الواقع الجيوسياسي بما يخدم إسرائيل.
الموقف المصري: رفض واضح لأي تهجير
مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت من أوائل الدول التي حذرت مرارًا وتكرارًا من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء أو أي مكان آخر. وقد جاء الرد المصري سريعًا وحاسمًا: مرة على لسان قائدها وزعيمها الرئيس السيسي وأخرى من خلال اصطفاف شعبي غير مسبوق، مؤكدًا أن مصر لن تقبل بأي شكل من الأشكال بأن تكون جزءًا من أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير أهلها من أراضيهم.
فعلى المستوى الشعبي، الذي تماهى موقفه تماما مع موقف القيادة المصرية، تعالت الأصوات الرافضة لأي محاولة لإعادة إنتاج سيناريوهات التهجير القسري للفلسطينيين، حيث يرى المصريون في القضية الفلسطينية مسألة أمن قومي لا يمكن المساس بها.
المواقف العربية: تأكيد على الحقوق الفلسطينية
المملكة العربية السعودية سارعت إلى إصدار بيان رسمي قوي عقب تصريحات ترامب ونتنياهو، شددت فيه على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأكدت على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
أما الأردن، التي تمثل طرفًا أساسيًا في المعادلة الإقليمية بحكم مسؤوليتها عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فقد جددت رفضها القاطع لأي محاولة لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية لفلسطين، محذرة من أن أي تغيير قسري في التركيبة السكانية لغزة سيؤدي إلى تصعيد لا يمكن احتواؤه.
موقف تركيا وإيران: الحسابات المعقدة
على الرغم من أن تركيا لم تصدر موقفًا واضحًا ومباشرًا، فإن وزير خارجيتها أكد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري رفض بلاده القاطع لأي مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم. غير أن أنقرة لم تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، مما يثير تساؤلات حول موقفها الحقيقي وما إذا كانت تنتظر تطورات معينة قبل اتخاذ خطوات أكثر وضوحا.
أما إيران، التي تجد نفسها اليوم في وضع أكثر تعقيدًا بعد الضربات القاصمة لحزب الله وسقوط نظام بشار الأسد، فلا تزال تسعى إلى الإبقاء على نفوذها في المنطقة من خلال دعم الفصائل الفلسطينية، لكن قدرتها الفعلية على التأثير تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة.
رمزية الألوان: هل هناك دلالات مخفية؟
كما ذكرنا سابقًا، ارتدى نتنياهو رابطة عنق حمراء، وهو اللون الغالب في العلم الأمريكي، بينما ارتدى ترامب رابطة عنق سماوية، وهو لون قريب من الغالب على العلم الإسرائيلي مع اتفاق لون البدلتين.
هل هي مجرد مصادفة، أم أنها رسالة بصرية مقصودة تعكس حالة التماهي الكامل بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية؟ في عالم السياسة، نادرًا ما تكون الأمور عفوية، خاصة عندما يكون اللقاء بهذا المستوى من الأهمية.
إلى أين يتجه المشهد؟
ما بين التصريحات العلنية والإشارات الرمزية، يتشكل مشهد جديد في الشرق الأوسط، حيث تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب إلى فرض واقع مختلف للقضية الفلسطينية، وسط تناغم واضح مع حكومة نتنياهو، يقابله رفض عربي قوي، خاصة من مصر والسعودية والأردن.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن تنفيذ هذه الرؤية في ظل هذه المعارضة الواسعة؟
ما هو مؤكد أن الشرق الأوسط دخل بالفعل مرحلة جديدة، لكن هل ستنتهي هذه المرحلة بتغيير جذري في المعادلات الإقليمية، أم أنها مجرد خطوة في لعبة التفاوض الطويلة؟
وفي الختام فإننا نذهب إلى قدرة مصر والدول العربية، حال تم التنسيق بينهم بما يليق بهذا الحدث الكبير، نذهب إلى قدرتهم متحصنين بدعم الشعوب العربية لإفشال المخطط الأمريكي وكبح جماح بلطجي البيت الأبيض الذي ينظر للعالم وكأنه ملكية خاصية ويتعامل مع القادة وكأنهم موظفون في دوائره الحكومية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي