اجتهادات ابو عبدو

خليل الشيخة
2025 / 2 / 4

اجتهادات الرفيق ابو عبدو
كنت انصت مرة لأحاديث كبار الحي فسمعت منهم، بواسطة الهمس، عبارة (ابو عبدو الجحش) فاستغربت من هذه الكنية (الجحش). وعندما اصبحت في الثانوية، عرفت أن الاسم هو مجرد لقب للحط من قيمة (الرفيق) ابو عبدو (أمين الحافظ) رئيس سورية سابقاً. لكني لم أستوعب لماذا كنّوه بالجحش إلا عندما استفسرت من عجوز عاش تلك الفترة بعجرها وبجرها. في العادة، الجحش أو الحمار في المخيل الشعبي هو الشخص الغبي والأحمق الذي لا يستوعب الأشياء من حوله ومن ثم يرتكب أخطاءً جسيمة.
ساهم أمين الحافظ وهو ضابط من حلب بكل اريحية وعزم مع رفاق البعث في الانقلاب الكارثي عام 1963. يقولون أن اللجنة العسكرية اختارته رئيساً كي يتلاعبوا به ويمرروا اجنداتهم. وقد حدث في فترته قصف مأذنة جامع السلطان في حماة وقتل معظم المعتصمين فيه، كما حدث في زمانه اقتحام الجامع الأموي وقتل الكثير حيث كان قائد الاقتحام المقدم سليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير، وهو من السويداء علما أنه في زمن الاستعمار الفرنسي كانت المساجد ودور العبادة أماكن مقدسة لا تدخلها القوات الفرنسية. وربما ظن هؤلاء المعتصمون أن النظام الجديد بقيادة البعث سيفعل ذات الشيء على الأقل. لكن هيهات، فقد كان البعث لا يتوانى عن اقتحام المساجد أو المدارس أو الجامعات.
أول اجتهادات أمين الحافظ، أنه عندما كان ملحقاً في السفارة السورية في الأرجنتين، تعرف عليه الجاسوس الإسرائيلي (إيلي كوهين) الذي غير أسمه إلى (كامل أمين ثابت). ولد هذا الجاسوس في حلب وسافرت عائلته إلى مصر واستقرت هناك في مطلع القرن العشرين، وعندما قوي عصعص الصهيونية في فلسطين، عمل جاسوساً في مصر وألقي القبض عليه، لكن افرجت السلطات عنه، فرحل إلى إسرائيل، حيث جنده الموساد ليكون جاسوساً بارعا في سوريا. هناك رواية تقول إنه أتى دمشق ولم يتعرف على أبو عبدو في الأرجنتين. انتجت امريكا فيلماً اسمه الجاسوس المستحيل (impossible spy The ) الذي عرض في أواخر الثمانينات وفيه عرض بالتفصيل كيف خدع أمين الحافظ وجميع القيادة القطرية والقومية وقدم نفسه على أنه تاجر سوري يريد أن يساهم في بناء سوريا ودعم الفصائل الفلسطينية، وكان كريماً في هذه النواحي. وتناقلت حوله القصص من علاقته مع ضباط الجيش السوري وكادوا أن يضعوه وزيراً كما تروي الإشاعات.
اجتهاد آخر كان أنه صنع من مجموعة صلاح جديد أصدقاء له وكان من ضمن القيادة القطرية واستعدى القيادة القومية، لكن مجموعة صلاح جديد فصلوه من القيادة القطرية فمال إلى القيادة القومية (مجموعة عفلق والرزاز وصلاح الدين البيطار)، لكن كان قد فقد قوته في الجيش. حاول أن يصادق سليم حاطوم صاحب المغاوير، لكن عبث، فقد وقف حاطوم مع جديد رغم أنه اختلف معه إلى حد اقتحام بيته وتهديده بمسدس على أن يستقيل فوراً. فوافقه جديد واتصل مع أبو عبدو يومها يقدم استقالته، لكن رفض أمين الحافظ الإستقالة ولم يحاسب حاطوم لأنه ظن أنه موالٍ له. بعدها اتفق حاطوم وجديد على خلع الحافظ، فهاجمه حاطوم وهو على باب بيته، لكن الحافظ لم يستسلم فقاوم وهو لا يملك سوى مسدس واصيبت ابنته، وتعاملوا معه بوحشية وهم يسحبوه إلى السجن.
يذكر أن أصدقاءه حذروه من صلاح جديد ومجموعته، فرد عليهم: لا تقلقوا.. هؤلاء (أي جماعة جديد) كلاب صغار. وهكذا ازاحوه عن الحكم وانقلبوا عليه وهو الرئيس وقائد الجيش والأمين العام القطري للبعث ورئيس للوزراء. كل هذه المناصب لم تحصنه في حزب كان الصراع على السلطة فيه على أشده.
أخيراً اختار العراق موطناً له مع بقية القيادة القومية من ميشيل عفلق والرزاز، لكن صلاح البيطار اختار باريس حيث اغتالته أجهزة حافظ الأسد في أوائل الثمانينات، أما الحافظ فقد رجع إلى سوريا من العراق بعد سقوط صدام في عام 2003 بعد العفو عنه وتوفى في عام 2009 فبل أن يشهد الثورة السورية. رغم أنه مات ورحل منذ زمن، لكن الكثير من السوريين يحمله مسؤولية ما آلت إليه الأمور من مجازر وقتل، مثله في ذلك مثل أكرم الحوراني الذي شجع قبله التكتلات الطائفية في الجيش.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي