![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
فارس الكيخوه
2025 / 2 / 4
في منتصف ثمانينات القرن الماضي ،عندما كنا طلاب في جامعة الموصل ،كان في مرحلتنا شاب وسيم اسمه إدريس ، إدريس هذا لم يكن وسيما فحسب بل انيقا مرحا مطلعا يقرأ كتب كثيرة في الأدب والشعر ,على اطلاع جيد بالأديان الإبراهيمية ,شجاعاً في الطرح لا يخاف أحد ،اعجبتني شخصيته وأصبحنا بعدها أصدقاء ، وكنت في بعض الاحيان اصطحبه معي في جولاتنا إلى بعض الأديرة والأعياد المسيحية..والحق يقال ،بأننا في ذلك الزمان لم نكن نتحدث وندخل في نقاشات في الأديان مطلقاً،ولا أتذكر أنني دخلت في جدال عن الأديان، ولم نعرف نحن من هم السنة والشيعة وما الفرق بينهما،ولم يكونوا أصدقائي المسلمين أيضاً يعرفون ويفرقون بين طوائفنا المسيحية من الكاثوليكية والارثوذكسية وغيرها،فلا أحد يهتم على الأقل في الوسط الجامعي ..معلوماتنا عن الإسلام اخذناها أولا من الدراسة في المتوسطة في درس التاريخ ومن فيلم الرسالة والذي كنت أحبه لأنني بطبعي احب التاريخ ،أما المسلمين فاعتقد ،كانوا جاهلين بابسط أمور العقيدة المسيحية ،ربما لأن التوراة والإنجيل في نظرهم كتب محرفة وجب تجاهلها،ولكن الأمر لم يكن هكذا مع ادريس ،فحبه للقراءة والاطلاع وحب الفضول أيضاً ،جعله يطلب نسخة من العهد القديم والجديد من أحد أصدقائه في الإعدادية.وعندما كنا نلتقي أكاد أجزم أنه الوحيد الذي يتحدث معي في أمور الدين كل سنوات الجامعة ،وكنت معجب بمعرفته الواسعة بأمور كثيرة في العهد القديم والجديد أفضل مني بمراحل…يوم من الايام كنا في زيارة أحد الأديرة في حي العربي في الموصل ،فجلس يراقب الجمع من شباب وشابات وهم يرقصون ويغنون وبعضهم يتمشى بالقرب منا في حدائق قريبة من الدير .." يا فارس ،ديننا أسوأ من القنبلة النووية",قال لي في حسرة ،فقلت له ،ادريس ما لك يا صديقي ؟ فقال :انظر هناك دير،وهناك أناس يصلون ويوقدون الشموع وهنا أناس يرقصون ويتمشون ويجلسون ويتحدثون،الكل متفق وجميل المنظر والملبس لا مشكلة ،لا هذا كافر ولا هذا نجس،لا كراهية..نحن ليس عندنا مثل هذا الشيء .نحن نعتبركم مشركين وأعداء الله ،ومكانكم النار خالدين فيها ،والقرآن يحث المؤمنين به لقتالكم واخضاعكم حتى يكون الدين كله لنا نحن المسلمين…أيعقل ،مثل هؤلاء الناس الحلوين الطيبين يكون مثواهم النار ،وشيخ الجامع الذي أتردد إليه،رجل فاشل في حياته ،دجال لا يهمه غير الفلوس ،يضحك علينا وهو متزوج من ثلاثة ،وواحدة منهم أصغر من بنت اخي ،ويأتي ويتكلم عن الأخلاق ويذهب هو للجنة ؟؟؟ …اتعرف لماذا اطرد من الجامع ؟ يقولون للآخرين بأنني سكران ،والحقيقة،انني اشرب الكحول واذهب للجامع لا اكذب ،ولكنني عندما اذهب أشعر أنني رجل غير منافق ،اسأل أسئلة كثيرة ولماذا زرع فينا هذا الدين كل هذه الكراهية والبغضاء والعداء للآخرين ؟ بل في احدى المرات قلت للشيخ بأنني استطيع أن آتي بأفضل من آيات القرآن ، وانت تعرف مقدرتي يا فارس ،لكن الشيخ سخر مني كالعادة ،وأراد إخراجي من الجامع…اه يا فارس ،لو قلت لك ماذا يعلموننا في الجامع وماذا يزرعون في عقولنا وماذا يقولون عنكم ؟ صدقني وكما قلت لك ،ديننا اسوء من القنبلة النووية ،على الأقل القنبلة النووية ،آثارها كبيرة ولكن محدودة زمنياً ولكن ديننا آثاره كارثة حقيقية لكل الأزمنة ،ولكن من عنده جرأة واحد مثل ادريس…. وصراحة القول ،أن كلام صديقي إدريس لم أستوعبه كثيرا،فأنا حينها كنت جاهلا بأمور السيرة ،وطبعا لم أقرأ في حياتي القرآن ،فسكت بدون تعليق ولكن تعلقت هذه العبارات في ذهني لأنني سمعتها منه وهو حزين وهذا ليس ابدا من طبعه ، فرجعت وقلت له " خلي بالك على نفسك "رغم علمي أن لا أحد يستطيع أن يؤذيه في الجامع لأن أخاه الأكبر كان ضابطا كبيرا في الأمن العامة في وقت حكم صدام وكان معروفا في المنطقة..
قلت له دعنا من هذا كله ،لنستمتع بالاجواء ،خذلك سيجارة وانا اروح اجيب النا شوية مرطبات…بعد عقود من ذلك اللقاء ، أخذني الزمان من مكان إلى آخر ،من قارة إلى أخرى ووجدت نفسي ابحث واتعمق في الأديان،ابحث عن أجوبة لشكوكي في عالم أستطيع أن أفكر واعبر بحرية ،بعدها تغيرت قناعاتي كثيرا، وأدركت أن الأديان تنضح بشرية وأدركت مأساة ومعاناة شخص مثل ادريس،وأدركت أن كلامه كان في الصميم …فكم ادريس هناك لا يستطيع البوح عما في أعماقه ودواخله ورفضه لذلك المتراكم المترسخ في العقول.
تحياتي لصديق الدراسة ادريس الجرئ ،اتمنى له كل خير….
تحياتي..
الأديان بشرية الصنع والاستيراد والتصدير.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |