-الفتنة القادمة من منغوليا: سقوط غابة السلام-

أزاد خليل
2025 / 1 / 25

في أعماق التاريخ، وُجدت غابة مسحورة تُعرف بـ”غابة السلام”. هذه الغابة لم تكن كأي غابة أخرى؛ فقد سادت فيها قيم العدل والمحبة، حيث عاشت الكائنات من مختلف الفصائل في انسجام قلّ نظيره. الذئاب التي عُرفت بشراستها تنازلت عن غريزتها المفترسة لتأكل الأعشاب، والأسود القوية لم تكن تجسد سوى الحماية والعدل. حتى النعاج كانت ترعى في الحقول بلا خوف، في ظل حكم عادل قاده الأسد الملك شيروان.

الملك شيروان: رمز العدالة والحكمة
كان شيروان أسدًا عظيمًا، عُرف بقوته وعدله. لم يكن مجرد حاكم؛ كان معلمًا وحاميًا لكل سكان الغابة. علّم أبناءه أن القوة ليست للبطش، بل لحماية المظلوم وإرساء قواعد السلام. قال لهم ذات مرة: “القوة الحقيقية هي في استخدام الحكماء لقوتهم لمنع الظلم، لا لفرضه.”
تحت حكم شيروان، عاشت الغابة سنوات من السلام والتقدم. لكن كما هو الحال دائمًا، السلام مغرٍ للنفوس الماكرة التي لا تعيش إلا على الفتنة والخداع.

الضباع: قادمون من أرض الخراب
في يوم من الأيام، ظهرت من وراء الجبال الشرقية مجموعة من الضباع المشردة. قادهم ضبع كبير، قادم من أرض بعيدة تُعرف بمنغوليا، أرض اشتهرت بالصراعات والجوع والخراب. كان الضبع القائد قبيح المنظر، ينبعث منه نتن الخيانة، محاطًا بقطيع من الضباع المريضة التي جفّت أعينها من الخير وامتلأت شرًا.
كان هؤلاء الضباع مشردين بلا أرض، هاربين من ديارهم بسبب صراعاتهم الداخلية التي التهمت كل شيء. لم يكن لديهم مكان يأوون إليه ولا طعام يسد جوعهم. جابوا الصحارى والجبال بحثًا عن أرض جديدة، حتى وصلوا إلى “غابة السلام”.

طلب الرحمة من شيروان
عندما اقترب الضباع من الغابة، أدهشهم ما رأوا: غابة خضراء عامرة بالحياة، كائنات تعيش بلا صراعات، وملك عادل يحكم الجميع. كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون مواجهة الأسود أو الذئاب مباشرة، لذلك قرروا استخدام مكرهم المعهود.
قادهم الضبع الكبير إلى عرين الأسد شيروان. وعندما وصلوا، ركع الضباع أمامه في مشهد ذليل. انحنى الضبع القائد قائلاً: “أيها الملك العظيم، نحن ضباع مشردون. هربنا من أرضنا بعد أن دمرها الطغيان والجوع. جئنا نبحث عن مأوى بينكم، ونعدكم بأننا لن نؤذي أحدًا. دعونا نعيش هنا بسلام، وسنكون خدامًا لأوامرك.”
رغم أن شيروان كان يعرف طبيعة الضباع وخبثهم، إلا أن قلبه الطيب غلبه. نظر إلى الضباع وقال: “لن أرفض مأوى لمحتاج، لكن السلام هنا مقدس. إذا أفسدتم هذا السلام، فلن أتردد في الدفاع عن الغابة.”
سمح لهم شيروان بالعيش في أطراف الغابة، بالقرب من قطيع الذئاب والنعاج، لكنه وضع شروطًا صارمة تحظر عليهم أي تدخل في شؤون الغابة.

الخطة الخبيثة: الفتنة تبدأ
لم تمضِ أسابيع حتى بدأ الضباع بتنفيذ خطتهم الماكرة. أدركوا أنهم لا يستطيعون مواجهة الأسد شيروان وأبنائه بشكل مباشر، لذلك قرروا ضرب الغابة من الداخل. بدأوا بزرع بذور الشك والفتنة بين سكان الغابة.
اقترب الضباع من الذئاب وبدأوا يهمسون لهم: “أنتم أقوياء، خلقتم لتكونوا صيادين، فلماذا تتخلون عن طبيعتكم؟ هل يليق بكم أن تأكلوا الأعشاب كالحيوانات الضعيفة؟” ثم ذهبوا إلى النعاج، وقالوا لهم: “احذروا من الذئاب. قد تبدو مسالمة، لكنها تخطط لافتراسكم قريبًا. نحن فقط من يمكنه حمايتكم.”

الدماء الأولى: بداية الصراع
استمرت الضباع في نشر الأكاذيب والفتن حتى اندلع صراع بين قائد الذئاب وكبير النعاج. وفي لحظة غضب، هجم قائد الذئاب على النعجة، مما أسفر عن مقتلها. كانت هذه الحادثة الشرارة الأولى التي أشعلت الحرب بين الذئاب والنعاج.
تحولت الغابة إلى ساحة فوضى، وسالت الدماء لأول مرة منذ عقود. بينما كان سكان الغابة منشغلين بالصراعات، كانت الضباع تراقب من بعيد، تضحك بخبث وتخطط للخطوة التالية.

ادعاءات كاذبة: خطة الأحجار
في خضم الفوضى، بدأت الضباع في الاستيلاء على الأراضي الخصبة في الغابة. لم يكتفوا بذلك، بل جلبوا معهم أحجارًا وأشياء قديمة من موطنهم في منغوليا. دفنوها في أماكن مختلفة من الغابة، ثم بدأوا يروجون أكذوبة جديدة: “هذه الغابة ليست لكم. إنها أرض أجدادنا، ونحن فقط عدنا لاسترداد حقنا التاريخي.”
انتشرت هذه الأكاذيب بين سكان الغابة، مما زاد من الانقسامات والصراعات. الذئاب والنعاج استمرت في القتال، بينما الضباع توسعوا أكثر وسيطروا على الأراضي تدريجيًا.

عودة شيروان: المعركة الأخيرة
كان الأسد شيروان وأبناؤه في جولة جنوبية عندما وصلت الأخبار المأساوية. علموا أن الغابة أصبحت خرابًا، وأن الضباع استغلت الفوضى للسيطرة. اشتعل غضب شيروان وقال لأبنائه: “السلام الذي حافظنا عليه بدمائنا وعرقنا لن يُستعاد إلا بمخالبنا.”

عاد شيروان إلى الغابة وواجه الضباع في معركة ملحمية. قاتلت الأسود بشجاعة، لكن الضباع كانت قد زرعت جذور الفتنة بعمق.

الخيانة وسقوط الملك
في خضم المعركة، تعرض شيروان لخيانة من بعض سكان الغابة الذين انخدعوا بأكاذيب الضباع. أوقعوه في فخ، وانقضت عليه الضباع بغدر شديد. سقط شيروان بعد معركة طويلة، تاركًا وراءه إرثًا من الشجاعة والحكمة.

ثورة الأشبال: الأمل الأخير
رغم سقوط شيروان، لم تنتهِ القصة. أبناؤه قرروا مواصلة النضال. جمعوا صفوف الأسود المتبقية، وبدأوا في التخطيط لثورة كبرى ضد الضباع.
قال الابن الأكبر: “هذه الغابة لنا، ولن نتركها لقطيع من الغادرين. قد خسرنا معركة، لكن الحرب لم تنتهِ. الحق معنا، وسننتصر مهما طال الزمن.”

العبرة من القصة
ما حدث في “غابة السلام” ليس مجرد حكاية عن أسود وضباع، بل هو انعكاس لما يحدث عندما يتسلل الغرباء بأطماعهم إلى أرض ليست لهم. الضباع تمثل كل من يستخدم الخداع والفتنة للوصول إلى السلطة، بينما الأسود هي رمز للعدل والحق.
القصة تذكّرنا بأن الحق قد يتراجع أحيانًا، لكنه لا يُهزم أبدًا. قد يطول الظلم، لكن إرادة أصحاب الحق كفيلة بإعادة التوازن مهما طال الزمن.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي