الثورات العربية: هل حققت الديمقراطية أم أعادت إنتاج الاستبداد؟

أزاد خليل
2025 / 1 / 20

تاريخ البشرية حافل بالثورات التي سعت إلى إسقاط أنظمة استبدادية قمعية، إلا أن النتائج لم تكن دائمًا على قدر التطلعات. ففي العديد من الحالات، استُبدِلَت أنظمة الحكم المستبدة بأخرى لم تكن أفضل حالًا، بل ربما أسوأ في بعض الأحيان. هذا يدفعنا للتساؤل عن أسباب هذا النمط المتكرر، وعن دور الشعوب في بناء الأنظمة الاستبدادية أو المساهمة في استدامتها.

أسباب فشل الثورات في تحقيق أنظمة حكم أفضل
1. غياب القيادة الموحدة والرؤية الواضحة: تفتقر بعض الثورات إلى قيادة مركزية ورؤية استراتيجية واضحة، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وانقسام الصفوف. هذا التشرذم يُسهِّل على القوى المضادة للثورة استعادة السيطرة أو يؤدي إلى صراعات داخلية تعيق تحقيق أهداف الثورة.
2. الفراغ المؤسسي: عند إسقاط نظام مستبد، قد يحدث فراغ في المؤسسات الحكومية والأمنية. إذا لم يتم ملء هذا الفراغ بسرعة وبشكل فعّال، فقد يؤدي ذلك إلى فوضى واضطرابات تُمهِّد الطريق لظهور أنظمة استبدادية جديدة تستغل حالة عدم الاستقرار.
3. التدخلات الخارجية: تسعى بعض القوى الإقليمية والدولية إلى حماية مصالحها من خلال التأثير على مسار الثورات، سواء بدعم أطراف معينة أو بفرض أجندات تتعارض مع تطلعات الشعوب، مما يُعقِّد عملية الانتقال الديمقراطي.
4. الثقافة السياسية السائدة: في بعض المجتمعات، تكون الثقافة السياسية غير مهيأة لتقبل الديمقراطية والتعددية، نتيجة لعقود من القمع والتهميش. هذا يجعل من الصعب بناء نظام ديمقراطي مستدام دون جهود توعوية وتثقيفية مكثفة.

دور الشعوب في بناء الأنظمة الاستبدادية أو استدامتها

لا يمكن إعفاء الشعوب تمامًا من مسؤولية ظهور أو استدامة الأنظمة الاستبدادية. ففي بعض الأحيان، يسهم الخضوع والقبول بالواقع، سواء بدافع الخوف أو اللامبالاة، في تمكين المستبدين من ترسيخ حكمهم. كما أن غياب الوعي السياسي والمشاركة الفعّالة في الشأن العام يفسح المجال أمام النخب الحاكمة للانفراد بالسلطة دون رقابة او محاسبة كما ندرك أن الشعوب تلعب دورًا حاسمًا في بناء الأنظمة الاستبدادية أو استدامتها، سواء كان ذلك بوعي أو دون وعي. فمن خلال الخضوع التام للسلطة، والامتناع عن المشاركة السياسية الفعّالة، والسكوت عن الممارسات القمعية، تُمكِّن الشعوب الأنظمة المستبدة من ترسيخ وجودها. بالإضافة إلى ذلك، يُسهم التصفيق والتأييد الأعمى للقرارات الحكومية، دون نقد أو مساءلة، في تعزيز ثقافة الاستبداد. إن غياب الوعي السياسي واليقظة الفكرية يُسهِّل على الأنظمة القمعية استغلال الشعوب وتوجيهها بما يخدم مصالحها. لذا، فإن تعزيز الوعي المجتمعي، وتشجيع المشاركة السياسية، ونشر ثقافة النقد البنّاء، تُعد أدوات أساسية لمواجهة الاستبداد ومنع إعادة إنتاجه بطرق وأساليب مختلفة. إن الشعوب الواعية هي الحصن المنيع ضد تسلط الأنظمة، وضمانة لبناء مستقبل ديمقراطي يُحترم فيه الإنسان وحقوقه

نحو تغيير ناجح ومستدام

لضمان نجاح الثورات وتحقيق أنظمة حكم أفضل، يجب مراعاة ما يلي
بناء قيادة موحدة: تحتاج الثورات إلى قيادات تتمتع برؤية واضحة وقدرة على توحيد الصفوف وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة.
تعزيز الوعي السياسي: يجب العمل على نشر الثقافة الديمقراطية وتعزيز قيم المشاركة والمساءلة بين أفراد المجتمع، لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.
إعادة بناء المؤسسات: من الضروري التركيز على بناء مؤسسات دولة قوية وشفافة، قادرة على تلبية تطلعات الشعب وحماية مكتسبات الثورة.
مواجهة التدخلات الخارجية: يجب تعزيز السيادة الوطنية ورفض أي تدخلات خارجية تسعى لفرض أجندات تتعارض مع مصالح الشعب.

في الختام
إن التغيير الحقيقي لا يقتصر على إسقاط الأنظمة المستبدة، بل يتطلب بناء أنظمة حكم تعكس إرادة الشعوب وتحقق العدالة والحرية. وهذا يستدعي وعيًا جماعيًا وجهودًا مستمرة لضمان عدم تكرار دورات الاستبداد والقمع،إن الوعي واليقظة الفكرية هما الحصن المنيع ضد إعادة إنتاج الاستبداد بطرق وأساليب جديدة. فالتاريخ يُظهر أن إسقاط الأنظمة المستبدة لا يضمن بالضرورة بناء أنظمة أكثر عدلاً، بل قد يؤدي أحيانًا إلى ظهور استبداد جديد بأقنعة مختلفة. لذا، فإن مسؤولية الشعوب تكمن في عدم السكوت أو التصفيق على الأخطاء، بل في ممارسة النقد البناء والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية. إن غياب الوعي الجمعي والرقابة الشعبية يتيحان المجال أمام القوى المستبدة لإعادة إنتاج نفسها، مستغلة غفلة الجماهير أو تواطؤها الصامت. من هنا، يتوجب على الأفراد والمجتمعات تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح، والتمسك بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لضمان أن تكون عملية التغيير حقيقية ومستدامة، وليست مجرد استبدال طاغية بآخر.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي