ادونيس : يعيد نشر قصيدة الطوفان

ادونيس يعيد نشر قصيدة : الطوفان

تساءلتُ وأنا اقرأ قصيدة الطوفان منشورة على صفحة الشاعر ادونيس الإلكترونية:: عن السبب الذي دفع ادونيس إلى إعادة نشر قصيدة : كان قد كتبها قبل اكثر من نصف قرن …

في هذه القصيدة ينطلق ادونيس في معالجته لحدث الطوفان من رؤية مستقلة عن رؤية المصادر الأولى التي ذكرت الطوفان مثل ملحمة جلجامش والتوراة والقرآن . فالطوفان لم يرد في قصيدة ادونيس كجزء من ملحمة يشير إلى إمكانية حصول اي فرد من أفراد الجنس البشري على الخلود إذا قام بأعمال بطولية تشبه ما قام به اتونوبشتم ( نوح ) من صناعة سفينة انقذ من خلالها الجنس البشري وعموم النوع الحيواني من الانقراض . كما لا يرد الطوفان في القصيدة لتذكير الجنس البشري بقصوره ، ولزرع الخوف من الآلهة ( كلية القدرة ) في أعماقه ، وانتزاع الطاعة لهم من مخلوقاتهم البشرية كما فعلت الكتب الدينية …

كما لم يرد الطوفان في قصيدة ادونيس بالمعنى الذي استخدمه الشاعر عبد الوهاب البياتي كضرورة لتنظيف الارض من أدرانها المتراكمة : ( والأرض للطوفان محتاجة لعلها من درن تغسلُ) وقد سبق أبو العلاء المعري الشاعر عبد الوهاب البياتي الى هذا المعنى، والتقط الشاعر امل دُنقل من سردية الطوفان حالة تمرد الابن الرافض للحل الذي اقترحه والده في بناء سفينة قائلاً : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء . سورة هود : 43 ) …

انطوت قصيدة ادونيس عن الطوفان على فكرة مستحدثة : لم يحاكِ فيها احداً سبقه . فالطوفان في قصيدة ادونيس : فعل مستمر الحدوث في الزمان وغير منقطع : اذ يفتتح الشاعر قصيدته بطرد الحمامة التي عادت ببشرى ظهور اليابسة : الّا ان قائد السفينة مصمم على عدم استئناف الحياة على اليابسة مرة أخرى : ( اذهبي لا نريدك ان ترجعي يا حمامة )..

لا تشكل القصيدة امتداداً لرؤية ادونيس في كتابه الشهير عن الثابت والمتحول في الموروث الثقافي العربي الأدبي والفكري والفقهي : ( والحق ان تناول ادونيس للموروث يختلف عن تناول الدكتور محمد عابد الجابري الذي شطر الموروث الى ثلاث عقول : بيانية وبرهانية وعرفانية ثابتة لا تتغير ، وشطر العالم العربي على اساسها : بين مغرب عقلاني ومشرق عرفاني او خرافي بطريقة عنصرية ، فيما تناول ادونيس التراث كمعطى واحد : احتفى بجديده ) وكل من هذه العقول ينطوي على بعد واحد : تراجيدي ينتمي إلى دائرة أساطير العبث واللاجدوى والعذاب المقيم كما جسده بطل أسطورة سيزيف الذي كلما وصل بالصخرة إلى القمة عاودت السقوط ، وعاود هو دفعها إلى الأعلى مجدداً …

يمكن تلمس الإجابة عن سؤال السبب وراء اعادة نشر ادونيس لقصيدته : الطوفان ، في حاضر الانقلاب السياسي الذي حدث بعد ثورة الربيع العربي في سوريا 2011 ، وبعد انهيار النظام السياسي لآل الاسد في الثامن من ديسمبر 2024 ، الذي كان واحدًاً من تداعيات معركة : طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر 2023 ، التي لا تقف عند حد : الهدنة ، إنما ستتجاوزه إلى تغييرات تشمل ولادة دول وموت أخرى : كما حدث قبل قرن من الزمان في معاهدة سايكس - بيكو ، ولهذا يكون السبب في اعادة نشر القصيدة نابعاً من رؤية ادونيس للثابت والمتحول في الوعي السياسي العام الذي يتحرك بشكل دائري لا حلزوني ، وفي هذه الحركة الدائرية يعيد الالتقاء بنفسه باعثاً من جديد؛ أصول السلف التي خلفها له قبل اكثر من ألف سنة : في الفقه وقواعد النحو واحكام الشريعة ، فالتغير السياسي الكبير الذي حدث في سوريا في الثامن من الشهر الماضي هو بعبارة ادونيس : العودة إلى الثابت ورفض عناق المتغير : مما يدفعنا إلى ان نجعل من توقيت اعادة نشر القصيدة : اجراء واعياً من قبل ادونيس للدفاع عن رأيه الذي طرحه عام 2011 جول معنى الحركات السياسية التي تنطلق من الجوامع وتكايا التصوف ….


لويزيانا : 17 / 1 / 2025