|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أزاد خليل
2025 / 1 / 11
قبل عشر سنوات، تركتُ بلادي سوريا قسرًا، بسبب انخراطي في الثورة السورية ونشاطي السياسي ضمن تيار المستقبل الكردي. لم يكن خروجي قرارًا شخصيًا بقدر ما كان فرضًا قاسيًا فرضته عليّ الظروف. كنت أرغب في البقاء، لكن أرض الوطن أصبحت تهدد حياتي. البداية كانت في بيروت، حيث حضرت مؤتمرًا لدعم المعارضة السورية، لكن نشاطي السياسي جعلني هدفًا لأجهزة الأمن السورية في السفارة هناك.
اختطاف في بيروت: الحادثة التي غيّرت مسار حياتي
لأول مرة أعلن على الملأ أنني تعرضت للاختطاف من قبل أجهزة الأمن السورية في بيروت. تم احتجازي والتحقيق معي بسبب نشاطاتي، بما في ذلك مشاركتي في أول تظاهرة ضد النظام في بيروت، في ساحة الحرية. أثناء التحقيق، تعرضت للضرب والإهانة، لكن بمعجزة خرجت من قبضة السفارة. تواصلت مع عدة سفارات دولية، وعرضت عليّ دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا حق اللجوء السياسي. اخترت السويد بسبب سرعة الإجراءات، وهكذا بدأت رحلتي الجديدة.
الوصول إلى السويد: حلمٌ لا يشبه الواقع
في 24 نيسان 2014، غادرت بيروت إلى إسطنبول، ومنها إلى مطار ستوكهولم الدولي. كان موظفو الهجرة السويدية بانتظاري، حاملين لافتة ترحب بي: “أزاد خليل، مرحبًا بك في السويد”. شعرت حينها بدهشة عميقة: كيف لبلد غريب أن يستقبلني بهذه الحفاوة، بينما بلدي الأم أنكر هويتي، لغتي، وحتى حقي في الحياة الكريمة؟
تم نقلي إلى منزل صغير في ريف الشمال السويدي، وكنت السوري الأول الذي يسكن تلك القرية. لا أحد سألني عن ديني، مذهبي، قوميّتي، أو توجهي السياسي. الجميع كان ينظر إليّ كإنسان، لا أكثر ولا أقل. شعرت للمرة الأولى بالسلام، بعيدًا عن الخوف من الاعتقال أو الموت.
حياة جديدة في وطن يقدّر الإنسان
في صباح اليوم التالي، رافقتني موظفة من الهجرة إلى مدينة سوندسفال لاستخراج أوراقي القانونية. دهشتُ من النظام في مكتب الهجرة: لا فوضى، لا رشوة، لا واسطة، فقط نظام واضح وسلس. عندما حان دوري، ابتسم لي الموظف ونطق اسمي بطريقة خاطئة، فقال: “أسد” بدلًا من “أزاد”. صحّحت له بابتسامة، وفكرتُ كم هو مختلف هذا المكان عن بلدي، حيث كانت المعاملات الرسمية تتطلب “إكرامية” حتى تسير الأمور.
مع مرور الأيام، بدأتُ أندمج في المجتمع السويدي، وعملتُ في قطاعات مختلفة، منها وزارة العمل والهجرة والتربية والتعليم. وبعد أربع سنوات فقط، حصلت على الجنسية السويدية، حاملاً أحد أقوى جوازات السفر في العالم.
مقارنة موجعة: وطن يحتضن وآخر ينكر
بينما كنت أعيش كإنسان كامل الحقوق في السويد، تذكرتُ آلاف الكرد السوريين المحرومين من الجنسية في وطنهم، يعيشون كأرقام بلا هوية. عشر سنوات في السويد كانت كافية لأرى كيف يمكن لبلد أن يتقدم في كل المجالات: التعليم، الطب، والصناعة. وفي المقابل، بلادي غارقة في مستنقعات الجهل، الفساد، والطائفية.
سوريا الغد: أمل رغم الألم
اليوم، بعد مرور 14 عامًا على اندلاع الثورة السورية، ورغم الانتصار السياسي في ديسمبر 2024، ما زلنا نواجه تحديات بناء دولة جديدة. دولة تُرسخ فيها قيم العدل والمساواة، ويتساوى فيها المواطنون بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم.
إن انتصار سوريا الحقيقي لن يكتمل إلا عندما يكون الولاء للوطن فقط، عندما نعمل جميعًا لنهضة بلادنا، ونبني دولة تكون منارة للعلم والحرية في الشرق.
لقد كانت رحلتي من بيروت إلى السويد رحلة نحو الحرية، لكنها كانت أيضًا رحلة نحو الإيمان بأن سوريا يمكن أن تصبح وطنًا يحتضن جميع أبنائه دون استثناء. سوريا التي نحلم بها، هي سوريا التي يعيش فيها الجميع كرماء، أعزاء، أحرار.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |