رجال من لگش الرواية التي رممت جراحاتي

مصطفى العمري
2025 / 1 / 11

يتهادى بمشيته الثقيلة وكأنه يحمل هموم الدنيا، يفكر بديناميكية لتخليص الحاضر من دنس الماضي، يتطلع نحو المستقبل لا يجد فيه ضوءً لانه يدرك أن حقيقة النور تأتي ومضة من الواقع المعاش من الحاضر إلى المستقبل وهو يدرك أيضاً أن الواقع فيه مصابيح فردية الحركة و تصارع الظلام بجهود مضنية لكنها تعيش الغربة و الإقصاء.

لا شيء يغير المزاج فالأخبار تنهال صواعق مرعبة و الدمار لم يكن سوى صورة مألوفة على شاشات التلفزيون، الحرب تشغل الناس و الموت هو الحكاية القديمة الجديدة،كل شيء مغطى بالقتامة الحالكة هذا هو شعور الغالبية و أنا ليس بمنأى عن هذا الأمر ولا بعيداً عنه.
وبينما أنا على هذا الحال تهطل عليّ رواية "رجال من لگش"
بين جبال قنديل وسيدي عمير
للكاتب العراقي الاستاذ سلمان عبدمهوس، فتعيد لي شيئاً من حياتي بل وتهب لي حياة اخرى وعالماً مختلفاً، فأنكبُ عليها قارئا ً بنهم عالٍ ، و شعور متفرد ولعلها محاولة لطرد الديجور المتنامي بداخلي و وئد الدجن الذي يغامر في إحتلال خلايا عقلي المركبة بطريقة الديالكتيك غير المستقرة، فبالوقت الذي حاول الواقع إلتهام ما تبقى مني من مشاعر و انتزاع خلايا التفكير من عقلي،تأتي هذه الرواية العظيمة لتنتشلني من مخالب التيهان المفرط و تعيدني إلى ضفة جديدة أكثر واقعية و اندكاكاً بالحياة.

وعندما تعمقت بهذه الرواية وجدتُ أن حيزاً كبيراً قد أفضته لي و أزاحت جزءً عظيماً من التكالب الطبيعي الذي ينهال على الناس وحولت همومي مجرد لهاث طفل على بلور النافذة كما يقول جبران.

نفسي المتوعرة من أحداث الحياة و همجية البطش التي تُرتكب بحق الناس الأبرياء لم تجد لها موئلاً سوى التفسح بين غابات ممتدة على طول نهر ديترويت الرابط بين البحيرات العظمى, والتي تفصل بين أمريكا و كندا, هذه الأجواء الهادئة المريحة و الدعة الغالبة على غيظ النفس البشرية, تُزيح شيء من هذا النكد الذي يُلحقه الانسان بالإنسان. وما ان ابتلعتُ المذاق الأول لرواية رجال من لكش حتى غمرتني هالة من السكون و الاطمئنان فتوغلتُ بعيداً و طفتُ مع توهجاتها ومع تفاصيلها و حلقتُ بكل قواي كي لا تفوتني مفردة او يسرح ذهني وانا في غمرة القراءة, وكأنها تنتشلني من واقع مريع الى واقع أكثر استئناساً و طمأنينة, رغم أحداثها التي لا تعرف الاستقرار و الطمأنينة.

ليست وظيفتي ان أُقيّم او أُقوّم الرواية بقدر ما أحاول الكتابة عن تأثيرها بنسق حياتي وذلك وفق الظرفية الزمانية التي كنت أتعايش معها. فالملاحم التي دونها الأستاذ مهوس بروايته فيها أفق عال و تجانس ملموس يصل حد الاطباق مع شريحة عالية من المجتمع العراقي. وقد صاغ أحداثه و تنهداته و عذاباته و قصصه, بطريقة إحترافية مُبهرة وبنوعية الجزالة المتفردة, ما ان تلتهم أول كلماته و تتذوقها حتى تكتشف انك أبحرت معه في صفحات و صفحات عديدة, أسلوب يستفزك من الداخل و يرغمك بطريقة السكون و الدماثة على التواصل و التبحر بالقراءة, فالتنقلات بالاحداث فيها نسق عال من الدقة و الحرفية, فضلاً من انها أي أحداث الرواية ذات طابع بلبوسات متعددة وغير عادية.
أعتقد ان الكتابة عن تفاصيل الرواية قد لا تكون موفقة, لكن الكتابة عن تأثير رواية رجالً من لگش بين جبال قنديل وسيدي عمير, سيكون أكثر واقعية و دافعية ذاتية لدعوة المثقفين لقراءة الرواية.
يستهل الأستاذ و الصديق سلمان عبد مهوس روايته بوثوقية المتمرس فيقول:

"الشجعان هم من ينتصرون لإرادة الخير دائماً, كالبيادر بأحلامهم الشجاعة و طموحاتهم الكبيرة وبمواقفهم المبدئية السامية, يفيضون نبالة و محبة وإنسانية و يضيئون العالم بقيم العدل و التسامح و المساواة هم القادرون على اتخاذ القرارات الصعبة في المواقف و اللحظات المصيرية الحاسمة فيحيلون هزائمهم و انتكاساتهم سلماً لإنتصاراتهم القادمة و يبثون روح الامل و التفاؤل في نفوس الفقراء و الكادحين نحو حياة حرة و كريمة."

من هذه المقدمة ندرك ان المعاناة و العذابات هي التي صيّرت الكاتب و عجنته بدموع القهر وترحال الغربة فمخاض العسر لا ينجب إلا كبار و عظماء.

في فرزة لاحقة يقول:
"خلدت في نوم عميق بعد يوم مكتظ بالمحاظرات و حوار ساخن مع حكمت, لأستيقظ اخر المساء, لا اسمع أيّ صوت ,كأن المكان مهجور منذ سنين, التلاميذ غادروا المكان فلا أثر يدلُّ عليهم المساء هنا حكاية تتكوم على جدران روحي الهشة في مشهد كئيب يتدفق نحو شعوري شعوري لحظات الغروب. ص123"

وكأن قدر هذا الشاب المهندس العراقي خريج جامعة البصرة, يدفعه الى الترحال القسري دون المبالاة بما سيتكبده من خسائر معنوية ونفسية, أما المادية فقد نالها منذ زمن بعيد جداً.
تدفع الرواية بموجات من الاحداث التي تستوجب التأمل و الدراسة, خاصة وانها تنبثق من عمق المعاناة و الترحال, فقد وجدتُ الكاتب يؤشر و ينبه ويحذر أكثر من مرة الى عدم أعادة المأساة و الترويع الذي إنهال على العراقيين بالازمان المنصرمة, بل يفتح أبواباً عدة لإمكانية عيش الناس بسلام و إطمئنان, فهو ليس مع إستحضار الماضي لكي يُجلد به الحاضر.

ملاحظة:
عندما أرسل لي الأستاذ سلمان عبد مهوس روايته الرائعة, عكفت على قراءتها بنهم و شغف عال, والحق أقول كانت أمنيتي ان لا ينتهي هذا المسلسل المترابط بالاحداث و المواقف العدة, وكلما قلبت صفحة أشعر بشيء من الضيق ينتابني خاصة بالنهايات منها.
و الحق أقول لم يكن شخص الأستاذ سلمان حاضراً كصديق, لكي لا تغلب عليّ نزعة العاطفة بل كانت الاحداث هي التي تسير معي و تعصف بمزاجي بين الحين و الاخر.
وبعد ان أكملت القراءة و أعدت الكرة على بعض الفصول, أرسلتها الى أصدقاء معتبرين و ذات مكانة عالية من الوعي و الثقافة، ولم يكن أرسالي للرواية بنزق عاطفي, بل بثبات عقلي محض ولم أُغامر لكي أكتب او ارسل لولا وثوقي الشخصي من أنها رواية عالية المقام وحرّي بالمثقف العربي قراءتها بدقة و تروي.


كل الشكر للأخ و الصديق الأستاذ سلمان عبد مهوس لهذا الجهد الاستثنائي و أتمنى له التوفيق و النجاح الدائم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي