|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد بقوح
2025 / 1 / 11
يعرف المغرب راهنا تحولات عميقة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها قطاع التعليم الذي راكم العديد من الإخفاقات، في مجال تاريخ إصلاحه التربوي. لهذا، ومن أجل رفع هذا التحدي التغييري، راهنت السلطة الوصية على القطاع التربية والتكوين، في خضم تحولات تحديث مغرب اليوم، على نهج سياسة تعليمية مختلفة، وربما جريئة، تنطلق من وظيفة الأستاذ، كمتدخل محوري في اتجاه المتعلم (ة)، باعتباره متلقي إيجابي مشارك في عملية التعلم، عبر فعل الأنشطة التربوية، حتى وإن كان دور المتعلم (ة) هنا يركز على سلوك التكرار والترديد، من خلال ما يسمى بعرض النمذجة، أي تقديم الأستاذ للنموذج التعلّمي، وصولا إلى العمل المستقل للمتعلم (ة)، وهو ما يحق لنا وصفه بمفهوم التقليد الذي يشتغل في عمق إجراء التحديث التكنولوجي، كإطار عام لتصور السياسة التعليمية المعنية لمسألة الاصلاح التربوي الجاري.
إن أطروحة إحداث تغيير جذري في المنظومة التربوية بالمغرب، وفق منظور فلسفة هذا الإصلاح التربوي إذن (المدرسة الرائدة)، لابد أن تستند إلى العناصر التقليدية الثلاثة المعروفة، كما تم التصريح بها من طرف مسؤولي الإدارة التربوية، هي: وظيفة الأستاذ الذي أصبح له دورا مركزيا في إرساء بيداغوجيا التواصل التربوي داخل الأقسام، وذلك بتكوينه التكوين الأساسي، حيث تمّ اختيار لهذه المهمة مقاربة الطارل tarl الهندية، ذات التحيين المغربي، من أجل تجاوز إشكالية التعثر عند التلاميذ، بدءا بالسلك الابتدائي الذي يعتبر اللبنة القاعدية للإنجاح هذا المشروع الإصلاحي الهام في التربية والتعليم، قبل التحول إلى تنزيله القادم في الأسلاك التعليمية الأخرى. أما العنصر الثاني فهو التلميذ، الذي يعتبر المتدخل الأساسي الموالي، بإشراكه الفعال ووفق مستواه التعلمي، قبل مرحلة الإنجاز المستقل والانتاج في الأخير. في حين، يعتبر فعل التعلم في ذاته، العنصر الثالث الأساس المستهدف، في عملية بيداغوجيا الطارل tarl، باعتباره صرح ومركز الجذب بين الفاعل (الأستاذ) والمتلقي (التلميذ)، الذي من خلاله يظهر أثر فعل ممارسة الأنشطة العادية والمدعمة، ومن تم، تحسّن تعلماته الأساسية في مجال اللغات (العربية والفرنسية) والرياضيات، وفق أجندة الرؤية الاصلاحية ومبادئ قانون الإطار 17-51.
ومن الانتقادات الوجيهة التي يمكننا رصدها، وتسجيلها بخصوص تجربة مدارس الريادة، في شقها الأولي العلاجي المتعلق ببيداغوجيا "الطارل tarl"، وكذلك في طورها الأساسي المتقدم "التعليم الصريح"، نذكر ما يلي:
1-على مستوى وظيفة الأستاذ: ما يزال هامش التصرف والابداع والابتكار مغيبا في الفعل البيداغوجي للأستاذ، في علاقته التعلمية بالمتعلم (ة)، الشيء الذي يؤشر على استمرار هيمنة العقل الإداري، بصفته التقنية الراهنة، على الفكر التربوي داخل دواليب هذا الاصلاح. وأبلغ دليل على ذلك، طريقة إنزال الدروس اليومية في منصة الريادة، ذات الحس "السيزيفي" بالنسبة للأستاذ.
2-على مستوى دور المتعلم: إن التحدي الأكبر الذي تواجهه مدرسة الريادة، ومن خلالها بيداغوجيا الطارل tarl والتعليم الصريح، هو ظاهرة اكتظاظ المتعلمين في الفصول الدراسية، باعتبار أن مسألة التحكم في التعلمات الأساسية، من قبل المتعلمين، رهين بتوفير البيئة العددية الآمنة، في المدرسة المغربية. بالإضافة إلى اعتنائها الأصلي بالتلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم. في المقابل، تهمش هذه التجربة البيداغوجية بشكل كبير التلاميذ المتميزين. ونفس الملاحظة يمكننا تسجيلها وطرحها بخصوص متعلمي العالم القروي.
3-على مستوى التعلم: حين يكون هامش حرية الأستاذ ناقصا، وشرط المتعلم يشكو من اختلال الاكتظاظ، لابد أن تنتج عن ذلك بعض الصعوبات، في مجال تلقي التعلمات، ستجعل دور الأستاذ أمام محك حقيقي، خاصة أن الوزارة الوصية على القطاع التربوي، وضعت لمسار تطور التعلمات التي يجب أن تتحقق عمليا، أهدافا ومؤشرات دقيقة وهادفة.
يمكننا، في ضوء تصورنا لمسألة المدرسة الرائدة، باعتبارها شأنا تربويا واجتماعيا، يحتمل النقد كما يحتمل المدح، يرتبط بسياسة تعليمية مستقبلية، تضع نصب عينيها صياغة نموذج مجتمعي للمواطن المغربي، أن نطرح السؤال التالي:
هل مشروع مدرسة الريادة في المغرب، يكرس التقليد والتبعية، أم يراهن على تأطير وإنتاج:
أ-الانسان الآلي - العبد الذكي
ب-الانسان الخاضع للآلة - العبد الأبله
ج-الانسان الذي يفكر ويبدع بالآلة ؟
و أخيرا، وليس آخرا، لابد من احتساب حسنة لا تقدر بثمن لهذه المدرسة الرائدة، خاصة في السلك الابتدائي، حتى و إن رصدنا بعضا من ثغراتها الأساسية، وهي تقريب المتعلم من عالمه الطفولي (التعلم باللعب)، خاصة في المستويات الدنيا، وكذلك مصالحتها الواضحة مع الأنشطة الفنية، والفن عموما، لفائدة المتعلمين، و الذي كان مفتقدا بالنسبة إليهم، في المقاربات البيداغوجية السابقة، الأمر الذي يفسر مدى حرص سياستها التعليمية الحالية على سلامة منظومة القيم، كرهان توازن أي مجتمع مؤمّن، سواء بمعناها الوطني المغربي أو الانساني الكوني، مثل الشعر والموسيقى والقصة والتشكيل.. إلخ.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |