إحنا بتوع التحرير..!

إسلام حافظ
2025 / 1 / 10

في قلب القاهرة، حيث لا تغيب الشمس إلا لتحمل معها أسرار الحلم والثورة، يقف ميدان التحرير كجرح مفتوح على ذاكرة مصر. هنا، حيث اختلطت الهتافات بالرصاص، والحب بالخوف، وقفنا، نحن الذين تحدينا المستحيل، نحمل على أكتافنا وطناً يتنفس بصعوبة لكنه لا يموت.

نحن الذين صرخنا بأعلى أصواتنا "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، كنا نعرف أن الثمن سيكون باهظاً، لكننا لم نكن نعبأ. كانت أرواحنا وقوداً، وكانت خطواتنا فوق الأرض كأنها توقيع على شهادة ميلاد جديدة للوطن. لم نكن مجرد متظاهرين؛ كنا جيشاً بلا سلاح، قلباً واحداً ينبض بالحلم.

محمد كان يقف هناك، في الصفوف الأولى، يحمل لافتته المهترئة ووجهه الذي لم يعرف الخوف. قال لي في إحدى الليالي: "لو متنا النهارده، إحنا بنخلق ألف حلم مابيموتش." محمد استشهد في يوم جمعة دام، لكنه لم يرحل، ترك لنا صوته، ترك لنا جملة واحدة تكررها جدران الميدان كل يوم.

سلمى، الفتاة التي كانت تبتسم وسط العاصفة، كانت تجري بين الجموع، تحمل زجاجات الماء والآمال. كانت تقول: "محدش هيكسرنا، اللي جابنا هنا، الحق." في إحدى الليالي، اختفت سلمى، لكن الميدان لم ينسَ صوتها، ولا وجهها الذي كان يشبه شمساً مشرقة وسط الغيم.

التحرير لم يكن مجرد ميدان؛ كان درساً في الحياة. تعلمنا فيه أن الحرية لا توهب، بل تنتزع. تعلمنا فيه أن الغريب قد يصبح أخاً، وأن الجوع قد يصبح أضعف شعور عندما تكون كرامتك على المحك. كنا ننام على الأرض ونستيقظ على أغاني الحلم، نحفر في قلب الظلام درباً للضوء.

نحن الذين واجهنا الجبروت بصدور عارية، ورفعنا رؤوسنا في وجه الرصاص. نحن الذين كتبنا التاريخ بدمائنا، وأعدنا تعريف معنى الوطن. قد يقول البعض إننا فشلنا، لكننا نعلم أننا انتصرنا. انتصرنا لأننا كسرنا جدار الصمت، ولأننا أثبتنا أن الحلم لا يموت، حتى وإن ظنوا أنهم دفنوه.

التحرير ليس حجراً أو ميداناً. التحرير هو نحن. هو دماؤنا التي اختلطت بتراب هذا المكان، هو أصواتنا التي ما زالت تتردد بين مبانيه، هو الحلم الذي رفض أن يموت. إحنا بتوع التحرير، نحن الذين لن ننكسر، ونحن الذين، مهما طال الزمن، سنعود لنكتب الفصل الأخير من الحكاية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي