اين عمرى ؟

خالد محمد جوشن
2025 / 1 / 10

منذ اربع سنوات بالضبط فى الثانى من يناير 2021 بدات تدوين ذكرياتى أو يومياتى او ما شابه ، ليس تدوين منتظما تماما ، بمعنى انه ليس يومى ولكنه مضطرد شبه اسبوعى .

حيث اننى تقريبا لايكاد يمر اسبوع ، الا واكون قد دونت فيه ملاحظاتى او مشاهداتى ، ويحدث احيانا ان ابدأ فى تدوين اليوميات وانسحب من التدوين لمناقشة الفكرة او الحكاية التى طرأت لى او كتابه قصة قصيرة كانت مخباة فى تلافيف العقل ، والكلام بيجيب كلام كما يقول رجال القانون .
كنت قبل ان ابدأ التدوين شبه المنظم اكتب ما قد يعن لى على ظهر ملف قضية او ورقة مسطرة داخل الملف او حتى فى نوته الحضور ، هى كتابات متفرقة وبعضها للاسف بدون تاريخ واحيانا اعجز عن تذكر مناسبة هذه الكتابة .

لذلك انا احتار كثيرا فيمن يدون مذكراته بعد الستين او السبعين ويقول انه شاهد على العصر ، عصر ايه بس ده الانسان بينسى اكل ايه بالامس
ما علينا.

ولكن فكرة التدوين هذه جرت عليا متاعب غريبة ، لاننى تقريبا لا ابدا كتابة جديدة سواء عن مشاهداتى او حتى الحياة اليومية او قصة او مقال الا واجتر هذه اليوميات من اول وجديد ، من بداية كتابتها فى يناير 2021 الى الوقت الذى اجلس فيه للكتابة .

حقيقة ليست قراءتى للمدونات اليومية التى خططتها من قبل عميقة ومتواصلة ، ولكنها قراءة شبه سريعة وكاننى استرجع شريط الذكريات .

وما يمنعنى من قراءة المدونات كاملة عندما ابدأ كتابة جديدة، هو لانها استغرقت حتى الان ما يقرب من مئتان صفحة وعدد كلماتها يتجاوز الخمسون الف كلمة وهنا يستحيل عليا قراءة اليوميات بالكامل كل كتابة حديثة .

ايضا لاننى عند بداية الكتابة تكون هناك فكرة عامة فى زهنى عن الموضوع الذى ساكتب فيه وتتجمع سحبها فى عقلى ، فابدأ فيها فورا وولو فى نصف قراءتى لليوميات، خوفا من فرار الفكرة .

ولذلك تجدنى ايدأ بقراءة اليوميات وعند مرحلة معينة ابدا فى كتابة المقال او القصة او الراوية او اليومية ، وعندما اجد انها تستحق النشر اجتزها من مكانها وانشرها .

ولو اننى كنبت كل ما يصطرع فى عقلى يوميا من مشاهدات ، لاصبح الامر عبئا ثقيلا ، لانه لايكاد يمر يوم دون ان افكر فى اشياء او موضوعات يمكن الكتابة عنها ، قد تكون طريقة مصافحة شخصا موضوعا للكتابة او حتى تعبيرات وجهها او تحدثه عن شيئا ما ، يريد ان يحققه .

الشارع نفسه ومرواح الناس وغدوهم أمامى تشكل موضوعات ثرية للغاية ، عن فيما يفكر فيه هؤلاء القوم ، كيف هى حياتهم ؟ أمالهم طموحاتهم ايضا القراءة اليومية لى فى شتى المجالات هى مضمار ثرى للكتابة
ان الحياة بتفصيلاتها لقصرها وطولها واحزانها وابتسامتها تشكل منبعا هائلا للكتابة .

الزمن هو بالنسبة لى احد الافكار العظيمة للكتابة ، اتجول فى الاسواق وارى اناس لم يكن لهم وجود على الاطلاق قبل اربعون عاما وثلاثون عاما وعشرون عاما وعشرة اعوام ، او اكثر او اقل ، اناس لم تكن موجودة قبلى على مسرح الحياة . واعجب كيف يروا الحياة الان ؟

يوما ما كنت احدث فتاة ، ولااتذكر حتى الموضوع الذى كنت احادثها فيه ولكنها قالت لى تعقيبا على كلامى ، ياه ده انت قديم قوى يا استاذ ، انا صاحب الخمسة وستون عاما عاما اصبحت قديم اوى، يالهوى إ لقد صدقتى ايتها الفتاة العينة ، ولكن من اين نحتى هذا التعبير الصادم ؟

تخوننى الذاكرة كثيرا عندما اقابل اشخاص ما ، ويقولون لى انهم قابلونى منذ عشرين عاما او حتى ثلاثون عاما او اكثر ، واننى انجزت لهم قضية ما ، او كتبت عقدا لهم ، او حتى هنأنونى فى مناسبة ما ، يا للهول ، اين ضاعت هذه الاشياء ؟ وكيف يتذكرها هؤلاء ولا وجود لها فى ذاكرتى على الاطلاق .

بصفة عامة احساسى بالزمن ضعيف للغاية ولا اصدق انه قد مر من عمرى خمسة وستون عاما ، لا اصدقها ابدا رغم انها حقيقة واقعة ورسمية وثابته فى دفاتر الحكومة .

لكن انا الوحيد الذى لا اصدقها ، وما زلت اتصرف فى ايامى وسنواتى وشهورى الحالية وكاننى اصرف من رصيد لا ينتهى ، لقد عجزت تماما عن تصديق عمرى الحقيقى واشعر ان هناك سنوات قد تم حسابها لى فى غفلة منى .والسؤال هو أين عمرى ؟
لا أملك اجابة الان ولكن اعدكم ان اجيب فور الوصل لها .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي