|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
كاظم الحناوي
2025 / 1 / 10
الدستور البلجيكي هو رابع أقدم دستور مكتوب، ورغم ذلك لم تنجح دولة بلجيكا في ردم الفجوة بين الهويات الفرعية، والتي وضعت بلجيكا في صعوبات جمة أدت إلى ترسيخ هذه الهويات في الدستور والتحول من دولة مركزية (موحدة) إلى دولة اتحادية كما هي عليه الآن عبر اعتماد النظام البرلماني منهجا للحكم، وضمان الفصل بين السلطات.
لقد أنجزت اللجنة التأسيسية الدستور البلجيكي في 7 شباط عام 1931، وأقر في 25 من شباط في العام نفسه. وقد اعتمد أحكاما من الدستور الفرنسي لعام 1814 وعام 1830 وكذلك من الدستورين الهولندي والألماني لعام 1814، وقد جرى عليه تعديلات كثيرة منذ صدوره وحتى عام 2014.ولكن الشعب البلجيكي على تنوعه حرص على الإبقاء على جوهر دستور 1931 وهيكله وفلسفته. ولهذا فهو يعتبر رابع أقدم دستور مكتوب ما زال معمولا به. حيث يسبقه دستور سانت مارينو الذي صدر عام 1600 .ودستور الولايات المتحدة الأميركية الذي صدر عام (1787، والدستور الثالث هو دستور النرويج الذي صدر عام 1814. ولعل أهم التعديلات التي تعرض لها دستور بلجيكا هو تعديل عام 1994 الذي نشر في الصحيفة الرسمية في 17 شباط عام 1994، فقد أعيد ترتيب نصوص الدستور دون تغيير جوهري في بنيانه، حيث أطلق على هذا التعديل اسم (إعادة تنسيق الدستور) فالتغييرات التي حدثت عليه لا ترقى إلى درجة اعتباره دستوراً جديدا. وهو الأمر الذي كان الشعب البلجيكي حريصا على المحافظة عليه منذ صدوره.
بلجيكا هي إحدى دول الاتحاد الأوربي، وتقع في شمال غرب أوروبا، كانت تسكنها قبائل شعوب (السلت) تسمى (بلجي. خضعت في منتصف القرن الأول للميلاد للحكم الروماني، وأصبحت جزءا من الدولة الرومانية التي أطلقت عليها، وعلى ما حولها اسم (بلاد الغال) وسكانها جزء من القبائل الجرمانية. في القرن الخامس الميلادي تمكنت إحدى القبائل الجرمانية، وتسمى (الفرنكين) من طرد (الرومان) وتم تأسيس مملكة شملت الإقليم البلجيكي بقيادة الملك الفرنسي (كلوفيس. وفي القرن الثامن الميلادي انتقل الحكم إلى عائلة أخرى من الحكام الفرنكيين، وقد كان أعظم ملوكهم الإمبراطور شارلمان (768-814) وفي عهده توسعت الإمبراطورية لتشمل أجزاء واسعة من غرب أوروبا. عاصر الإمبراطور شارلمان الخليفة العباسي هارون الرشيد (786-806) وكانت علاقاتهما وطيدة ومعروفة في التاريخ العربي. وفي القرن الخامس عشر انتقل الحكم إلى عائلة هابسبورغ النمساوية، وبذلك وقع الإقليم تحت سيطرة إسبانيا، باعتبار إسبانيا كانت من المدافعين عن الكاثوليكية في ذلك العصر، فقد اضطهدوا البروتستانت المقيمين في منطقة الأراضي المنخفضة (بلجيكا وهولندا)، ولذلك قامت الثورة ضد إسبانيا، وأعلنت هولندا مملكة مستقلة عام 1581، واعترفت بها أغلب الدول الأوروبية القائمة تلتها إسبانيا عام 1648، ولكن ظلت بلجيكا تحت السيطرة الإسبانية حيث عانت كسادا اقتصادياً، ومن الحروب التي جرت بين إسبانيا ودول أخرى. وفي عام 1713 تنازلت إسبانيا عن بلجيكا إلى النمسا كجزء من تسوية سياسية أوروبية. في عام 1794 طرد الفرنسيون النمسا من بلجيكا، وأصبحت بلجيكا جزءا من الإمبراطورية الفرنسية عام 1795، وظلت كذلك إلى عام 1815 حيث هزم نابليون في معركة (واترلو. وخلال هذين العقدين عمل الفرنسيون على تغيير الأنظمة القانونية والتعليمية القائمة وجعلها فرنسية، وأصبحت نسبة كبيرة من جماعة الوالون والطبقة العليا من الفلمنكيين يتحدثون الفرنسية. وظلت لغة غير المتعلمين من الفلمنكيين اللغة الهولندية. قررت الدول الأوروبية في مؤتمر فيينا الذي عقد بعد هزيمة نابليون، ضم بلجيكا إلى هولندا. ولكن الشعب البلجيكي لم يكن راضيا عن ذلك بسبب سياسات هولندا فيما يتعلق باللغة والتعليم والسياسة، إضافة إلى أن معظم سكان بلجيكا من الكاثوليك كانوا يعارضون الخضوع لحكم البروتستانت الهولنديين. ثار البلجيكيون على هولندا عام 1830، وأعلن استقلال بلجيكا في الرابع من تشرين الثاني من العام نفسه. واعترفت كل من النمسا وفرنسا وبريطانيا وبروسيا وروسيا بهذه الدولة الوليدة كدولة مستقلة، ووضع لها دستور في السابع من شباط عام 1931، وأصبح ساريا في 25 شباط، أي بعد حوالي أسبوعين من إعداده.
أصبحت بلجيكا منذ عام 1993، دولة اتحادية تتألف من جماعات محلية وأقاليم وجماعات لغوية. هي الإقليم الفلمنكي، ويقع في شمال بلجيكا، وتغلب فيه اللغة الهولندية وهي منطقة جغرافية تكثر فيها الأراضي المستصلحة من البحر وإقليم الوالون، ويقع في جنوب بلجيكا، ويغلب على تكوينه الجغرافي الجبال والغابات. أما اللغة السائدة فيه فهي اللغة الفرنسية، وإقليم بروكسل العاصمة وهي منطقة ثنائية اللغة تقع ضمن الإقليم الفلامنكي، واللغة الألمانية وتتحدث بها جالية تقطن في الجزء الشرقي من إقليم الوالون. ادخل هذا التقسيم في الباب الأول في المواد (2 إلى 5) من الدستور. وقد نص الدستور على أنه لا يجوز تعديل حدود الدولة، أو هذا التقسيم إلا بقانون يحظى بموافقة أغلبية أصوات كل مجموعة لغوية، وأن لا يقل عدد أصوات مجموعتين لغويتين المؤيدة للتعديل عن ثلثي مجموع الأصوات المؤيدة للمشروع على الأقل. وهو ما يجعل التغيير أمراً صعبا.
وهنا الدستور البلجيكي نص أن لا يُعَدَّل حدود الدولة أو الأقاليم إلا بموافقة ثلثي مجموع الأصوات المؤيدة للمشروع على الأقل وفق حدود الدولة أو الأقاليم. أما النصوص الأخرى تُعَدَّل من قبل مجلس النواب وبموافقة الملك.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |