مستقبل الأحزاب الموالية بعد سقوط البعث.. هل يغفر الشعب السوري؟

ضيا اسكندر
2025 / 1 / 10

مع سقوط نظام البعث في 8 كانون الأول 2024، وتبخّر الأحزاب التي كانت تابعة له، وفي مقدمتها، تلك التي كانت تُعرف بـ «الجبهة الوطنية التقدمية»، وتلاشي الأحزاب "الفطرية" التي ظهرت بعد اندلاع الحراك الشعبي في آذار 2011، والتي سمح الحزب الحاكم بتشكيلها، سارعت بعض الشخصيات المنتمية لتلك الأحزاب إلى التبرؤ من النظام، مدعيةً أنها كانت في الواقع معارِضة له، وأوضحت أنها كانت تخشى من فقدان ترخيص أحزابها، أو إغلاق مكاتبها أو حتى الاعتقال، إذا ما أفصحت عن آرائها وقناعاتها الحقيقية المضمرة، ما دفعها إلى اتخاذ مواقف مهادنة في الماضي. وأكدت تلك الشخصيات أنها لم تكن أقل غضباً من باقي الشعب السوري الذي عانى بشدة من ظلم النظام البعثي، الذي دمر البلاد والعباد على مختلف الصعد.

لا شك أن قسماً من أعضاء تلك الأحزاب كان صادقاً فيما قاله، نظراً للسياسات القمعية التي اعتمدها نظام البعث طوال عقود من الزمن، من فرض سياسة كمّ الأفواه على كل من يفكّر في معارضته، والزّجّ بكل من يحاول التعبير عن رأي مختلف، في السجون والمعتقلات. وقد أصبح من يعارض النظام أو يُبدي رأياً مغايراً أشبه بشخص يحمل روحه على كفه، مهدَّداً بحياة غير مستقرة في ظل هذا القمع الشديد.

ونتيجة لهذه السياسات، كانت معظم الأحزاب، باستثناء حزب البعث طبعاً، ضعيفة وهشّة، وتفتقر إلى قاعدة جماهيرية واسعة، وكان عدد أعضائها لا يتجاوز المئات، وفي أفضل الأحوال الآلاف، في بلد يتجاوز تعداد سكانه 25 مليون نسمة.

وبعد اندحار نظام البعث بشكل نهائي، وفتح المجال أمام النشاط السياسي الذي أصبح مسموحاً به حتى الآن، فإن الشعب السوري الذي عُرف باعتداله وتسامحه، يمكنه أن يغفر لتلك الأحزاب التي طالما ادّعت تمثيل مصالحه و"ناضلت" لتحقيقها، لكن تلك المغفرة مشروطة بأن تعقد هذه الأحزاب مؤتمرات استثنائية تعترف فيها بتقاعسها عن نصرة الشعب السوري، وتقدّم اعترافاً صريحاً بأنها كانت على خطأ طوال فترة ارتباطها بالنظام، حيث تغاضت عن ممارساته وفساده وانتهاكاته لأبسط حقوق الإنسان.

كما يُنتظر منها أن تقدّم نقداً ذاتياً قاسياً لمسيرتها "النضالية" السابقة، وتختار قيادات جديدة بعيدة عن الانتهازية التي سيطرت عليها.

ومن الضروري أيضاً محاسبة القيادات السابقة على تبريراتها للتحالف مع البعث، وتقديم برامج عملية وحلول واقعية تتعلق بقضايا الشعب السوري، تتناول مشكلاته الحقيقية وتعمل على إيجاد حلول لها، لتمكين البلاد من الخروج من أزمتها التي لا تقتصر على السنوات الـ 14 الماضية فقط، بل تمتد إلى ما قبلها، منذ تأسيس الوحدة السورية المصرية عام 1958 وغياب الحريات السياسية وضعف الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

أما إذا استمرت هذه الأحزاب على النهج نفسه الذي شوّه سمعتها وأضعف مصداقيتها، فإنها ستفقد دعم الشعب السوري برمّته، بل ستفقد حتى دعم أعضائها الحاليين الذين يطمحون للتغيير. وستتحول إلى مجرد ذكرى في صفحات التاريخ، بلا تأثير أو وجود في الواقع السياسي.

لذا، إذا كانت هذه الأحزاب ترغب في العودة إلى الساحة السياسية، فيجب عليها أن تبادر بإصلاح حقيقي يعيد بناء ثقتها لدى الشعب وتطرح برامج عملية بما يتماشى مع تطلعاته نحو العدالة والحرية. لا سيما وأن البلاد تواجه تحديات كبيرة بعد استيلاء "هيئة تحرير الشام" على السلطة في دمشق، ما ينذر بتطبيق الشريعة الإسلامية بنسختها المتشددة في قادمات الأيام.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي