|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2025 / 1 / 10
الشغف المفاجئ لواشنطن بدمشق وعدد مبادرات حسن النوايا التي تقدم عليها الولايات المتحدة نحو حكومة سوريا الجديدة، واستئناف الحوار مع حماس لانجاز صفقة حقيقة هذه المرة لتبادل الاسرى ووقف اطلاق النار، تدفع للظن بان اليوم الذي ستعلن فيه امريكا عن ندمها الشديد على فعلتها الشنيعة بتصيع تنظيم القاعدة واهم تفريخاته حركة داعش، اللتان لم تكونا اكثر من ترجمة مادية لفلسفة صموئيل هنتغتون" في صراع الحضارات"، الذي جاء على عجل لمحو اثار حماقة او خطيئة تلميذه فرانسيس فوكوياما " عن نهاية التاريخ" بات اقرب مما نتصور.
فبعد اندحار اطروحة العودة للعزلة التي لم تصمد كثيرا خلال مناقشات واضعي الاستراتيجية الامريكية نحو العالم التي اعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي وتاليا منظومة حلف وارسو، وغلبة اطروحة الانغماس الاقوى في الشأن العالمي- الامبريالي - لحماية مصالح الولايات المتحدة وترسيخ انتقالها من الدولة العظمى التي كانت احدى نتائج الحرب العالمية الثانية الى الدولة الاعظم التي انبثقت عن مرحلة ما بعد انهيار الثنائية القطبية والتي يصار الى ترسيخها وتثبيت بنيانها الان وفقا لفلسفة العزل التي صارت اكثر وضوحا لدى الجمهوريين منذ جورج بوش الاب واكثر صلافة مع الولاية الاولى للعائد الان للبيت الابيض دونالد ترامب صاحب مقولة امريكا اولا، كان الهاجس الذي شغل بال استراتيجيوا مواصلة الهيمنة الامريكية على العالم هو نوع العدو الوهمي الذي ينبغي على واشنطن تصنيعة ليكون ذريعتها في التوغل اكثر في اصقاع العالم الى ان عاد ووقع اختيارهم النهائي على الارهاب الاسلامي، كون الاسلام عقيدة اكبر الحضارتين اللتان راى فيهما هنتغتون العدو الرئيسي المفترض لتمدن باقي حضارات الكون.
الحقيقة ان محاولة هنتغتون التنظير لما يسمى بانتقال الصراع من طابعه الايديولوجي الذي ساد طيله الحقبة السوفيتية الى الطابع الثقافي بعد انتهاء تلك الحفبة واختيار الحضارتين الافريقية والاسلامية بصورة خاصة كحضارتين مناهضتين للتقدم البشري، لم تكن الا اعادة انتاج لنفس ادوات الحرب الباردة وما قبلها بنحو قرنين حيث تم التلاعب بالهوية الاسلامية من قبل البريطانيين واعقبهم في ذلك الامريكيين لاغراض سياسية في سياق صراعهم الجيوسياسي مع روسيا للهيمنة على العالم ومنعها من الاتجاه جنوبا صوب المحيط الهندي ابان السيطرة البريطانية ولاحقا منعها من التوجه نحو افريقيا ابان الحرب الباردة والسيطرة الامريكية.
وفي ذات السياق اي الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة و الكتلة الاوراسية او بين قوى الكتلة البرية والبحرية وفي اعقاب هجمات سبتمبر 2001 وتصاعد دور الاسلاميين في مواجهة موجة "التحديث" التي رافقت عولمة الاقتصاد الدولي وردود فعلهم التي اتصفت عموما بالشمولية والعشوائية الا ما ندر منها والخلافات التي شهدتها اروقة التفكير الامريكي حول كيفية توظيف الاسلام في هذا الصراع من ناحية واحتوائه من ناحية ثانية، وحيث كانت الغلبة لتيار الاحتواء عبر دمقرطة الحياة السياسية التي تمخضت عن مفاجئات ربما تجاوزت تقديرات اصحاب هذا التيار وادخل ارتباك شديد في القدرة لديهم على الحسم في الاختيار النهائي بين الاحتواء الذي كانت ربما ابرز مظاهره ان ترافق وصول بعض جماعات الاسلام السياسي الى اروقة الحكم من خلال بعض الانتخابات البرلمانية العربية والانتخابات الفلسطينة في 2006 ، مع استمرار الحرب المفتوحة مع الجماعات الاسلامية الاخرى في العراق والخليج والتي كانت نواة لحركة داعش وتفرعاتها وبين التصدي واعادة انتاج اسلام حداثي ينسجم والقيم "الحداثية" الامريكية والغربية عموما الذي كانت ترعاه موسسة راند والتي قد تكون قد رعته خلال موجات الربيع العربي الذي لعبت اهمية المحافظة على امن اسرائيل خلالها دورا مهما في وضعه موضع التجريب وخاصة في مصر.
غير ان فشل التجربة ونجاح قوى الممانعة في النظام الاقليمي العربي في منع تغير قيمه وطبيعة قيادته ونوعية تفاعلاته، لم يدفع الولايات المتحدة الى اغلاق هذا الملف نهائيا، بل بقي مطروحا على الطاولة للعودة اليه كلما اقتضت المصلحة الامريكية وكذلك الاسرائيلية ذلك، واليوم على ما يبدو وبعد التجربة الامريكية مع الاسلام الشيعي واذرعه وامتداداته التي ما زالت تهدد باندلاع حرب اقليمية شاملة قد تتجاوز حدوده الجغرافية التقليدية، فان الولايات المتحدة، والى ان تعيد اسرائيل ترميم قوتها التي اصابها اعياء كبير جراء حرب متصلة على امتداد اكثر من سنة، فانها على الارجح في الطريق نحو تفعيل استراتيجية الاحتواء مجددا وعن طريق الاسلام السياسي مرة اخرى ولكن بهيئة وهندام تركي يقوده اردوغان والذي هو اقرب ما يكون عليه بوصفه قومي تركي متدين اقرب من كونه اسلامي بالمعنى التقليدي للمفهوم.
وفي هذا فرق كبير حيث ستلعب نزعته القومية دورا كبيرا في الكشف عن البعد التركي في سياساته التي من شأنها ان توفر للولايات المتحدة امكانية اعادة استخدامها للحد من تلك الطموحات القومية لديه بفتح اكثر من ملف مشابه للملف الكردي الذي سيضمن لاسرائيلي مبررا اكبر للتأثير الاقليمي وتوسيع نظاق نفوذها.
كما ان من شأن هذا ان يعيد خلط الاوراق والمواقف ويثير مخاوف اكثر من طرف ويدفع الى نوع من التخبط والعشوائية في اعادة التحالفات الاقليمية التي لن تكون الا لصالح اسرائيل، وهذا يرتب على القوى الفاعلة في المنطقة ضرورة اللقاء وتفعيل آليات حوار بناء يتجاوز الحسابات الضيقة حيث ان اسرائيل لن تكون صديقة لاي طرف الا لاسرائيل
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |