|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
كامل الدلفي
2025 / 1 / 10
إن أي تغيير سياسي كبير يحدث في بلد ما، لا بد أن يُحسب بميزان الوطنية. فإذا كان وطنيًا خالصًا، فهو ما يستحق الاحترام والتأييد والالتفاف الشعبي، بل والدفاع عنه.
أما إذا كانت الوطنية في هذا التغيير مجرد جانب شكلي، وكانت الحصة الأعم فيه لقوى خارجية متباينة الأهداف مع البلد، كما فعلت أمريكا في تجاربها الانقلابية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بغية توسيع دوائر هيمنتها، وحماية وكلاء نفوذها، وإفلاس منافسيها، كما حدث في الثامن من كانون الثاني الجاري في سوريا، حيث أُسقط آنذاك نظام بشار الأسد الذي استمر لخمسة عقود ونيف، واستُبدل بتنصيب الإرهابي أحمد الجولاني ومنحه مقاليد الحكم في دمشق.
نجحت أمريكا في إدارة اللعبة كاحتلال بالنيابة، وتجنبت بذكاء كلفة الاحتلال العسكري لسوريا الباهظة، إذ قام وكلاؤها في المنطقة بالواجب وسدّوا المقام، وهم: تركيا، إسرائيل، ودول الخليج، الذين لكل منهم مصلحة استراتيجية في التدخل. فلم يكن عبثًا أن يبذلوا جهودهم العسكرية المكثفة لضرب الجيش السوري وقواعده الحصينة، وقتل الآلاف من أفراده بشكل خاطف، واحتلال أراضٍ سورية جديدة، مما مهد عمليًا لانكسار نظام بشار الأسد وسقوطه الأخير.
لكن الأمر الذي لم تحسبه أمريكا جيدًا هو إلى أي مدى ستستمر هذه اللعبة؟ فالتحديات التي تواجهها معقدة وكبيرة، وكفيلة بإفشال هذه اللعبة لما تفرزه من ضغوط ومعوقات لم تُؤخذ في الحسبان:
1. التناقض الصريح بين بناء الدولة الوطنية والديمقراطية والحكومة الإرهابية:
هناك تناقض صارخ، وكأنه نكتة لاذعة، بين مشروع بناء الدولة الوطنية، المدنية، الدستورية، والديمقراطية في سوريا، وبين عقلية مضادة لهذا المشروع تمثلها حكومة تقودها منظمة إرهابية (جبهة النصرة المتحوّلة). فهل سيتمكن الرئيس بايدن ومن بعده ترامب من إقناع الرأي العام العالمي بأن مجرد تغيير الملابس الأفغانية إلى بدلات أوروبية كافٍ لتحقيق تحول ذهني واستيعاب وسائل البناء المدني والسلمي والديمقراطي؟
2. إغفال متعمد لدور الشعب السوري:
هناك إغفال استعلائي متعمد لدور الشعب السوري في بناء الدولة الجديدة. فالشعب السوري يشكل فسيفساء صريحة للتعددية والتنوع، وليس محصورًا بطائفة واحدة. إلا أن التغيير السياسي الذي حصل دفع طائفة بعينها إلى العيش في طقوس الفرح والانتقام من أتباع النظام السابق، مع محاولات تحميل الطائفة العلوية وزر استبداد النظام المنحل وفساده، وتوجيه حراب السلطة الإرهابية نحو أبرياء العلويين والدروز والشيعة والإسماعيلية والأكراد، مما نشر الذعر والقلق بينهم. هذه الفئات تشكل أكثر من نصف المجتمع السوري، فهل يمكن لخائف غير مطمئن أن يبدع أو يبني أو يستقر؟ أم أنه سيترقب الفرصة ليزيل الخوف عاجلًا أم آجلًا ويحقق حياة كريمة؟
كما أن الشعب السوري، بثقافته المعهودة، يرفض السلوك الطائفي والتقسيمي، ويتمتع بمستويات لائقة من الثقافة الوطنية الموحدة، مما يشكل تحديًا بالغًا أمام الخيار الطائفي المتبع.
3. غياب الخطط الاقتصادية الفعّالة:
هناك غياب واضح لخطط قادرة على تحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد هش لا يفي باحتياجات الطبقات المسحوقة، ناهيك عن عموم المجتمع، إلى اقتصاد نشط وحيوي يمكن الاعتماد عليه في بناء دولة ومجتمع حقيقيين. التخطيط الأمريكي يسعى لإطلاق إصلاحات اقتصادية ليبرالية فورية وغير تدريجية، دون أن تتلاءم مع الظرف السوري، مما يفتح الباب أمام نشوء ظاهرة فساد جديدة، وظهور طبقة فاسدة تتحكم بالكامل بالاقتصاد وعمليات إعادة الإعمار، مما يهدد بتحويل الخصخصة المرتقبة إلى أداة بيد هذه الطبقة للتحكم في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة في البلاد.
4. تجاهل مفاهيم السيادة والاستقلال:
لم يُلمس في خطابات الحكومة السورية الجديدة أي تداول لمفاهيم راسخة في الثقافة السورية مثل السيادة والاستقلال وتحرير الأراضي المحتلة. بل على العكس، أخرج الخطاب الحكومي إسرائيل، المحتلة للجولان، من موقع العدو إلى موقع الصديق، في تناقض صارخ مع الثقافة الشعبية السورية.
5. تجاهل مواثيق حقوق الإنسان:
تجاهلت أمريكا تفعيل مواثيق حقوق الإنسان إزاء الجرائم التي تُرتكب يوميًا بحق المكونات الأخرى من الشعب السوري، مما يثير تساؤلات جدية حول مصير العدالة وحقوق الإنسان في ظل النظام الجديد.
أخيراً:
إن التحديات التي تواجه المشروع السياسي الجديد في سوريا كبيرة ومعقدة، ومن شأنها أن تفشل اللعبة الأمريكية التي جرت على حساب الشعب السوري، ما لم تُدرك هذه القوى أن الحل الحقيقي يمر عبر احترام إرادة الشعب، وضمان سيادة الدولة، وإطلاق مشروع وطني متكامل يحقق العدالة والاستقرار للجميع.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |