سورية من الحضن الإيراني إلى الحضن التركي: تحليل نقدي، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
2025 / 1 / 6

سورية من الحضن الإيراني إلى الحضن التركي: تحليل نقدي

مقدمة

لقد تميز المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بتحول الولاءات والتحالفات، وخاصة في سياق الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011. ومع تقدم الصراع، تطورت طبيعة النفوذ الأجنبي في سورية، وخاصة فيما يتعلق بإيران وتركيا - وهما قوتان إقليميتان لهما مصالح راسخة في نتيجة الأزمة السورية. يستكشف هذا البحث كيف يعكس انتقال سورية من النفوذ الإيراني إلى المشاركة التركية المتزايدة تغييرات أوسع في الديناميكيات الإقليمية والآثار المترتبة على الاستقرار المستقبلي في المنطقة.

خلفية المشهد:

بدأ تورط إيران في سورية في وقت مبكر من الحرب الأهلية، حيث قدمت الدعم العسكري والمساعدات المالية والقوى العاملة لدعم نظام بشار الأسد. ولعب الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المتحالفة معه دورا حاسما في دعم النظام من خلال المعارك المحورية ضد جماعات المعارضة. وكان هذا التوافق متجذرًا في الروابط الإيديولوجية، حيث تشترك كل من طهران ودمشق في الالتزام بمقاومة النفوذ الغربي مع تعزيز الإسلام الشيعي.

وعلى النقيض من ذلك، غيرت تركيا، التي شعرت بالتهديد من صعود القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة والوجود الإيراني المتزايد بالقرب من حدودها، استراتيجيتها نحو المشاركة النشطة في سورية. ويشير دعم أنقرة لمختلف فصائل المعارضة وتدخلاتها العسكرية إلى نيتها في مواجهة النفوذ الإيراني وإنشاء مجال للسيطرة في شمال غرب سورية.

انتقال النفوذ:

يمكن تحديد الانتقال من النفوذ الإيراني إلى النفوذ التركي في سوريا عبر عدة أبعاد رئيسية:

أولا- المشاركة العسكرية

صعدت تركيا بشكل كبير من تدخلاتها العسكرية في شمال سورية من خلال عمليات مثل درع الفرات (2016)، وغصن الزيتون (2018)، ونبع السلام (2019). تهدف هذه العمليات إلى الحد من قوة قوات سوريا الديمقراطية (SDF) - التي تتكون في المقام الأول من المقاتلين الأكراد - ومنع إنشاء منطقة كردية مستقلة على طول حدودها. ومع تعزيز تركيا لوجودها، نشرت قوات وأنشأت مراكز مراقبة، مما أدى إلى إنشاء منطقة عازلة ضد التهديدات الكردية والإيرانية. كان أخر التحركات العسكرية التركية عملية دعم لوجستي غير مسبوق لعملية ردع العدوان التي أطاحت بنظام الرئيس بشار الأسد بعد 14 عاما من الصراع المسلح الدامي.

ثانيا- التحالفات السياسية

في حين حافظت إيران وروسيا على تحالف حاسم يدعم نظام الأسد، سعت تركيا إلى تطوير علاقات مع مجموعات معارضة مختلفة، ووضعت نفسها كوسيط للحل السياسي. والجدير بالذكر أن تركيا شاركت في محادثات أستانا جنبا إلى جنب مع روسيا وإيران، لكنها سعت أيضا إلى سبل منفصلة للتحالف مع الدول العربية السنية غير الراضية عن النفوذ الإيراني في سورية. لقد غازلت تركيا نظام الأسد نظريا ومدت له يد التفاوض علنا وطالبت بالوساطات معه ودعته للجلوس مع تركيا لكن نظام الأسد رفض كل تلك الدعوات التركية لأنه يدرك أنها تضع السم في العسل وسف تقوم بما قامت به.

ثالثا- المصالح الاقتصادية

كانت المصالح الاقتصادية أيضا هي الدافع وراء مشاركة تركيا في سورية. من خلال تسهيل طرق التجارة وجهود إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرتها، تهدف تركيا إلى تعزيز بصمتها الاقتصادية في المنطقة. إن إنشاء الليرة التركية كعملة وظيفية في شمال سورية تحت الإدارة التركية يدل على هذا التكامل الاقتصادي ويخدم في تقليص النفوذ الاقتصادي الإيراني على دمشق تدريجيا. إن سقوط النظام السوري يعني خروج تركيا من حالة ركود اقتصادي استمرت 14 عاما طيلة سنوات الحرب السورية.

رابعا- التداعيات على الاستقرار الإقليمي

إن التحول من النفوذ الإيراني إلى النفوذ التركي في سورية يحمل العديد من التداعيات:

1. زيادة التوترات بين إيران وتركيا: مع تعزيز تركيا لموطئ قدمها في شمال سورية ، قد تتصاعد التوترات بين طهران وأنقرة، وخاصة إذا ردت الجماعات المدعومة من إيران على المصالح التركية.

2. الديناميكيات الكردية: إن اعتماد قوات سورية الديمقراطية على الدعم الأمريكي يجعل موقفها محفوفا بالمخاطر مع استمرار تركيا في عملياتها العسكرية. ولا يزال مستقبل الحكم الذاتي الكردي في سورية غير مؤكد وسط هذه الولاءات المتغيرة.

3. الاستقرار السوري على المدى الطويل: يجلب تورط تركيا الفرص والتحديات للاستقرار السوري. وفي حين أنه قد يعزز حكومة أكثر تأييدًا لتركيا، فقد يؤدي أيضًا إلى مزيد من التفتت إذا ظلت المصالح المتنافسة بين مختلف الجهات الفاعلة دون حل.

الخلاصة

إن التحول الديناميكي من النفوذ الإيراني إلى النفوذ التركي في سورية يجسد تعقيدات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. وبينما تتنقل القوى الخارجية بين مصالحها في ظل مشهد مجزأ، تظل استدامة التحالفات والاستقرار المستقبلي لسورية موضع تساؤل. ويتعين على صناع السياسات أن يقيّموا بشكل نقدي السيناريوهات المتطورة لمنع المزيد من التصعيد والعمل نحو التوصل إلى حل شامل يضم جميع أصحاب المصلحة المحليين.

المراجع

1. Aydın, M., & Mert, A. (2020). "Iran and Turkey in the Syrian Crisis: Dimensions of Influence." Middle Eastern Studies, 56(5), 759-776.
2. Gunter, M. M. (2019). "Turkey s Role in the Syrian Civil War: A New Approach." Turkish Policy Quarterly , 18(4), 45-57.
3. Hokayem, E. (2017). "The Syrian Civil War: A Comprehensive Guide." The Washington Institute for Near East Policy .
4. Rojansky, M. (2018). "A New American Approach to Syria: The Challenge of Iranian Influence." Carnegie Endowment for International Peace .
5. Yavuz, M. H. (2021). "Regional Dynamics and Turkey s Foreign Policy in the Syrian Conflict." Journal of Balkan and Near Eastern Studies , 23(2), 177-194.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي