احمد عدوية والتغيير

اسماعيل شاكر الرفاعي
2024 / 12 / 31

مات احمد عدوية الذي كان قد اختار : اي توقفت قدرته على الاستمرار في انتاج ما كان قد تخصص في إنتاجه ، بعد ان ذاع صبت ما أنتجه وحقق انتشاراً واسعاً سريعاً …

كان احمد عدوية مطرباً : استحقّ هذا الاسم لاجتهاده في الإتيان بجملة موسيقية وسمت طريقته في الغناء (تسمى عراقياً لونه او طوره الغنائي ) ، فامتلك مقاماً واضاف قاعدة جديدة للطرب ( وكدتُ أقول للطرب الأصيل ) ، ذلك لان الأصالة عندي ان تأتي بالجديد حتى لو قام هذا الجديد على انقاض الاصول القديمة . وفي مجال الموسيقى : الإتيان بنغم جديد ترقص على إيقاعه الجموع الغفيرة ، ولا تهتم جدلية الإتيان بالجديد برأي حراس المقامات الموسيقية التي كتبها السلف ( الصالح ) ذات يوم ،وتشدد هؤلاء الحراس في دفاعهم متأت من أنهم لم يمر بخلدهم ان هذه الأصول تم اختيارها من بعض نغم شفاهي كان سائداً تمكن صاحب كتاب ، " الأغاني " مثلاً ان يسمعه ، وأن يدون من هذا السماع : فقط ما سحره ، وخطف لبه ، وجعله يشنف السمع اليه ، ولم يدون النغم الآخر الذي لم يكن على درجة عالية من التطريب ( وتستطيع ان تستشف ذلك من ان فصول الكتاب الرائعة تنتهي باللازمة : صوت ، التي يذكر فيها " أبو فرج الاصفهاني " الأبيات الشعرية المغناة : المسبوقة دائماً بشرح مفصل لمناسبة قول الأبيات الشعرية في روايات متعددة السند ( وهذه روعة الكتاب ) لكن لنكتشف منها انها حكايات عليّة القوم وارستقراطيهم ، فأبو فرج الأصفهاني كتب من النغم ما كان يثير طرب عليّة القوم ، ولم يلتفت إلى الأغاني التي ترددها الجموع في أتراحها وأفراحها : والتي سترويها شفاهاً إلى الأجيال اللاحقة ، ومن نغماتها الشفاهية سيلتقط احمد عدوية وداخل حسن وشعبان عبد الرحيم ورياض احمد نغمته الموسيقية …

وهذه الطريقة في تدوين : ما سيصبح اصولاً لا تحمل اي لون من ألوان التآمر والخيانة ، انها الطريقة المعيارية التي اتبعها وسيتبعها كل من ألّف كتاباً : المعرفة انتقاء وليست تذكر ( واعتذر هنا من أفلاطون ) انها اختيار شيء من أشياء : وفي هذا الاختيار تكمن حرية المؤلفين الذين سيصبحون أحراراً بقدر انتشارهم شعبياً : وليس بقدر نقلهم للأصول والقواعد المتقدمة عليهم زمنياً ، اذ لا يوجد متقدم ومعاصر . في المعرفة والثقافة الشعبيتين : يوجد انتقاء واختيار ، وأحمد عدوية انتقى واختار ، واختار غيره ايصاً ولكن ما اختاره غيره لم ينتشر ولم يصبح مقاماً وقاعدة في الغناء ، وما اختاره احمد عدوية : انتشر فأصبح مقاماً وقاعدة في الغناء…

وثمة طرق أخرى للاختيار ، يعتمد انتشارها على تحريك كوامن الجمال التي جمدها التكرار الطويل : وهذا ما حدث في الثورة على عمود الشعر وانتشار شعر التفعيلة او الحر ومن بعده قصيدة النثر : لأن ثمة من حركت النصوص الجديدة الراكد من مواهبهم وخيالهم وحركت لديهم الطموح باقتحام عوالم جديدة، والتخلص من هيمنة قواعد لم تعد تحمل فتنة الإثارة …

وقد تم طرق الأبواب حتى على عالم السياسة المغلق والإطاحة بحججه عن شرعية السماء التي كلفته بحراسة الأصول والقواعد . فقد تم كسر هذا المنطق القديم في مصدر الشرعية ، وجاءت الحداثة السياسية بمنطق جديد للشرعية السياسية ، وبالتالي لشرعية إدارة الحكم . لقد تعاطف الناس مع الطرق الجديدة في تبديل الأنظمة السياسية ، وسحرتهم سرعة تغيير ما كانت الجماهير قد يأست من تغييره . وهكذا سحر التغيير الخاطف للانقلابات العسكرية ( بغض النظر عما آلت اليه الأمور بعدهما ) التي غيرت نظام الوراثة الملكية في مصر 1952 وفي العراق 1958 ، الأكثرية ، فنحول هذا التغيير السريع الانقلابي إلى قاعدة ومقام سياسي جديد استمر فاعلاً لأكثر من نصف قرن في اقليم الشرق الأوسط . وقد حظي التغيير السريع ( الذي لم يكن على مثال سابق ) ولم يكن متوقعاً ، وكان صادماً ،ومفاجئاً للجميع الذي قامت به السلفية الجهادية في سوريا ) بتعاطف شعبي عارم : لأنه حقق التغيير بطريقة غير معهودة وغير تقليدية ( رغم تشبثه بمقولة الأصول والدفاع عنها ) وهكذا قد يتحول هذا النموذج التغييري من نماذج الحروب الإهابة إلى مقام جديد في التغيير قد يتم النسج على منواله في أمكنة أخرى . كما حدث للانقلابات العسكرية لاحلاً …

لم يتم إلقاء ضوء كاف على اثر الموسيقى والغناء والرقص على سيرورة التغيير والتحديث .

لويزيانا
31 ديسمبر 2024

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي