![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
كاظم حسن سعيد
2024 / 12 / 29
تسجيل لحكايا بارقة ج5
لقد قتل الفقد روح الكلبة
الاسماك المعلقة على حبال السطوح تنضج شويا, وفي النهرتطفح الصغيرة منها كنقود معدنية فضية تحاول الافلات من الغرق , الناس شبه عراة في بيوتهم , الطيور خامدة في الظل , وريقات الاشجار تكاد تحتضر , الدروب مقفرة , الشمس تصب حممهاعلى كل الاشياء وتسوطها الى المصهرة.
فتح الباب فرأى الكلب الاسود الغريب يلهث متضريا من الجوع ممدودا في ظل تاير العجلة , اختفى الرجل لحظة وعاد بقطعة رغيف فتقدم اليه الكلب والتهمها في لحظة واحدة .
كان الاطفال يطاردونه كل يوم لكنه اصر ان يتخذ من الزقاق القصير موطنا له وربما كان خوفه من الكلاب الاخرى وراء اصراره على المكوث في هذا المكان .
منذ قطعة الرغيف والكلب ياتي للرجل راكضا كلما رآه يحمل حقيبة عدة الصيد الصغيرة , ويلحق به في اللحظات الاولى من الفجرحيث تستعد الترع المطحلبة والنباتات الشوكية والشجيرات الصحراوية المقزمة والنخيل لاستئناف الحياة , فيما تحاول كرة ارجوانية ان تحتل بقايا الظلام من اعلى البيوت البعيدة .
وحين ينزل الصياد لامتار ويجتاز بقعة الماء الممتدة لامتار والمرتفعة حتى الركبتين ليصعد الزورق المرتفع يودعه الكلب بنظرات حزينة ثم يعود لموقعه .
( انه نجس لا تلمسه) .. تلك فكرة ورثها من ارشادات عائلته في الصغر واعتقد بها دون سؤال , لهذا كان يمسك كلما غادر عصا ليهش الكلب عنه بلطف .
احيانا في لحظات الفجر لا يراه , فجأة يشعر به راكضا من اماكن خفية يحاول اللحاق به على الطريق الترابي المؤدي الى النهر .
بعد اشهر شاهد اثداء تتدلى من كلبه , ورآها تسعى للعناية بجرائها الستة التي وضعتهم قرب سياج صفيح كلما هبت ريح تساقطت احداها او كادت .
جراء جوزية بدينة وجميلة وحين رأته كلبته اطلقت اصواتا شبه انين وحركات لتلفت نظره الى جرائها فاقترب منها ليبارك لها ومضى .
طلب من الصغار ان يفرشوا لها بساطا لان الارض مبللة .. فعلوا اكثر من ذلك , بنوا لها من البلوك والطابوق غرفة مصغرة وعملوا لها سقفا .
لكن الجراء بعد ان نضجت اقدامها كانت تغادر غرفتها الامنة لتعبث او تستلقي وسط الشارع سعيدة بدفيء الشمس بعد توقف المطر ما جعلها هدفا للسراق والعجلات المسرعة .
كانت عيناها وهي تمر على بعض جرائها المدهوسة التي ظهرت بعض احشائها تعكس مشهد عاصمة تعرضت لزلزال وتذكّر بقول الخنساء ( فلولا كثرة الباكين حولي على اخوانهم لقتلت نفسي ).
اخيرا اختفت جميع الجراء .
مر على كلبته السوداء فرفعت اليه عينيها المحمرتين المعبأتين بحزن عميق , لم تنهض اليه , اعفته من الصراع بينهما خشية اللمس وهي ترفع قائمتيها الاماميتين .
قرأ في عينيها كارثة الفقد وهو يراها ممدودة جوار الحائط مضمخة بجو جنائزي .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |