![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد عبد الكريم يوسف
2024 / 12 / 28
سورية أقدم دولة مأهولة بالسكان في العالم
مقدمة
===
الجمهورية العربية السورية، المعروفة ببساطة باسم سورية، هي أرض ذات أهمية تاريخية ملحوظة. وغالًا ما يشار إليها باسم مهد الحضارة، حيث ظلت أراضي سورية مأهولة بالسكان بشكل مستمر لعشرات الآلاف من السنين. وقد حول هذا السكن المستمر تربتها إلى موسوعة للتاريخ البشري، مليئة بقصص الحضارات القديمة والهندسة المعمارية الضخمة ومجموعة لا حصر لها من الثورات الثقافية. تهدف هذه الرحلة السردية الملحمية إلى استكشاف عظمة وعمق جذور سورية القديمة، من عصور ما قبل التاريخ إلى الإمبراطوريات التي غزت وأعادت تشكيل هذه المنطقة الرائعة في نهاية المطاف.
بدايات ما قبل التاريخ
===========
تشير الأدلة إلى أن المنطقة المعروفة الآن باسم سورية كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري القديم على الأقل، مما يجعلها واحدة من أقدم مواطن البشرية. تكشف المواقع الأثرية في مختلف أنحاء سورية ، مثل الكهوف في الديدرية والمستوطنات في تل براك، أن البشر ازدهروا في هذه المنطقة قبل وقت طويل من ظهور الكتابة أو الأدوات المتقدمة (أكيرمانز وشوارتز، 2003). وقد أرسى هؤلاء السكان ما قبل التاريخ الأساس لواحد من أقدم المجتمعات الزراعية المعروفة، مما ساهم في فجر نمط حياة مستقر وصعود الحضارة اللاحق.
صعود الحضارات القديمة
في وقت مبكر يعود إلى 10000 قبل الميلاد، بدأت القرى التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث في الظهور، مما يشير إلى بداية المجتمع الزراعي. وبحلول الألفية الثالثة قبل الميلاد، كانت سورية موطنا لبعض أهم المراكز الحضرية في العالم القديم، بما في ذلك إيبلا وماري وأوغاريت. وكانت كل من هذه المدن منارة للإبداع والثقافة. على سبيل المثال، كانت إيبلا مشهورة بأرشيفاتها الضخمة التي تتكون من آلاف الألواح الطينية التي قدمت رؤى حول لغة وإدارة ذلك الوقت (أرشي، 1998). ماري، وهي دولة مدينة بارزة أخرى، تقع استراتيجيا على طول نهر الفرات، وتعمل كمركز مركزي للتجارة والحكم (مارجورون، 2004)
تأثير الإمبراطوريات
===========
على مدار تاريخها، كانت سورية تحت سيطرة العديد من الإمبراطوريات التي تركت علامات لا تمحى على ثقافتها وبنيتها. قامت الإمبراطورية الأكادية، تحت حكم سرجون الكبير، بتوحيد جزء كبير من بلاد ما بين النهرين مع أجزاء من سورية ، مما أدى إلى إنشاء نموذج لطموحات إمبراطورية مستقبلية (فايس، 2012). بعد الأكاديين، أسس الأموريون والحوريون والحثيون جميعًا سيطرتهم على أجزاء من سوريا، حيث ساهم كل منهم في طبقات من التقدم الثقافي والتكنولوجي.
بحلول الألفية الأولى قبل الميلاد، وسعت الإمبراطورية الآشورية نطاقها إلى سورية ، مما جلب عصرا من الهيمنة العسكرية والكفاءة الإدارية. كانت الفترة الآشورية الحديثة ملحوظة بشكل خاص لبناء القصور والمعابد الفخمة، والتي لا يزال العديد منها يؤثر على التصميمات المعمارية اليوم (رادنر، 2015)
العصور القديمة الكلاسيكية: الإغريق والرومان
=========================
أدى غزو الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد إلى بداية مرحلة جديدة تميزت بالثقافة الهلنستية. وشهد تأسيس الإمبراطورية السلوقية تأسيس مدن جديدة مثل أنطاكية، التي أصبحت واحدة من أعظم مدن العالم القديم. كانت أنطاكية بوتقة تنصهر فيها الثقافات ومركزا للتعلم والتجارة، حتى أنها تنافس الإسكندرية في أهميتها (داوني، 1961).
تبع ذلك الغزو الروماني في القرن الأول قبل الميلاد، مما أدى إلى دمج سورية في الإمبراطورية الرومانية الشاسعة. وفي ظل الحكم الروماني، ازدهرت الثقافة الكلاسيكية. وبرزت مدينة تدمر، لتصبح واحدة من أهم مراكز التجارة التي تربط العالم الروماني ببلاد فارس والشرق. وتشكل بقايا تدمر شهادة على الإبداع المعماري والاندماج الثقافي الذي حدد هذا العصر (بول، 2000).
الإمبراطورية البيزنطية والفتوحات الإسلامية
========================
بعد تقسيم الإمبراطورية الرومانية، أصبحت سورية جزءا من الإمبراطورية البيزنطية. وخلال هذه الفترة، انتشرت المسيحية على نطاق واسع، وأصبحت سورية مركزا رئيسيا للاهوت المسيحي والحركات الرهبانية. وظلت مدينة أنطاكية موقعًا محوريا للدراسات الكنسية والخطاب الديني (ويلكين، 1983).
ظهور السيد المسيح لقد كان تأسيس الدولة الأموية في القرن السابع الميلادي بمثابة فصل آخر من فصول التحول في تاريخ سورية. فقد أسست الخلافة الأموية دمشق عاصمة لها، وحولت المدينة إلى قلب سياسي وثقافي نابض بالحياة للعالم الإسلامي. ويظل المسجد الأموي، أحد أقدم وأكبر المساجد في العالم، رمزًا للابتكارات المعمارية والدينية في هذه الفترة (فلود، 2001).
العصور الوسطى والعثمانية
===============
شهدت الفترة التي تلت العصور الوسطى تحول سورية إلى ساحة معركة بين الصليبيين والسلالات الإسلامية مثل الأيوبيين والمماليك. والقلاع والحصون المنتشرة في جميع أنحاء سورية ، بما في ذلك قلعة الحصن الشهيرة، هي بقايا من هذه الحقبة المضطربة.
في القرن السادس عشر، خضعت سورية للحكم العثماني، الذي استمر لأكثر من 400 عام. وقد جلبت هذه الفترة الاستقرار النسبي والتكامل في شبكات التجارة العالمية في ذلك الوقت. ترك العثمانيون إرثا دائما في شكل ممارسات إدارية وأساليب معمارية وفسيفساء غنية من التأثيرات الثقافية (ماسترز، 1999).
العصر الحديث والاضطرابات الأخيرة
=====================
أدى انحدار الإمبراطورية العثمانية إلى فترة الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، والتي أعادت تشكيل الحدود الحديثة لسورية. بعد استقلالها في عام 1946، شرعت سورية في مسار التحديث والتنمية.
ومع ذلك، تسببت الحرب الأخيرة، التي بدأت في عام 2011، في معاناة ودمار هائلين. وعلى الرغم من الدمار، تظل مرونة الشعب السوري رواية قوية، تعكس تاريخ البلاد الطويل في التغلب على الشدائد.
الخلاصة
=====
يعد تاريخ سوريا الملحمي شهادة على صمودها كواحدة من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم. فمن عصور ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا، كانت البلاد بوتقة للحضارة الإنسانية والثقافة والإبداع. وقد أضاف كل عصر وإمبراطورية وحدث طبقات إلى النسيج الغني وهذا ما يجعل من سورية رمزا دائما له أهمية تاريخية وثقافية.
المراجع
Akkermans, P. M. M. G., & Schwartz, G. M. (2003). *The Archaeology of Syria: From Complex Hunter-Gatherers to Early Urban Societies (ca. 16,000-300 BC)*. Cambridge University Press.
Archi, A. (1998). The Archives of Ebla: An Empire Inscribed in Clay. *Biblical Archaeologist*, 61(1), 4–14. https://doi.org/10.2307/3210673
Ball, W. (2000). *Rome in the East: The Transformation of an Empire*. Routledge.
Downey, G. (1961). *Ancient Antioch*. Princeton University Press.
Flood, F. B. (2001). The Great Mosque of Damascus: Studies on the Makings of an Ummayad Visual Culture. *Muqarnas*, 18, 41-68.
Margueron, J. (2004). Mari: A Portrait in Art. *Near Eastern Archaeology*, 67(4), 238-251. https://doi.org/10.2307/4132364
Masters, B. (1999). *The Arabs of the Ottoman Empire, 1516-1918: A Social and Cultural History*. Cambridge University Press.
Radner, K. (2015). *State Correspondences of the Neo-Assyrian Empire*. Oxford University Press.
Weiss, H. (2012). "The Genesis and Collapse of Third Millennium North Mesopotamian Civilization," in *Three Thousand Years of History: The Near East in the Bronze Age*. Reaktion Books.
Wilken, R. L. (1983). *John Chrysostom and the Jews: Rhetoric and Reality in the Late 4th Century*. University of California Press.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |