في ضوء ما يجري في حلب وادلب

عبدالله عطوي الطوالبة
2024 / 11 / 30

الدين حمَّال أوجه، هذه حقيقة علمية لا شك في ذلك ولا ريب. ويستحيل اتفاق أتباع الدين الواحد على فهم موحد لدينهم، مُلزم لهم جميعًا. هذه أيضًا حقيقة ثانية مؤكدة علميًّا ومثبتة على أرض الواقع، لا يجادل فيها مجادل. ومن أهم أسبابها، أن الدين ثابت مُطلق، فيما الحياة نسبي متحرك، لا يني يأتي بالجديد المستجد دائمًا، وهو ما ينعكس بالتأكيد على تفسيرات الدين وفهومه. سبب آخر لا يقل أهمية إن لم يكن أهم، نجده في التفاوت بين البشر في القدرات الذهنية والمعرفية. يُضاف إلى ذلك تدافع مصالح الناس وتضاربها، وبالتالي، فمن طبائع الأمور أن يفسر كل منهم الدين من زاوية مصالحه وبناء على مخزونه المعرفي.
حقيقة ثالثة في السياق، مفادها أن تسييس الدين وتديين السياسة يقودان دائمًا إلى نتائج كارثية على الأوطان، لجهة المبالغة في سفك الدم والتدمير. ولا حل لهذه الإشكالية الكارثية، كما يعلمنا التاريخ وتجارب الأمم المتقدمة والمجتمعات المستقرة، إلا بالفصل التام بين السياسة والدين. هذا الأخير، أي الدين، شأن معتقدي تعبدي خاص، مكانه دور العبادة فقط، ولا علاقة له بالسياسة وبشؤون الإجتماع الإنساني. ما لم يرتقِ الوعي الجمعي العربي إلى مستوى الأخذ بهذه المعادلة وفرض تطبيقها على أرض الواقع، سنظل تائهين في حيص بيص الإشتباك بين الديني والدنيوي بكل ما يترتب عليه من عواقب مأساوية.
حقيقة رابعة، مؤداها أن الحروب تحت يافطة الدين عادة ما تكون أشرس الحروب وأقساها على البشر والشجر والحجر. أما السبب، فلأن أحد طرفيها أو كل منهما يعتقد أنه يحارب بإسم الدين الصحيح، وبالتالي، فالطرف الآخر بنظره كافر مرتد مبرر له أن يفعل به ما يشاء والسماء إلى جانبه، والجنة مضمونة في حال موته دفاعًا عن الدين الحق، حسب الأوهام المعششة في الرؤوس.
على هذه الأسس، نحن ننظر إلى ظاهرة المد الديني في واقعنا العربي، بعد هزيمة حزيران 1967، والتي ما تزال تبدياتها فاعلة في واقعنا حتى اللحظة، وأي تبديات؟!!!
ففي الوقت الذي كان العدو الصهيوني يمعن قتلًا وإجرامًا في غزة وفي لبنان، خرج علينا رجال دين بفتاوى نحن نصنفها وصمة سوداء في جبين مطلقيها وكل من يشد على أيديهم. ومنها، أن المسلم سَيُسأل في الآخرة إذا "طرطش" رذاذ بوله على ملابسه وأجزاء من جسده، ولن يُسأل عن فلسطين !!! لماذا فلسطين بالذات وليس جيبوتي أو بوركينا فاسو، على سبيل المثال لا الحصر؟!!!
ومن فتاوى زمن الإنحطاط الثقافي العربي والتصحر الفكري، القول "جاهد بالسنن يا أبا عبيدة...نتنياهو كتابي تؤكل ذبائحه وتُنكح نساؤه...أما الروافض فإنهم كفرة لا تؤكل ذبائحهم ولا تُنكح نساؤهم". لاحظوا بؤس الانحطاط في التركيز على الأكل والجنس!
في المقابل، هناك فهم مختلف للدين ذاته جسدته حركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وبعض التنظيمات العراقية. هنا، الدين مقاوم للعدو الغاصب المحتل، والمقاومة في الجانب الصحيح من التاريخ دائمًا، بغض النظر عن القوى السياسية الفاعلة فيها، وخاصة ضد عدو مثل الكيان الصهيوني اللقيط.
الدارس لتاريخنا، منذ ألف عام على الأقل وصولًا إلى ما يجري في حلب وإدلب اليوم، لا بد سيلحظ توظيف الدين حمَّال الأوجه، لصالح العدو الخارجي واختراقنا سياسيًّا في أزمنة مختلفة، أو لصالح قوى الظلام والرجعية والتخلف دائمًا.
ألا يلفت النظر عن جد تحرك التنظيمات التكفيرية في حلب وإدلب، بعيد وقف إطلاق النار في لبنان مباشرة، وتهديد مجرم الحرب نتنياهو للرئيس السوري بأنه "يلعب بالنار"؟!!!
والأهم من ذلك، أين هذه التنظيمات وأشباهها من حرب الإبادة الصهيوأنجلوساكسونية في غزة، حيث يُمعن العدو في جرائمه ضد شعب أعزل ومعظم الشهداء من الأطفال والنساء؟!!!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي