هواجس سياسية 364

آرام كربيت
2024 / 11 / 30

الذين دخلوا حلب أرذل من النظام، يكفي أنهم عملاء لتركيا، مجرد قنادر في قدمها، وهناك جبهة النصرة، وأحرار الشام، فصائل سلفية مكانها في قفه التاريخ.
لن يطول الوقت حتى يبدأوا في تصفية بعضهم حسب الجهة التي توجههم، وتدفع لهم.
دخلنا في نفق أخر أمر واسوأ من السابق، وان لغد ناظره.


اسوأ وأبشع ما فعلناه أننا حولنا صراعنا مع إسرائيل إلى ساحة مبتذلة للصراع، انحدرنا به من المستوى السياسي الرئيسي إلى ما التحت سياسي، إلى إيمان وكفر، إلى يهود وإسلام.
هذه ثنائية بشعة، ثنائية مملوءة بالكراهية والحقد، رمينا السياسي خلف ظهورنا ومضينا إلى استخدام مفاهيم بائسة مقرفة، من مخلفات القرون الوسطى.
إلى اليوم وبعد خمسة وسبعين سنة من الصراع لا زلنا في مكاننا، نصبغ عليه مفاهيم فضفاضة بايخة ولا معنى لها:
معركتنا هي وجود وليس حدود، وأن إسرائيل يجب أن تقتلع من المكان، من أرض الرباط والجهاد.
وكأننا في بداية القرن السابع الميلادي، وكأن الزمن توقف في ذلك الزمن.
عالم اليوم عالم متغول بلع الماضي والحاضر ويريد الاجهاز على المستقبل، ونحن كما نحن بالرغم من أننا نحارب بالأسلحة الحداثية الحديثة.
الإعلام العربي ساقط بامتياز، ومعه الأقنية الغربية الناطقة بالعربية، يكرروا هذه المفاهيم الميتة، بقصد ترسيخ الكراهية على مستوى العالم بين المسلمين والديانات الآخرى، بدلًا من تسليط الضوء على أن الصراع سياسي وسيبقى سياسيًا.


هذا العالم لم يخلق من أجل الإنسان، ولم يبن من أجل سواد عينيه.
وهذا الإنسان اسوأ ممثل له, لانه كائن شرير وغير مؤتمن عليه.
لقد خرب الطبيعة برعونته وأنانيته وجشعه وهمجيته.
سيأتي ذلك اليوم الذي سيستمر دونه, وسيعيد إنتاج نفسه وتوازنه.
الكائن الذي لا يحافظ ويحترم وجوده, عليه الرحيل

في المساءات الشتائية الباردة الغنية بالفضيلة، نحلق حول الموقد.
حضور طاغي للحميمية يضمه الليل بين دفتيه.
تمسك أمي الدودوك الجميلة، تشمه، تمتع نظرها بلونه، لون الشجر، تنظفه بخرقة نظيفة، تمرر أصابعها الرقيقة على الأثلام، تمسده، تمرر الهواء بخفة على الخروم.
أنظر إلى أمي، أراقب حركة أصابعها، عندما تصبح مستعدة للعزف على الدودوك، أمسك الكمنجة وأعزف، نستمر في العزف إلى حين انقضاء الليل معه ومع الغناء.
المدفأة تطقطق، تقطع خشب السنديان، تحوله إلى رماد.
يجلس والدي في الزاوية البعيدة عنا، يسمع ويكتب ويدون تاريخ الموسيقى وعلاقتها بالمعابد والغناء والرقص والفرح.
صوت الريح يعصف بشجرة الكينا العالية في فناء بيتنا الكبير.
في خضم هذه الأمسيات الجميلة، ينبعث غموض غريب من بيت الجوار كل ليلة، يهيم فوقنا كاحتفالية غريبة. أقول في نفسي:
ـ ربما هو إنذار عائم، مترافق مع صوت وقع حوافر الخيل، جيل الجبليين متجهًا صوب المدن والقرى، والسهول والجبال وأقواس الأفق، مختلطًا مع عواء الذئاب.

هناك مستويات كثيرة لعلاقة الولايات المتحدة بنفسها من جهة أولى، وأتباعها أو صيصانها من جهة ثانية، وفي علاقتها مع هذا العالم السياسي العالمي من جهة ثالثة.
ـ تتصرف الولايات المتحدة في الداخل الأمريكي كدولة ومجتمع، كدولة فيها مؤسسات نافذة، دستور، وقانون نافذ، وفصل للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
والرئيس وإدارته عبارة عن موظفين يعملون في إداراة الدولة ككل، بيد أنهم يأخذون رواتبهم مثله مثل أي مستخدم في هذا الجهاز الرقيق والدقيق والحساس والمرن.
وتتصرف هذا الدولة الامريكية مع الخارج، أي مع دول العالم وشعوب العالم، كسلطة فوق سلطة.
ويتحول الرئيس الأمريكي إلى رجل سلطوي، ويتصرف كأنه وصي أو شريك في القرارات المصيرية للدول الأخرى في العالم.
بل يتحول الرئيس وحكومته أو إدارته إلى مستبد وقاتل إذا تطلب الأمر، ينفذ مصالح سلطة دولته العليا وفق المعايير الذي يراها عندما لا تنصاع الدولة الخاضعة أو المارقة للدولة الأمريكية.
مثلا الحرب على العراق ثم احتلاله، ثم احتلال افغانستان, وغيرهم.
الأنظمة العربية عبارة عن سلطة حاف مجردة من أي علاقة قانونية أو إنسانية مع بلادهم.
ويستمدون شرعيتهم وشروط بقاءهم من السلطة العليا، أي من سلطة الولايات المتحدة عند انفصال هذه الأخيرة عن قيم الدولة ودستورها وقوانيها.


خيارات الناس تتقاطع مع تكوينهم النفسي والعقلي والفكري، في الحب والصداقة والعلاقات.
لا يمكن لواحد سوي أن يقيم علاقات لا تتقاطع مع بنيته النفسية، كالأمانة والصدق والحب والتضحية.
يقول الرسول، المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
ويقول المثل الأنكليزي
قل لي من تصادق أقول لك من أنت.

كل دين لديه كتاب واحد على مدار التاريخ، تم علكه مليارات المرات، وما زال يعلك إلى اليوم.
والناس يركضون وراءه في محاولة أكتشاف خباياه وأسراره.
وعلى الطرف الآخر، ينزل إلى الأسواق كل سنة أكثر من مليون كتاب في كل جوانب الحياة، الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، وفي شتى العلوم، والأبحاث، وفي مجال المجتمع المدني والأخلاق والانتربولوجية، وعلم الأديان، وعلم السياسة، وفي الأدب والفن والسينما والموسيقى والمسرح، والرسم والنحت والغناء.
والقائمة تطول وتطول ولا يمكن أن تتوقف
ومع أن الأديان تكره الحياة، وتعزل الناس عن بعضهم وتضعهم في خنادق أو كانتونات، وتفصل الرجل عن المرأة، وترعى الانقسام الاجتماعي والطبقي والإنساني، وتكره منتجات الحياة، كالفن والسينما والموسيقى والمسرح، والرسم والنحت والغناء، إلا أن سوق الدين ساري المفعول أكثر من كل العلوم، بالرغم من أن المؤمنين أكثر الناس المستفيدون من العلوم ومنتجات العلوم، كالسيارة والطيارة والتلفون والشقة السكنية المكتملة البنيان.
قوة الدين أنه وضع نفسه جنبًا إلى جنب مع الرموز الغامضة البعيدة عن متناول اليد، واتكئ عليها، ومضى يفسر كل شيء بناء على هذا الغامض الميت.

قبل خمس سنوات قال أردوغان: إن الرئيس إيمانويل ماكرون في حالة موت دماغي. وأضاف:
من الرئيس أردوغان إلى ماكرون فرنسا، عالج موت دماغك، وعالج جهلك قبل كل شيء
من حق هذا الأردوغان أن يتلفظ بالكلمات التي يريدها، فأوروبا بالرغم من القدرات الاقتصادية والعسكرية الهائلة التي تتمتع بها، إلا أنها عاجزة سياسيًا، ولا تملك قرارها منذ أن أدمنت الاعتماد على الولايات المتحدة.
والولايات المتحدة تريد بقاء أردوغان لأعبًا مهمًا، عرابًا لها، تحركه في الاتجاه الذي تريد وترغب.
اعتقد أنه ذكي جدًا ويتلقى الإشارات الصحيحة ويسير عليها، بيد أنه حذر جدًا مع روسيا، بل خائف منها ومن الصين.
ميدانه أوروبا المسكينة الضعيفة، وبلدان افريقية والشرق الأوسط والبلدان العربية.
إنه سيد المناطق الرخوة أو الهشة سياسيًا.


إن تكون نخبة في المجال الفكري والفلسفي والسياسي أو في بقية المجالات الإبداعية فهذا شيء جميل, فعملك يشير إلى ذلك.
أما أن تطرح نفسك كنخبة وتتمايز اجتماعيا وإنسانياً, وتترفع على الأخرين, كأنك شمس والأخرين مجرد نكرة, فأسمح لي أن أقول لك أنك لم تتخلص من ثقافة الاستبداد وعقلية الإنسان المقهور.


هذه الحضارة الشريرة المريضة تقتل فيك أي حس طبيعي في الحياة كالحب والحميمية والتعاطف.
إنها حضارة سادية بامتياز, تنتشلك من الوسط الاجتماعي وتغلفك بإطارها الخاص والعام, تجعلك تدور حول نفسك مثل رحى الطاحون باحثاً عن منفذ تنقذ نفسك, ذاتك الوحيدة من الوقوع في مصيدة الجوع والذل والبرد والتشرد.
إنها حضارة حرب وقلق, لا تتركك تفكر بغيرك. فذاتك المأسورة المكسورة تحتاج إلى ترميم, إلى الخلاص, أن تنعم بالسلام والحب والتأزر والتواصل.
حركتها سريعة جداً لدرجة لا تتركك أن تلتفت إلى الضحايا والمعوزين والمحتاجين خوفا من أن تكون أنت الضحية والمشرد والمحتاج في القادم من الأيام.


عندما تسأل طفلًا في طول أوروبا وعرضها عن دينه, يقول بكل ثقة:
ـ لا أعرف ما هو ديني. أو يهز رأسه بالنفي, أو, أن هذا الموضوع لا يعنيي أو ما معنى الدين. ويقول:
ـ عندما أكبر سأختار. الأن أنا صغير على هذه المسائل.
في بلادنا, ما أن يفتح الطفل عينيه, حتى نلقنه ديننا, أفكارنا, قيمنا, مخافة أن يضيع من أيدينا. ندجنه قبل أن تأخذه الحياة إلى عوالمها المفتوحة, إلى الحرية. ويخضع, ويكون صورة طبق الأصل عنا.
يخرج هذا المسكين مملوءًا بكتل من العقد والأمراض يظنها حقائق.
يلقنوه أن يكون على الدين الفلاني او العلاني يضعون نصب عينيه أجمل النصوص من بواطن كتبهم, حتى يخال له أن الدين, هو, هذه النصوص أو الآيات.
تقل لديه المحاكمة العقلية أو حرية الاختيار.
ويخرج مادلجًا, منتميًا إلى جهة دينية أو طائفة أو مذهب حسب المواصفات الفنية للأهل.
عاطفي بالعموم, تحركه مشاعر الحب لنفسه وقومه, وكرهًا للطرف الأخر.
أنا الصح كله. وأنت الخطأ كله. وتعال لنتفاهم. ونسمع بعضنا. وكل واحد يجر الحبل إلى طرفه, إلى طرف طفولته ونغنغته وكركرته الأولى.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي