|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أسيل العزاوي
2024 / 11 / 30
ظاهرة العنف الجنسي ليست جديدة في حياة المرأة العراقية، فهي جزءًا من نسق الثقافة الذكورية واستفحالها في المؤسسة التعليمية، هي نتيجة طبيعية للواقع الذي تعيشه المرأة. إذ تنخرط الجرائم الجنسية ضمن النظام الأبوي بوصفها حقًا مشروعًا وأداة قمعية في تحييد وجود المرأة في قوالب معينة، لاسيما إن علاقتها مع الجنس الآخر تحدد على مبدأ السلطة والخضوع. إذ تقع علاقة المرأة مع الرجل في حيز الملكية بوصفها جسدًا يجب التخلص منه في حال تمردت، أو طالبت في حقوقها المسلوبة التي تعد انتهاكًا للتصورات الثقافة البطريركية.
مازالت الحكومة تقف عاجزةً في تقديم معالجات جادة في حماية النساء اللواتي يتعرضن إلى مخاطر العنف الجنسي من قبل الرجل. إذ أصبحت قضية المرأة وحقوقها بمثابة استلاب قمعي آخر يضاف إلى الانتهاكات التي تتعرض لها عبر استغلال قضيتها وتتميع حقوقها بوصفها حقوقًا زائدةً، وخرقًا للقيم الأخلاقية التي تهدد الأسرة والمجتمع.
فلم تنجح الحكومة بتطبيق القانون، إذ قدمت صورة غير مفهومة عن المساواة المجتزئة، والعدالة الاجتماعية المتحققة في الشعارات فحسب. واقتصرت هذه القوانين على ضمان حقوق مواربة للمرأة في العمل والتعليم، ولا تنفصل هذه الحقوق عن المضامين التي منحتها الاشتراطات المجتمعية، ولا تخرج المرأة أيضًا عن التصورات الدينية أثناء مزاولتها. وما زالت المرأة تعاني من رواسب الفكر الصحراوي ومورثه العشائري والقيمي والديني ،إذ ساهم الموروث بشكل كبير إلى جانب العادات والتقاليد البالية في قمع المرأة وحريتها وسلب حقوقها بوصفها إنسانة يقتصر وجودها على الإنجاب وتقديم الخدمات المنزلية والجنسية للرجل. وأدى التمييز العنصري والجنسي على المرأة في زيادة الجهل الاجتماعي والتراجع الحضاري والتدهور الاقتصادي وعزز كل ذلك من التخلف السياسي الذي يعاني منه المجتمع.
وعلى الرغم من خروج المرأة إلى الفضاء العام ومشاركة الرجل، إلا إن خروجها يشكل خطرًا وتهديدًا على حياتها، فهي تتعرض لأنواع المضايقات الجنسية من تحرش لفظي وعنف جسدي وابتزاز واغتصاب جنسي وآخرها القتل. ولم تسلم المرأة من العنف الجنسي مهما وصلت إلى مكانة اجتماعية وعلمية، فهي لم تنجو من الأحكام المسبقة والوصم الاجتماعي لكونها امرأة فحسب.
وبناءً على ذلك ، يعد العنف الجنسي على النساء العراقيات من المبررات الأخلاقية بوصفه حقيقية حتمية تعاني منه النساء اللواتي لم يخضعن للقوانين الذكورية ،إذ مازالت المرأة تابعة للرجل ويجب أن لا تخرج عن طاعته. فضلا إنها تتحمل المسؤولية واللوم الأخلاقي في حال تعرضها لجريمة تنهي حياتها، فيمارس عليها العنف الرمزي من قبل المجتمع بكونها سببًا في الجريمة ،ومن جانب آخر، يتم تبرير تصرف المجرم من خلال سادية أخلاقية بطولية قام بها الرجل؛ بكونها عبءً غير أخلاقي، ويعد قتلها واجبًا من أجل حماية شرفه الذي ينحصر في أجساد النساء التابعات له.
ويسجل العراق نسبة عالية في ارتكاب الجرائم الجنسية بحق النساء ، وتجري عمليات قتل النساء بذرائع متعددة منها: جرائم غسل العار، الخلافات العائلية. ومازال القانون لم يقدم عقوبات عادلة لمرتكبي الجرائم تجاه النساء. فتبقى المرأة آمنة، طالما كانت خاضعة وتتخلى عن حقوقها، وأي تمرد في امتلاك حياتها وحريتها الجنسية يعد خرقًا، يجب تعاقب عليه حتى لو كانت تلك الحقوق ضمن أطر شرعية تتمثل في الزواج التعددي وغيره من العلاقات التي تقوم على تراضي الطرفين. ومن جانب أخر، شجع الاضطهاد الجنسي في عمقه إلى اضطراب وتشويه العلاقة العاطفية والزوجية بين المرأة والرجل ، فهي علاقة قائمة على الصراع والاستغلال الجنسي بوصف المرأة هامشًا في المجتمع ، فالوصاية الأبوية تنقل اليها من الأب والأخ والقبيلة إلى الزوج وصولا إلى الشريك العاطفي . ونسبة كبيرة من النساء لم يستطعن الإفلات من الوصاية الأبوية والتحيزات الذكورية التي يفرضها المجتمع على المرأة، فالاستلاب الجنسي أصبح جزءًا من حياة المرأة، وتصاعدت جرائم العنف الجنسي بشكل بارز في الفترة الأخيرة ، إذ يحق للشريك العاطفي في ممارسة العنف الجنسي على المرأة في حال رفضت الارتباط به.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |