|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
بهجت العبيدي البيبة
2024 / 11 / 29
الحب هو تلك القوة الخفية التي لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تُحسّ بكل جزء من كياننا. هو الجسر الذي يعبر بنا من القسوة إلى اللطف، ومن الفراغ إلى الامتلاء، ومن العزلة إلى الانسجام. الحب هو النغمة التي ترددها الروح في صمت، والصوت الذي يصدح في صمت الكلمات، هو ذلك الشعور الذي يصعب على اللسان أن يترجمه، ولكن الأفعال تبرهن عنه دون مجهود.
كما قال جبران خليل جبران في رائعته "النبي":
"وما أنتم إلا مدارج حب، لا تحتسروا النظر في فجر محتجب."
هكذا، في الحب، لا نجد سوى ظلالنا التي تتحرك في شمس لم تنطفئ بعد، مسيرة في طرقات لا تبدو نهاياتها، طالما أن الحب هو المبدأ الذي نحيا من أجله.
حب الطبيعة والجمال
الحب ليس مقتصرًا على العلاقات الإنسانية فقط، بل يمتد ليشمل حب الطبيعة والجمال الذي يحيط بنا. الطبيعة هي الملاذ الذي نجد فيه السكينة والهدوء، حيث تتجلى عظمة الخالق في كل زهرة، وكل شجرة، وكل جبل. كما قال مصطفى صادق الرافعي:
"إننا لن ندرك روعة الجمال في الطبيعة، إلا إذا كانت النفس قريبة من طفولتها ومرح الطفولة ولعبها وهذيانها."
الطبيعة تعلمنا الحب في أبسط صوره، حب النقاء والبساطة، حب الحياة في كل تفاصيلها.
قصص الحب الخالدة
في تاريخ البشرية، هناك قصص حب لا تموت، بل تتجدد مع كل جيل ويُخلد ذكرها في ذاكرة الشعوب. أروع هذه القصص قد تخلدها أغنيات، أو تُنقش على جدران قلوبنا كذكريات عالقة لا تُمحى. من أشهر هذه القصص هي قصة قيس وليلى التي لم تُهزم رغم المسافات، وتغلبت على قيود الزمان والمكان. فبينما كان قيس يذوب عشقًا في ليلى، ظل حبه لها متجددًا رغم بعد المسافة والموت، يقول قيس:
"أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا."
لم يكن حب قيس لليلى مجرد عشق متأجج، بل كان ارتباطًا أبدياً لم يعترف بالقوانين الأرضية، بل كان تجاوزًا لكل ما هو بشري. وفي هذه الكلمات ينسج قيس لنا حبًا لا يموت، حتى وإن غاب المحبوب.
أما في الأدب الغربي، فلا ننسى قصة روميو وجولييت التي كتبتها يد ويليام شكسبير، تلك القصة التي اجتمع فيها الحب بالكراهية والموت. وفي قلب هذه القصة، كانت كلمة حب تزن أكثر من حياة بكاملها. روميو، الذي وقف ضد كل الظروف ليعيش لحظات مع جولييت، قال ذات مرة:
"ما الحياة إلا لحظة، وإذا كانت هذه اللحظة معكِ، فإنها تكفيني للأبد."
لقد صور شكسبير في روايته حبًا يولد في صراع ولكنه يتفوق على كل شيء آخر، يجعلنا نفكر في معنى الخلود، واللحظات التي تتجمع فيها أرواحنا لتذوب في وحدة واحدة.
نموذج ملهم من أدب نجيب محفوظ
في أدب نجيب محفوظ، نجد العديد من النماذج الملهمة للحب، ومن أبرزها قصة "الحب فوق هضبة الهرم". في هذه القصة، يصور محفوظ حبًا يتحدى الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. يحكي عن "علي" و"رجاء"، اللذين يواجهان صعوبات كبيرة في الزواج بسبب الظروف المادية. ومع ذلك، يستمر حبهما في النمو والتألق رغم كل التحديات. يقول محفوظ في وصف الحب:
"عرفتُ الحبَّ لأول مرة في حياتي. إنه كالموت تَسمع عنه كلَّ حين خبرًا ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضَر. وهو قوةٌ طاغية يلتهم فريستَه، يَسلبُه أيَّ قوةِ دفاع، يطمس عقله وإدراكه، يصبُّ الجنونَ في جوفه حتى يطفح به. إنه العذاب والسرور اللانهائي."
هذا الوصف العميق يعكس كيف يمكن للحب أن يكون قوة لا تقهر، تتجاوز كل العقبات وتستمر في الإشراق حتى في أحلك الظروف.
نموذج ملهم من الأدب العالمي
من الأدب العالمي، نجد قصة آنا كارنينا للكاتب الروسي ليو تولستوي. هذه الرواية تعد واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في التاريخ، حيث يصور تولستوي قصة حب معقدة ومأساوية بين آنا كارنينا والكونت فرونسكي. آنا، التي تعيش حياة زوجية غير سعيدة، تجد في حب فرونسكي ملاذًا وسعادة لم تعرفها من قبل. يقول تولستوي في وصف الحب:
"كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن كل عائلة تعيسة فريدة في تعاستها."
هذا الاقتباس يعكس كيف يمكن للحب أن يكون مصدرًا للسعادة العميقة، ولكنه أيضًا يمكن أن يكون سببًا للتعاسة والمعاناة. حب آنا وفرونسكي يتحدى التقاليد الاجتماعية ويكشف عن الصراعات الداخلية التي يعيشها الإنسان بين الواجب والرغبة، بين المجتمع والفرد.
نماذج من شعر العشاق
الحب في الشعر العربي هو تعبير عن أعمق المشاعر الإنسانية، وقد أبدع الشعراء في وصفه بأجمل الأبيات. ومن النماذج الرائعة لشعر العشاق:
ما ذكره نزار قباني:
- "سَأقولُ لكِ "أُحِبُّكِ".. حينَ تنتهى كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه
فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ.. أو يفعلونَهْ.."
- يعبر نزار قباني في هذه الأبيات عن حبه العميق الذي يتجاوز كل لغات العشق التقليدية، ويؤكد أن حبه سيظل قائماً حتى بعد انتهاء كل الكلمات والأفعال التي يستخدمها العشاق للتعبير عن مشاعرهم.
وما قاله قيس بن الملوح:
- "وجدتُ الحبَّ نيرانًا تلظى
قلوبُ العاشقين لها وقودُ"
- وهنا يصور قيس بن الملوح الحب كنار مشتعلة، وقلوب العشاق هي الوقود الذي يغذي هذه النار، مما يعكس شدة العاطفة والحرقة التي يشعر بها العشاق.
أما قول عبد الرحيم محمود:
- "يا لائمي في الحب دعني
فقد يزداد بالحب سعير الغرام"
- فهو يطلب هنا من اللائمين على حبه أن يتركوه وشأنه، لأن الحب يزيد من شدة الغرام والاشتياق، ويعبر عن استعداده لتحمل كل ما يأتي مع هذا الحب.
وأخيرا مفدي زكرياء حينما يذكر:
- "الحب أرقني واليأس أضناني
والبين ضاعف آلامي وأحزاني"
فإنه يعبر هنا عن معاناته من الحب الذي أرقه وأتعبه، وزاد من آلامه وأحزانه بسبب الفراق والبعد عن الحبيب.
الحب الإلهي
الحب الإلهي هو أسمى أنواع الحب، هو الحب الذي يربطنا بالخالق، ويمنحنا السلام الداخلي والطمأنينة. هو الحب الذي يجعلنا نشعر بأننا جزء من هذا الكون الواسع، وأن هناك قوة أكبر ترعانا وتحمينا. هذا الحب الذي عبرت عنه رابعة العدوية أروع تعبير حينما قالت:
"أحبك حبين، حب الهوى وحبًا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا."
هذا الحب هو الذي يملأ قلوبنا بالسكينة، ويجعلنا نرى الجمال في كل شيء حولنا، ويمنحنا القوة لمواجهة تحديات الحياة.
وأخيرا الحب في الإنسانية وهو ذلك الشعور الذي يجعلنا نرى أنفسنا في الآخرين، ويجعلنا نتعاطف مع آلامهم وأفراحهم. هو الحب الذي يدفعنا لمساعدة الآخرين دون انتظار مقابل، ويجعلنا نعمل من أجل خير البشرية جمعاء. يقول المهاتما غاندي:
"حيث يوجد الحب، توجد الحياة."
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |