سوسيولوجيا رؤية العالم:تحليل فلسفي و اجتماعي للوعي الجماعي و مرتكزاته المعرفيةج

عادل الكنوني
2024 / 11 / 27

فهرس المقال:

1. مقدمة


2. السوسيولوجيا وتشكيل الوعي الجماعي


3. علاقة الوعي بالسياسة والاقتصاد


4. الوعي في الفكر الفلسفي: هوسرل وبرغسون


5. جون سيرل ونقد العقل: كيف نُفهم الوعي؟


6. تشريح الدماغ وعلاقته بالوعي: بين الفلسفة والعلم


7. تطبيقات سوسيولوجيا رؤية العالم في الواقع المعاصر


8. الخاتمة




---

1. مقدمة

يشكّل الوعي نقطة التقاطع بين الفلسفة، العلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية. إذا كان الفلاسفة قد تباينوا في فهمه، فإن العلماء يواصلون العمل على تحديد آلياته المادية. يعد "الوعي" هو مركز تكوين الشخصيات الفردية والجماعية، في حين يتراوح تعريفه بين كونه تجربة فردية بحتة أو حالة اجتماعية، حسب السياق الفلسفي والاجتماعي الذي يُناقش فيه.

2. السوسيولوجيا وتشكيل الوعي الجماعي

يعتبر عالم الاجتماع إميل دوركهايم أن الوعي الجمعي يمثل القوة الموجهة للمجتمعات والتي تساهم في توجيه السلوك الفردي ضمن إطار المعتقدات والعادات الاجتماعية. تُظهر الأحداث التاريخية الكبرى، مثل الحروب العالمية، كيف يمكن أن يتشكل الوعي الجماعي حول فكرة العدو المشترك. في الصراع الأمريكي الروسي أو الصيني، نلاحظ كيف يتم تشكيل العدو الافتراضي في العقول الجماعية من خلال الإعلام والأنظمة السياسية، بما يتماشى مع السياسات الاقتصادية الاستراتيجية.

مثال واقعي يمكننا أن ندرجه هنا هو كيف تساهم وسائل الإعلام في تشكيل صورة "العدو" في الصراع بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أو بين الولايات المتحدة والصين. الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أداة تشكيل الواقع الثقافي والعقلي للجماهير.

3. علاقة الوعي بالسياسة والاقتصاد

السياسة والاقتصاد يشكلان الوعي الجماعي من خلال تقديم المعلومات وفقًا لخطط ومصالح معينة. إن التحكم في الأفكار الجماعية عبر الإعلام أو الإعلان السياسي هو أداة مركزية للهيمنة الاقتصادية والسياسية.

خلال الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، مثلاً، استخدم الخطاب الاقتصادي المُروج من المؤسسات المالية الكبرى لتوجيه الوعي الجماعي نحو فكرة أن الأزمة هي نتاج لأخطاء بعض الأسواق الصغيرة، بينما كان من بين الأسباب الجوهرية هي السياسات المالية التي اتبعتها الأنظمة الاقتصادية الكبرى.

4. الوعي في الفكر الفلسفي: هوسرل وبرغسون

إدموند هوسرل في "الفينومينولوجيا" يؤكد أن الوعي ليس مجرد حالة من الإدراك الحسي، بل هو "قصدية"؛ أي أن الوعي دائمًا موجه نحو شيء ما. فهذه القصدية هي التي تؤطر تجربتنا للعالم. من جهة أخرى، هنري برغسون يرى أن الوعي هو سيل متدفق من اللحظات المتتالية التي لا يمكن قياسها بالوقت المادي، بل هي تجربة نوعية تؤثر في طريقة إدراكنا للمستقبل.

مثال فلسفي: عندما نتحدث عن الوعي الجمعي، فإن فكرة هوسرل عن القصدية تُسهم في فهم كيفية تجميع الجماعات للأفكار حول موضوع معين. يمكننا تطبيق ذلك على كيفية تشكيل الوعي الجماعي حول قضايا مثل الهويات الوطنية أو الصراعات الثقافية.

5. جون سيرل ونقد العقل: كيف نُفهم الوعي؟

في كتابه "نقد العقل"، يُقدّم جون سيرل تصوّراً عن الوعي باعتباره ظاهرة ناشئة عن الدماغ. فهو يرى أن الوعي ليس حالة خفية بل عملية لها علاقة وثيقة بالوظائف العقلية المتطورة داخل الدماغ. سيرل يعارض الفكرة التقليدية التي ترى الوعي كشيء فوق مادي أو غير قابل للتفسير العلمي. بل، هو في رأيه نتاج تفاعل معقد بين الخلايا العصبية.

مثال علمي: تجربة "الأشخاص الذين فقدوا جزءًا من الوعي بعد إصابات دماغية" تُظهر كيف أن الأضرار التي تصيب الدماغ تؤدي إلى تغييرات في الوعي. يمكن للدماغ أن يتغير، ولكن كيف يُستعاد الوعي أو يُعاد بناءه؟ هذه الأسئلة تمثل جوهر الأبحاث العصبية في الوقت المعاصر.

6. تشريح الدماغ وعلاقته بالوعي: بين الفلسفة والعلم

من منظور علمي، يظهر الوعي كأحد أعمق وأكبر الأسئلة التي يواجهها العلماء. عبر الأبحاث العصبية الحديثة، تم تحديد بعض المناطق التي تشارك في الوعي، مثل القشرة الجبهية. هذه المنطقة تُعنى بالوظائف العليا مثل التفكير واتخاذ القرارات.

إحدى الدراسات الحديثة أظهرت كيف أن النشاط الكهربائي في الدماغ يمكن أن يرتبط بالأفكار المتولدة في الوعي. كما تم اكتشاف كيف يؤثر دمج الذاكرة والتجارب الحسية في الدماغ على تشكيل تصوراتنا للواقع الخارجي.

7. تطبيقات سوسيولوجيا رؤية العالم في الواقع المعاصر

تطبيقات سوسيولوجيا رؤية العالم تتضمن كيف أن الوعي الجماعي يمكن أن يتشكل من خلال العوامل السياسية والاقتصادية. اليوم، تُستخدم التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة كأدوات أساسية لخلق تصورات ووعود تبني صورة معينة لعالم ما.

من خلال نظرية "صناعة القدوة والشهرة"، كما تبرز في ثقافة المشاهير، يمكن أن نفهم كيف أن العقول الجماعية تتشكل عبر معايير معينة تُروج لها وسائل الإعلام.

مثال واقعي: كيف أن الانفتاح على شخصيات مثل إيلون ماسك أو مارك زوكربيرغ كرموز للنجاح يقود الناس إلى تبني صورة معينة للنجاح، تتوافق مع نموذج اقتصادي معين. الإعلام هنا لا يقتصر على تقديم المعلومة، بل هو أداة لخلق أشكال من الوعي المرتبطة بالقيم الفردية والجماعية.

8. الخاتمة

بناءً على هذه التحليلات، نجد أن الوعي ليس مجرد مفهوم فلسفي أو علمي، بل هو حقيقة معقدة تتداخل فيها الفلسفة، العلوم الاجتماعية، والسياسة. يمكن للوعي أن يُشكل من خلال الجوانب الفردية والجماعية على حد سواء. في المستقبل، سيكون لفهم الوعي أثر كبير في كل من الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا، مما يساهم في تشكيل عوالم جديدة من العلاقات الاجتماعية.


---

المراجع:

1. هوسرل، إدموند. (1973). مبادئ الفينومينولوجيا.


2. برغسون، هنري. (1911). التطور الخلاق.


3. سيرل، جون. (2004). نقد العقل.


4. لنتون، رالف. (1936). الأنثروبولوجيا الثقافية.


5. الكنوني، عادل. (2024). سوسيولوجيا رؤية العالم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي