طوفان الأقصى 415 – نتنياهو خلف القضبان؟!

زياد الزبيدي
2024 / 11 / 25

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا

*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

ديمتري مينين
كاتب صحفي ومحلل سياسي روسي
مؤسسة الثقافة الاستراتيجية

23 نوفمبر 2024

ماذا تعني مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت بالنسبة لإسرائيل؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت "بسبب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت بين 8 أكتوبر 2023 و20 مايو 2024 على الأقل". ومن بين تهم جرائم الحرب الموجهة إلى نتنياهو وغالانت ما يلي: "حرم كلا المتهمين عن عمد وعن علم السكان المدنيين في غزة من ضروريات البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، وكذلك الوقود والكهرباء".

إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ووصف نتنياهو اتهامات المدعي العام ضده بأنها "عار"، وهجوم على الجيش الإسرائيلي وكل إسرائيل. ووصف مكتب رئيس الوزراء هذه الخطوة بأنها "معادية للسامية" وقارنها بـ "محاكمة دريفوس في العصر الحديث"، وهو الاسم الذي أطلق على جندي فرنسي من أصل يهودي اتهم ظلماً بالخيانة في مطلع القرن العشرين.
من الغريب أن زمن "يوسيفوس" وحصار "مسعدة" لم يتم تذكره بعد، في حين تختلف قضيتا دريفوس ونتنياهو كثيراً. وذكرت هيئة الإذاعة الاسرائيلية أن هناك مخاوف في أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ضباط وقادة عسكريين إسرائيليين كبار آخرين، بما في ذلك رئيس الأركان هيرتسي هاليفي، مشيرة إلى أن هناك بالفعل "أوامر اعتقال سرية" يمكن للمحكمة إصدارها حسب تقديرها. وتتوقع الصحافة الإسرائيلية "إلغاء وزوال" المحكمة الجنائية الدولية نفسها في نهاية المطاف.

وقد قوبلت أوامر الاعتقال بتناقض في المجتمع الإسرائيلي. فمن ناحية، يرفضها زعماء المعارضة بشدة. على سبيل المثال، أدان يائير لابيد قرار المحكمة بشكل قاطع، وكتب وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان في منشور له على موقع X أن إسرائيل "لن تعتذر عن الدفاع عن مواطنيها وتعتزم الاستمرار في مكافحة الإرهاب دون أي تنازلات".
لكن من ناحية أخرى، يرى الكثير منهم أن هذا القرار يشكل إضعافًا إضافيًا لخصمهم السياسي نتنياهو وفرصة لاستعادة مركز الصدارة مرة أخرى. وتظهر استطلاعات الرأي داخل البلاد، على وجه الخصوص، أنه إذا أجريت انتخابات الكنيست اليوم، فإن الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو سيحصل على 50 مقعدًا من أصل 120، وكتلة المعارضة – 60، والأحزاب العربية – 10. إن عزلة نتنياهو الدولية تفيد المعارضة بشكل موضوعي، وهي مستعدة تمامًا لإجراء انتخابات برلمانية في أقرب وقت ممكن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القيادة الإسرائيلية، على الرغم من تجاهلها للعديد من قرارات الهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ستواجه أيضًا بعض المشاكل على الساحة العالمية. وبالتالي، وفقًا لنيف جوردان Nev Gordan، الأستاذ في جامعة كوين ماري في لندن Queen Mary University of London، فإن قرار إصدار مذكرات الاعتقال قد يؤثر على إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل. وقال: "إذا وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى زعماء إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فهذا يعني أن الأسلحة التي ترسلها الدول الأوروبية إلى إسرائيل تُستخدم لارتكاب مثل هذه الجرائم على وجه التحديد، ويجب على هذه الدول إعادة النظر في تجارة الأسلحة بالكامل مع إسرائيل، وأود أن أقول، التوقف عن إرسال هذه الأسلحة".

ستكون هناك أيضًا صعوبات في تواصل نتنياهو مع زعماء عدد كبير من الدول التي وقعت على نظام المحكمة الجنائية الدولية وزياراته لهم، وخاصة الأوروبية. أعلنت فرنسا وبريطانيا وأيرلندا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي بالفعل أنها ستنفذ مذكرات الاعتقال.
وقد يمنع هذا القرار أيضًا مسؤولين إسرائيليين آخرين من السفر إلى الخارج، لأن الحكومة تتجاهل التوصيات القانونية لإجراء تحقيق حكومي.

حتى الآن، لم يدع نتنياهو لزيارة بلاده إلا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأدانت أيضًا إصدارها أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين، ستظل مفتوحة له.
لذا، في حفل تنصيب ترامب في يناير 2025، قد يكون نتنياهو أحد أكثر الضيوف تكريمًا. حتى أن حاكم البيت الأبيض المستقبلي صرح بأنه سيفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية. تعتقد "الجزيرة" أنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، بسبب الموقف الأمريكي، "هناك سبب للاعتقاد بأن العدالة مستحيلة في النهاية".

للأسف، خسرت المحكمة الجنائية الدولية سمعتها إلى حد كبير، وبالتالي قللت من فعالية خطواتها الخاصة، بسبب بعض القرارات السابقة التي كانت مبررة بشكل سيئ واتخذت تحت إملاء السلطات القائمة، فضلاً عن الإهمال المبدأي في عملها. وعلى وجه الخصوص، فإن مذكرة الاعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي أصدرها نفس المدعي العام كريم خان، ليست بلا أساس قانوني فحسب، بل إنها في جوهرها غير أخلاقية إلى حد كبير.
إن الاتهام الذي وجهته السلطات الأوكرانية باختطاف أطفال أوكرانيين ونقلهم إلى الأراضي الروسية، في حين تم إجلاؤهم من منطقة القتال لإنقاذ حياتهم وإعادتهم إلى أقاربهم عند أول طلب، وهو ما تؤكده أدلة عديدة، أمر لا يمكن فهمه على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، انتهى المطاف ببعض الأطفال المدرجين في مذكرة الاعتقال في ألمانيا.

ربما فهم المدعي العام كريم خان نفسه أخطاءه في موضوع بوتين، فحاول التخفيف من الانطباع السلبي الناتج عنه وقام بتوجيه الاتهام إلى نتنياهو. ولكن بادئ ذي بدء، سيكون من الجيد إلغاء القرار السخيف السابق بشأن روسيا، والذي يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية، لأسباب تتعلق بالهيبة التي يساء فهمها، غير راغبة في القيام به. ومع ذلك، فسر مكتب نتنياهو لائحة الاتهام التي وجهها كريم خان ضده بأنها "رغبة المدعي العام الفاسد في إنقاذ نفسه من اتهامات خطيرة بالتحرش الجنسي وتحيز القضاة المدفوع بالكراهية المعادية للسامية لإسرائيل".

رسميًا، قتل الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 45000 فلسطيني في غزة منذ أكتوبر 2023. وبينما وجدت لجنة تابعة للأمم المتحدة مؤخرًا أن حرب إسرائيل في غزة "متسقة مع الإبادة الجماعية"، امتنعت المحكمة الجنائية الدولية عن اتهام إسرائيل بالعمل المروع المذكور أعلاه، وذكرت بدلاً من ذلك أن المحكمة "فشلت في إثبات استيفاء جميع عناصر الجريمة ضد الإنسانية التي تنطوي على الإبادة".

وعلاوة على ذلك، فإن قصة مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت قد ذهبت إلى أبعد من ذلك. فمن الواضح أنه من أجل تحقيق التوازن ــ فمن هم المستهدفون ــ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في الوقت نفسه مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد "الزعيم الجديد للجناح العسكري لحماس، محمد المصري، المعروف باسم محمد ضيف". ولكن الحقيقة هي أن هناك أسباباً جدية للشك في وجود مثل هذا الشخص، على الأقل بين الأحياء.

وقد صرح الإسرائيليون مراراً وتكراراً بأن مثل هذا الشخص إذا كان موجوداً على الإطلاق، فإنه قُتل منذ زمن بعيد. والآن، لسبب ما، التقطوا أسطورة "قيامته"، حيث يبدو أن هناك حاجة إلى تجسيد قوات العدو. والواقع أن "القائد محمد ضيف" (الذي يُطلَق عليه أيضاً لقب الأعمى والأصم والأحادي الساق، ويتحرك عبر أنفاق غزة على كرسي متحرك مثل الشيخ ياسين الذي عاد إلى الحياة) هو أسطورة مريحة اخترعها الفلسطينيون. وهكذا، فإن هؤلاء، في ظل ظروف مطاردة قادتهم، قد اكتسبوا زعيماً لا يقهر ولا يموت، شخصاً يشبه الإمام "الخفي" أو "المستتر" لدى الشيعة.

ولذلك، ربما، حتى لا تفقد المحكمة الجنائية الدولية ماء وجهها بشكل نهائي، يتعين عليها على الأقل أن تتأكد أولاً من أنها لا توجه الاتهامات إلى "الملازم كيجي" (شخصية خيالية في الأدب الروسي ZZ)، بل إلى شخص حقيقي.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي