قراءة نقدية لكتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل السياسي - للكاتب عبدالكريم الدناع

حسين سالم مرجين
2024 / 11 / 16

كتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل السياسي للكاتب الليبي ( عبدالكريم الدناع )، صدر عن دار الوليد 2024م، ويقع الكتاب في حدود (96) صفحة، يُعتبر الدناع أحد الروائيين المتميزين في الساحة الليبية؛ حيث يمتلك مجموعة من الأعمال الروائية والمسرحية التي تعكس تجاربه ورؤاه . من بين كتبه هناك : كتاب محاكمة مؤلف كتاب البيان بالقرآن 1998م، الناشر: دار الأنيس للطباعة والنشر والتوزيع، مصراته، الجماهيرية، عمارة التأمين، والأعمال الكاملة 1986م، طرابلس:الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ويبرز كتابه الجديد كعمل يتناول فترة حساسة من تاريخ ليبيا.
يأتي هذا الكتاب في إطار أدب السجون، حيث يرصد تجربة الكاتب كسجين معارض لنظام معمر القذافي (1969-2011م). يتناول الكتاب أحداث واقعية التي عاشها الدناع خلال تسعة أشهر قضاها في المعتقل، مما يمنحها مصداقية تاريخية وعمقًا إنسانيًا. والهدف من هذه القراءة هو التعريف بالكتاب كون جُلّ أحداثه واقعية، والكشف عن جوانب مهمة، لا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث والكشف، مما يساعد في رفع العتمة عن تلك الحقبة.
ستتم قراءة وتقييم هذا الكتاب من خلال فهم وقائع الأحداث والمسائل التي تمّ سردها في هذا الكتاب وربطها بالواقع السوسيوتاريخي لليبيا خلال الفترة المذكورة. مع تدوين الملاحظات والاستنتاجات اللازمة. هذه القراءة تهدف إلى تحليل الأحداث بموضوعية ودون أي تحيز، مع التأكيد على أهمية الكتاب كوثيقة تاريخية.
بداية نأتي إلى عنوان الكتاب وهو " معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل السياسي" فمن خلال الاطلاع على فهرس الكتاب نُلاحظ أن الدناع يتناول موضوع المعتقل من جوانب متعددة بدءًا من التأسيس والبناء، وصولًا إلى من يقبعون فيه من أصحاب الفكر والرأي. يُظهر العنوان أيضًا كيف أن هؤلاء يسيرون في طريق مجهول، مما يعكس حالة من القلق وعدم اليقين التي عاشوها.
في الصفحة رقم (5) يوضح الكاتب موقف المدعي العام الليبي، الأستاذ علي سليم الفيتوري، بشأن تقديم مذكرة إلى مجلس قيادة الثورة تطالب بإطلاق سراح المعتقلين. كان رد مجلس قيادة الثورة بأن هذه المذكرة في العادة توجه إلى سلطة أجنبية، مشيرًا إلى قرب مجلس قيادة الثورة من الشعب اكثر من مقدمي المذكرة. تعكس هذه الرسالة بوضوح تراجع دور القضاء في تلك الفترة، وبدء مرحلة جديدة من إعادة النظر في النظام القضائي، حيث تم استحداث محكمة الشعب ونيابة أمن الثورة. تعزز هذه الإجراءات حسب وجهة نظري من دلالات التحول نحو الدكتاتورية العسكرية، وهو ما أكده الكاتب في الصفحة رقم ( 7) حيث يشير إلى أن المؤسسة العسكرية لا تتوطد إلا بإلغاء وتجريم وتحريم الحريات المدنية ومصادرة الأفكار.
في الصفحة (8)، تحت عنوان "الحكم المطلق"، يري الكاتب أن النقاط الخمس التي أعلنها قائد النظام آنذاك، مثل: إلغاء كافة القوانين المعمول بها، وإعلان الثورة الثقافية، وإعلان الثورة الإدارية، وتطهير البلاد من المرضى والمنحرفين، وأخيرًا الحرية كل الحرية للشعب، كانت بمثابة البداية للحكم المطلق. من المثير للاهتمام أن أغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة تفاجأوا بهذا الإعلان، حيث كانت من المتوقع أن يعلن القذافي استقالته من المجلس . بالتالي يعكس هذا الإعلان أيضًا الصراع بين أعضاء المجلس حول قيادة الدولة، مما سيضيف بعدًا إضافيًا لفهم الديناميكيات السياسية في تلك الفترة. يمكن الرجوع إلى شهادات عبد المنعم الهوني والتي تعتبر من الشهادات الموثوقة في هذا السياق.
بعد هذا الخطاب الذي ألقاه القذافي، شهدت البلاد موجات من الاعتقالات شملت الكتاب والمفكرين وأساتذة الجامعات، وكبار التجار. يرى الكاتب أن هؤلاء الأشخاص لم يفلحوا في التقرب إلى السلطة الجديدة، مما دفع النظام إلى تصنيفهم ضمن خانة "المرضى والمنحرفين". هنا أتفق مع الكاتب في تحليله، حيث يمثل هذا التصنيف جزءًا من سياسات النظام لتبرير الاعتقالات وتكميم الأفواه.
تحت عنوان " الاستعداد " في الصفحة رقم (13)، يوضح الدناع كيف أن وسائل إعلام النظام جهزت إمكاناتها لضخ جرعات من التحريض ضد أعداء الثورة، مما مهد الطريق لتلك الاعتقالات. يُبين الكاتب بأنه كان متهيأ للاعتقال، مما يعكس حالة من القلق والترقب التي عاشها الكثيرون في تلك الفترة.
في الصفحة رقم (15)، تحت عنوان "أوامر فتحي الديب"، يشير الكاتب إلى أن ضابط المخابرات المصري كان له دور في التهيئة لأوامر الاعتقالات. هنا أختلف مع الكاتب، إذ أرى أن أحداث 1973م كانت بغير علم مجلس قيادة الثورة نفسه. كان من المتوقع أن يعلن القذافي عن استقالته، كما أن فتحي الديب غادر ليبيا في تلك الفترة. كما أجزم بان ما حصل في 1973م كان قرارًا من القذافي نفسه والدائرة المقربة منه. على الرغم من أن النظام تعلم الكثير من التجربة الناصرية في التعامل مع الخصوم، إلا أن القرار كان داخليًا بحتًا. من المهم التأكيد أن القذافي كان يقرأ ويُحاور ويُشاور، لكنه يعمل وينفذ ما يقتنع به. وهذا يعكس طبيعة النظام الذي كان يعتمد على شخصية القذافي في اتخاذ القرارات المصيرية. كما أشير إلى أن الرجوع إلى كتب محمد المقريف قد يشوبها لكثير من التشويه، فهو لم يكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وبالتالي لا يمكنه التحدث عن تقارير ووقائع بهذا النوع بدقة.
في الصفحة (17)، تحت عنوان "الاعتقال"، يوضح الكاتب بداية اعتقاله، مشيرًا إلى أنه بعد شهر من أحداث 1969 وتغيير النظام الملكي، نشرت جريدة " الحرية" اعتزامه الهجرة إلى خارج الوطن.يأتي أحد انصار النظام ليخبره بأن خبر هجرته قد تُحسب عليه، وينصحه بعدم الهجرة. وهنا يتضح مدى خوف النظام من المفكرين والكتاب، حتى وهم في المجهر، مما يدل على قلق النظام من أي تهديد محتمل لسلطته.
في الصفحة (20)، تحت عنوان "في طريق إلى المجهول"، يتناول الكاتب السؤال الذي كان يدور في خلده: ما الذي بيني وبينهم ؟ بمعني لماذا هذا الاعتقال ؟
يسرد لنا الكاتب بعض المشاهد من حياته أثناء طريقه إلى المعتقل. على الرغم من أنه ليس سياسيًا ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي، إلا أن النظام يتخوف منه، ربما بسبب مسرحية "باطل الأباطيل" التي نعت فيها النظام بالكثير من الأوصاف. بعد ذلك، تم منع المسرحية من العرض، حيث اعتبر النظام السياسي آنذاك أنها تحتوي على إيحاءات تمس رأس الحكم. ينتقل الكاتب إلى توضيح أنه كان في دولة موريتانيا أثناء عرض المسرحية، ولكنه لم يوضح ما إذا كانت هذه الزيارة للهجرة أم قرارًا من النظام نفسه. كان من المهم أن يوضح الكاتب هذه النقطة حتى لا يشعر القارئ بوجود قفزات في السرد.
في الصفحة ( 25)، يتحدث الكاتب عن "معتقل الحصان الأسود" من خلال سرد تاريخ لتأسيسه، مما يعد مدخلًا لفهم التحولات التي شهدها المعتقل . كان التأسيس في العهد الإيطالي، حيث كان يستخدم كمعتقل سياسي، ثم تحول إلى سجن عادي تابع للشرطة في العهد الملكي، ثم تحول مرة أخرى إلى معتقل سياسي في ظل حكم العسكر. هذا التحول يعكس أن القمع هذه المرة لم يكون خارجيًا( الاحتلال) بل جاء من الداخل. هنا يحاول الكاتب إبراز فكرة أن القمع ليس مرتبطًا فقط بالاحتلال، بل هو سمة الأنظمة الاستبدادية. وهذا يعني أن الأنظمة العسكرية تعيد إنتاج أنماط القمع نفسها.
في الصفحة رقم (29)، تحت عنوان "الفلقة ..وجبة يومية" يوضح الكاتب معاناة السجناء، جلهم من المفكرين والكتاب، من ضرب على الأرجل بشكل مهين. الهدف من ذلك هو الوصول بهم إلى حالة من الضعف والانكسار، مما يعكس قسوة النظام واستعداده لاستخدام العنف لتحقيق السيطرة.
في الصفحة (31)، تحت عنوان "الليبيون لا يعرفون المعتقلات"، يتحدث الكاتب عن اعتقال المفكر سيد قطب أثناء حكم جمال عبد الناصر، وكيف أن القتل والاعتقال أصبحا جزءًا من سياسات الأنظمة العسكرية الحاكمة في المنطقة. هذا الربط يعكس الاستمرارية في استخدام العنف كأداة للسيطرة على المفكرين والمعارضين.
تحت عنوان "الفكر والكفر"، في الصفحة رقم ( 34)، يرى الكاتب أن الفكر في الأنظمة العسكرية يؤدي إلى الكفر، حيث يعتبر أصحاب الفكر دائمًا من الكافرين بالنسبة لهذه الأنظمة، يصف الكاتب هذه الأنظمة بأنها تمثل "الجاهلية المعاصرة". وهذا يعني ببساطة أن الفكر والحرية يمكن أن يكونا في صراع دائم مع السلطة، مما يجعل من المفكرين أهدافًا للقمع.
في الصفحات من ( 35- 43)، يتحدث الكاتب عن أهم التيارات الفكرية الموجودة آنذاك في ليبيا من الأخوان المسلمين، واليساريين وحزب التحرير الإسلامي. مع ذلك، لم يوضح الكاتب موقفه من تلك التيارات، حيث أعتقد بأنه من المهم أن يوضح الكاتب رؤيته من تلك التيارات مما يعزز من الفهم القارئ لسياق الأحداث.
في الصفحة (44)، يبتعد الكاتب عن موضوع المعتقل ليتحدث عن "حكومة العالم الخفية"، ويطرح تساؤلات حول النجاح الذي تحقق في التغيير الحاصل في سنة 1969م، والذي يراه مدعومًا أمريكيًا. أختلف مع الكاتب هنا، حيث كان من الأجدر به التركيز على معاناة المعتقلين والأحداث المؤلمة التي شهدها، بدلًا من التشتت في الموضوعات قد تخرج عن صلب الكتاب. كما أن التصور الذي قدمه عن الدور الأمريكي في التغيير 1969 ليس دقيقًا، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية على علم بذلك التغيير، لكن ليس بالصورة التي رسمها محمد مقريف في كتبه.
في الصفحات (52- 57)، يتحدث الكاتب عن اعتقال وكيل النيابة وابن وزير الخارجية السابق، محمد بويصير. يعبر الكاتب عن منطق العسكر يختصر في العبارة " أخدنا السلطة بالرشاش، ومن لا يعجبه ذلك عليه أن يأخذها بالرشاش". تعكس هذه الكلمات العقلية القمعية للنظام، وتوضح كيف كانت القوة تستخدم كوسيلة لتثبيت السلطة.
في الصفحة رقم (65)، تحت عنوان "من المعتقل إلى الوزارة" يوضح الكاتب كيف أن أحد المعتقلين تحول إلى وزير بعد اتفاقه مع النظام. وهنا يسلط الضوء على التحولات التي يمكن أن تحدث في ظل الأنظمة القمعية، حيث يتحول المرء من سجين إلى وزير بناء على المصلحة الشخصية.
في الصفحة ( 67)، يصف الكاتب كيفية قضاء الوقت في المعتقل من خلال صناعة الشطرنج من بقايا الخبز. وهذا يعكس روح الإصرار لدى المعتقلين، وقدرتهم على التكيف بالرغم من الظروف الصعبة. في صفحات ( 77 - 83 ) يتحدث الكاتب عن شهداء المعتقل الذين لم يقايضوا عقيدتهم. وفي صفحات ( 84- 94 ) يسرد الكاتب قوائم بأسماء عدد من العسكريين العرب الذين استعان بهم النظام السابق . ورغم أهمية هذا الجانب، فإنه يظل غير واضح سبب سرد هذه القوائم، مما يترك القارئ في حيرة حول الهدف من تقديمها.
وأخيرًا، فإن كتاب "معتقل الحصان الأسود" ليس مجرد تجربة شخصية، بل هو دعوة للبحث والتأمل في تاريخ ليبيا. يعكس العمل قدرة الدناع عن التعبير عن معاناته وتجربته، مع ذلك، فإننا كنا بحاجة إلى مزيد من التفاصيل لتلك معاناة بشكل أعمق.عمومًا يُعد الكتاب قيمة مضافة للأدب الليبي، حيث يُساهم في تعزز الوعي الاجتماعي والسياسي، ويدفع الأفراد نحو التفكير في حرياتهم وحقوقهم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي