|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2024 / 11 / 14
تكثُر الأحاديث السياسيّة عن الفريق الّذي بدأ ترامب باختياره لتولّي المناصِب البارزة في إدارَته الحاليّة للولاياتِ المُتّحدة الأميركيّة، ويكون الاهتِمام أكثَر مِن مُحلّلي الشَّرق الأوسَط، وتحديدًا المُحلّلين السياسين العَرب، بمعرِفَة مدى تأييدِ مَن سيتمّ اختيارهم لإشغالِ تلكَ المناصِب، للصهيونيّة الدينيّة.
وأيًّا كانَت مدى تأييدهم، فإنَّهُم، على الأغلَب، لن يكونوا أكثرَ خطورةً مِن فريق الرئيس بايدِن، الّذي مورِسَت خلالَ وِلايَته، أفظَع وأبشَع الجرائم في القرنِ الواحِد والعشرين بحقّ الفلسطينيينَ في غزة.
الحِزبَان، الدّيمقراطيّ والجمهوريّ، باعتِبارِهما الواجِهة الّتي تُدير مِن خلالِهما الدَّولة العميقة في الولاياتِ المُتَّحدة الأميركيّة الحُكم، هُما موالِيان للحَركةِ الصهيونيّة، حتّى النّخاع.
وبِحُكمِ ذلك، فإنّهُما، مهما اختلَفا، إلّا أنَّهُما لن يختَلفا على تأييدِ إسرائيل، والسّعي الدؤوب لتقديمِ كُلّ أشكالِ الدَّعمِ ؛ اقتصاديّ، عسكريّ، سياسيّ..إلخ..وذلكَ لأنَّ هذا الأمر هو الثّابِت الوحيد في السياسيّة الأميركيّة، الدّاخليّة والخارجيّة. فالأمرُ لا علاقةَ لهُ بمَن هو رئيس الولايات المُتّحدة، أيًّا كانَت الصّفات الّتي يتمتّع بها الرّئيس، ولا مَن هو الفريق الّذي سيُعاوِنهُ خلالَ فترَة رئاسته. "فالسّياسة الخارجيّة الأميركيّة، ديمقراطيّة أو جمهوريّة، هي ذاتُها من حيثِ الجوهَر، واستقرارها في التوجُّه نفسه هو مؤشّر على محدوديّة الفَرد، وخصوصًا إذا كانَ هناكَ توافُق ما بينَ الرّئيس والأغلبيّة في الكونغجرس".1
وفي ذاتِ السّياق، واهمٌ كلَّ مَن يعتَقد بأنَّ فوز "كاملا هاريس" في الانتخابات الرئاسيّة، الأخيرة، كانَ مِن المُمكِن أن يكونَ الأفضَل للقضيّة الفلسطينيّة وأسوأ لإسرائيل، مُستنِدًا في ذلك على الفوارِق الفرديّة الّتي تتميَّز بها "هاريس" عن "ترامب". لكن، يفوت ذلك الواهِم، أنَّ كلاهُما، أي هارِيس وترامب، شخصانِ يعملانِ في دولةٍ مؤسّسيّة. "فالنّظام السياسيّ الأميركيّ هو نِظامٌ مؤسّسيّ في ملامِحه الرئيسيّة، ممّا يجعَل الفروق الفرديّة بينَ قادَة النِّظام تنحَصِر في السياساتِ التكتيكيّة التنفيذيّة، لا في الرؤى الاستراتيجيّة".2 وبالتأكيد، فإنَّ الكيان الإسرائيليّ المُحتَل بالنّسبة للمؤسّسة السياسيّة الأميركيّة، هو مسألةٌ استراتيجيّة، لا يُقبَل أن تكونَ خاضِعة لأهواء وبرغماتيّة الرّئيس.
وهُنا، لا بُدَّ من التأكيد على أنَّ "هاريس"، في أحسَن الأحوال، كانَت ستُواصِل نهحَ وسياسَة ترامب في التّعامُل مع الشعبِ الفلسطينيّ. ولكِن، ستدعِّم ذلك بالكثير مِن النّفاق الّذي يرفِضه ترامب. فصحيح، أنَّ المضامين السياسيّة للرؤساء الأميركيينَ واحِدة، إلّا أنّ ترامب يختَلف عنهُم في أنَّهُ "يرفُض التدثُّر برداء حُقوق الإنسان والديمقراطيّة. فالرَّجُل يطوف ويجوب عاريًا مِن هذا الرّداء الكاذِب".3
فمثلًا، هو لا يرى أيّ ضرورة لإقامَة دولة فلسطينيّة عربيّة بالمُواصفات العربيّة، وهو بذلك، يرسِّخ فكرَة رئيس الوزراء الاسرائيليّ، نتنياهو، المُتضمّنة رفض إقامَة دولة فلسطينيّة.
أمّا غيره من الرؤساء الأميركيين، فإنَّهُم يرفضونَ إقامةَ دولةٍ فلسطينيّة، لكنّهُم يرفضونَ التصريحَ بذلك بشكلٍ رسميّ، أو في مؤتمراتهم الدوليّة، بل إنّهُم يتملّقونَ بالحديثِ عن حلِّ الدَّولَتين، ويحيكونَ عددًا لا يُحصى مِن الأباطيل والأكاذيب.
أعتَقدُ أنَّهُ ما مِن أحدٍ سياسيّ، ويهتَم بتفاصيل القيادات الّتي تعاقَبت على الإدارَة الأميركيّة، إلّا ويعرِف أنّ ترامب واحدٌ مِن الّذينَ يمتَلكونَ أيديولوجيا عنصريّة، وأنَّهُ يُريد أميركا خالِية مِن الأجانِب، وهذا كانَ مِن ضمنِ شعاراته الثلاثة الّتي كانَ يتفوّه بها في حملَته الانتخابيّة. فقد كانَ يُردِّد دائمًا : "المُستقبَل للوطَنيين لا للعولَميين".
كما أنّهُ يرى أنَّ شغلهُ الشّاغِل في السنواتِ الأربع لرئاسَته المُقبِلة، سيكون "الدّاخل الأميركيّ". فهو سيعمَل على فرض الضّرائب، وتخفيض العجز التّجاري، الّذي تميل كفّته لصالِح الصّين، كما سيعمَل على تقليص انتِشار السيارت الصينيّة في الأسواق الأميركيّة، ويزيد من انتشار السيارة الأميركيّة "تسلا" خاصةً، وأنّ علاقة قويّة تجمعه مع "ماسك" الّذي كرّسَ كلّ وقته وماله وتطبيقاته خدمةً لترامب، وسعيًا لنجاحه.
تأثيرِ السياسيّة الخارجيّة الترامبيّة على الأمن والسِّلم الدَّوليين.
قَد يعتَقِد البَعض أنَّ السياسيّة الخارجيّة الترامبيّة، قد تجرّ أميركا إلى ويلاتٍ كانَ مِن المُمكِن تجنُّبها. فهي قد تؤدّي إلى تفكُّك الولايات المُتَّحدة، ومن ثمّ خرابها الّذي لن يكونَ مأسوفًا عليه، على الإطلاق.
لكِن، في حقيقَة الأمر، فإنَّني لا أرى ذلكَ بأمرٍ من السّهل تحقُّقه. فأنا أرى ذلكَ مُرتَبط بمدى خطورَة سياسَته الخارجيّة على السّلم والأمن الدّوليين، الّذي لن يكونَ بتلكَ الخُطورَة الّتي كانَ عليها في حُقبَة بايدن، الّذي كانَ استفزازه لبوتين، ودعمه المُطلَق للطّفل المُدلَّل "زيلنسكي" أن يؤدّي إلى حربٍ عالميّة ثالثة.
فترامب يرى أنَّ الإنفاق الأميركيّ على أوكرانيا أمر غير منطقيّ، ولا بُدَّ مِن إعادَة النّظَر بتفرُّد بلادِه بعبء الإنفاق العسكريّ على أوكرانيا.
ومّما يؤكّد أيضًا على أنَّ السياسيّة الخارجيّة لترامب ليسَت بأشدّ خطورةً على الأمن والسّلمِ الدوليين مِن السياسيّة الخارجيّة لبايدن، هي أحاديث ترامب أثناء حملَته الانتخابيّة بأنَّه لو كانَ رئيسًا لما وقعَت أحداث "7أكتوبر"، وأنّهُ قادِر على أن يوقِف الحَرب الروسيّة-الاوكرانيّة خلال يومٍ واحد. وهذا يعني أنَّ روسيا ستكون أكثَر ارتياحًا في الجبهةِ الأوكرانيّة.
وبالتّالي، فإنَّ هناكَ زيادة في احتماليّة عقِد صفقَة ما بينَ ترامب وبوتين تتضمَّن تنازلات روسيّة في الشرق الأوسَط لصالِح الولايات المُتّحدة الأميركيّة مُقابل السّكوت عمّا احتلّته روسيا في أوكرانيا، والتوقُّف عن دعمها العسكريّ الّذي أنهكَ الخزينة الأميركيّة.
وعليه، فإنَّ ترامب، لن يُغامِر في تفجيرِ حروبٍ تكون الوِلايات المُتَّحدة الأميركيّة طرفًا مُباشرًا فيها ؛ لأنَّ ذلكَ سيؤدّي إلى إنهاكِ الخزينةِ الأميركيّة مِن ناحِية، وإلى سُقوط العديد مِن الجُنود الأميركيينَ كقتلى مِن ناحيةٍ أُخرى. فضلًا عن ذلك، فإن حصلَ وأدخَل ترامب الولايات المُتحدة حربًا في أيّ بقعةٍ مِن العالَم، فإنَّ ذلك يتنافى مَع تعهُّدهِ لناخِبيه، بعدَم تورُّط أميركا بحربٍ جديدة.
أمَّا فيما يتعلَّق بدعم ترامب للكيان الاسرائيليّ المُحتَل، فإنَّهُ من المؤكَّد أنَّ أمر دعِم هذا الكيان، هو أمرٌ لا يُمكِن أن يحتَكِم لمزاج الرئيس. فكما ذكرنا آنفًا، أنَّ الكيان الإسرائيلي المُحتَل مسألة استراتيجيّة بالنّسية للولاياتِ المُتّحدة. لذا، فإنّ ترامب لن يتوقَّف عن الدَّعم اللامحدود للكيانِ الإسرائيلي المُحتَل، كيف لا وهو الّذي في ولايته الأولى قد ضربَ القانون الدّوليّ عرضَ الحائط عندما قامَ بنقلِ السفارة الأمريكيّة مِن "تل أبيب" إلى القُدس"، كما وأقرَّ باحتلال الكيان الاسرائيليّ المُحتَل للجولان السّوري.
فحتى وإن كانَت هناكَ الكثير من التحليلات الّتي ترى أنّ ترامب، سيلتفّ بشكلٍ كُلّي للاهتمام بالشأن الأميركيّ الداخليّ، إلّا أنَّ ما هو مؤكَّد، خلال هذه الفترة تحديدًا، أنَّ الشَّرق الأوسَط لن ينعم لا بالأمن ولا بالسّلام خلال فترَة حُكم ترامب (على الأقَل النِّصف الأوّل مِن ولايَته). إذ أنَّ كلّ شيءٍ لا يحتَكم بشكلٍ قطعيّ لما تُريدَه برغماتيّة ترامب الّتي تتعارَض مع نهجِ دولةٍ مؤسسيّة قبلَ أن تتعارَض مع أيّ حلقةٍ شرق أوسطيّة.
فالأقرَب، هو أنَّ مصير الشّرق الأوسَط مُتعلِّق بمصيرِ المعرَكة العسكريّة الدائرَة على أراضيه.
سيبقى ترامب في هذا مُنتَهجًا نهجَ من سبقوه في دعم سياسات الكيانِ الإسرائيليّ المُحتَل. لكن، ما قد يتغيّر، هو امتلاكه للنّظرة الإقتصاديّة الّتي كانَ يفتَقدها أسلافه.
فترامب لا يُغفِل النظرَة الإقتصاديّة في نظرَته للشَّرق الأوسَط. فقد صرّح ذات مرّة، أنَّ الولايات المُتّحدة أنفقَت ترليوناتِ الدُّولارات على حُروبٍ في الشَّرق الأوسَط دونَ أن تُحقّق أيًّا مِن النتائجِ الّتي تُريد.
نعَم، السياسة الخارجيّة لترامب، خاصةً فيما يتعلَّق بالشّرقِ الأوسَط، أقلّ ضررًا مِمَّن سبَقه. لكن، هذا لا يعني أنَّ ترامب "حمامة سلام"، لا. فعلى الإطلاق، لن هناك رئيس للولايات المُتّحدة قد أرادَ السّلام في العالم. لكن، جزءٌ منهُم كانوا يشربونَ القليلَ من الدّماء، وينتهجونَ النّهج السياسيّ النّاعم، ومِن ضمنِ هؤلاء، ترامب. فهو رجلٌ اقتصاديّ/تجاريّ/مال وأعمال، لا ينظُر للسّياسة أبعدَ ممّا تحقّقهُ من مردودٍ ماديّ، متحرِّرًا من أيّ من المبادئ.
ترامب، كغيره من رؤساء أميركا، ليسَ بصانِع سلام. فهُو رجلٌ ينفّذ سياسات الدّولة العميقة، رجُلٌ اقتصاديّ بحت.
وهُنا، يُمكِن أن نفهمَ تعامُل ترامب في الملفات السياسيّة بمنظورٍ اقتصاديّ، وذلكَ من خلال استذكارنا لتعامُله مَع إسقاط إيران للطائرةِ المُسيّرة الأميركيّة "جلوبال هوك". في فترَة حُكمه الأولى. حينها، لم يقُم بالرَّد على إيران، مُبرِّرًا ذلك، بعدَم سُقوط خسائر بشريّة في هذه الضّربة. وفي حقيقة الأمر، هو كانَ يريد أن يجنّب الولايات المُتحدة ردًّا يكبّد خزينتها الكثير من النّفقات.
وأخيرًا، يُراودني سؤال مُتعلّق بالسّياسة الخارجيّة لترامب، وتحديدًا، بالدّعم والتأييدِ المُطلَق مِن قبل ترامب للكيانِ الإسرائيليّ المُحتَل...هل هناكَ أمَل في خلقِ مشروعٍ نهضويّ عربيّ، يُردّ به على هذا الدّعم والتأييدِ الترامبيّ، الّذي سيستَمر على أقلّ تقدير للنّصف الأوّل مِن ولايَته..؟!
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |