المغرب-الجزاىر: ماذا تتضمن الوثائق الحدودية التي وعد ماكرون بتسليمها للمغرب؟

أحمد رباص
2024 / 11 / 14

من الإجراءات التي تم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس ماكرون الأخيرة للمغرب أن ترجع فرنسا إلى المملكة ما لا يقل عن 2.5 مليون وثيقة تتعلق بالفترة الاستعمارية. المحفوظات التي يمكن أن تدعم بعض المطالب الترابية للرباط.
خلال زيارته الرسمية نهاية أكتوبر الاخير، وعد إيمانويل ماكرون بتسليم المغرب أرشيفات تتعلق بالفترة الاستعمارية. قبل مناقشة محتواها والأثر الذي يمكن أن يحدثه، دعونا نتذكر أن مثل هذا "النقل" ليس غير مسبوق بين البلدين. بالفعل، في شتنبر 2022، نقلت باريس كمية كبيرة من الملفات الرقمية إلى الأرشيف المغربي في الرباط. في ذلك الوقت، كنا نتحدث عن أكثر من 60 ألف صورة، أو وثائق طولها 10 امتار، من القسم الداخلي للإقامة العامة. وكان الغرض من هذا النقل السابق قبل كل شيء هو إماطة الحجاب عن تنوع القبائل المغربية التي واجهتها الحماية الفرنسية. تلك ثروة من المعلومات الإثنولوجية والاجتماعية الضرورية لفهم نشأة المجتمع المغربي. مرت العملية تحت الرادار، لأن هذه المعلومات كانت في المقام الأول تهم المغاربة أنفسهم.
ولم يعد هذا هو الحال منذ إعلان الرئيس ماكرون. إن الأرشيفات التي وعد رئيس الدولة الفرنسية بالتنازل عنها للمغرب تثير بالفعل قضية حساسة للغاية تتعلق بالمناطق الحدودية للإمبراطورية الشريفة. الحدود – الشرقية والجنوبية – التي انهارت منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر وتم التعدي عليها بشكل ممنهج من قبل فرنسا وإسبانيا، مما تسبب في فقدان السيادة الشريفة على عدد من الأقاليم الشرقية.
- معاهدة لالة مغنية
تتزامن مشكلة الحدود الجزائرية المغربية، جزئيا على الأقل، مع الغزو الفرنسي لما يسميه الجغرافيون العرب المغرب الأوسط. وسرعان ما جعل وجود فرنسا من الضروري تحديد الأراضي التي تنتمي إلى ما يعرف الآن بالجزائر الفرنسية أو التي، على العكس من ذلك، تنتمي إلى جارتها الشريفة. فالوقت ينفد، خاصة وأن المملكة معادية لأي وجود غربي على أراضي دار الإسلام.
بمجرد وصول الفرنسيين، بدأت المناوشات التي تفاقمت حتى معركة إيسلي الشهيرة، والتي شهدت عام 1844 هزيمة القوات الشريفة. في 18 مارس 1845، وقع الجنرال الكونت دي لارو وحميدة بن علي، ممثل السلطان، معاهدة سلام للا مغنية (أو مارنيا).
حددت المواد من 3 إلى 6 من هذا النص – أو على أي حال، حاولت تعيين – الحدود. غير أن المادة 3 حددتها بـ 165 كيلومترا فقط: من مصب وادي القبلة، على البحر الأبيض المتوسط، إلى ممر تينية الساسي، عند الحد الجنوبي للتل.
وعلى العكس من ذلك، فإن المواد الثلاثة الأخرى تسببت في بعض الالتباس. وهكذا نصت المادة 4 على أنه ""لا يوجد في الصحراء حد ترابي بين البلدين، مادام أن الأرض لا تحرث وليست إلا مرعى لأعراب الإمبراطوريات الذين يخيمون فيها" للعثور على المراعي والمياه التي يحتاجونها. وسيمارس الملكان، بالطريقة التي يرونها مناسبة، كامل حقوقهما على رعاياهما في الصحراء". تعريف متغير، يخضع لمجيء وذهاب القبائل المتداخلة بين البلدين.
أما المادة 5 فتتعلق بالقصور، قرى الصحراء. وتظل ممتلكات ييتش وفگيگ ملكية شريفية. أما فرق عين الصفراء وسفيسيفة وعسلة وتيوت وشلالة والأبيض وبو سمغون فقد انتقلو إلى الجانب الجزائري.
وأخيرا، فإن المادة 6 تربك الوضع أكثر قليلا وتفتح صندوق باندورا. وقظ صيغت كما يلي: «أما الارض التي تقع جنوب قصور الحكومتين، ومادام ليس فيها ماء وغير صالح للسكن فهي صحراء خالصة، ويكون تحديدها غير ضروري.
إلا أن مشكلة الحدود الجنوبية الشرقية سوف تطرح بسرعة كبيرة مع تقدم قوات جيش إفريقيا نحو الصحراء. إن الافتقار إلى الدقة الحدودية يجعل التقدم الفرنسي في الصحراء صعبًا ومعقدًا طوبوغرافيًا وجغرافيًا وكذلك سياسيًا ودبلوماسيًا. بدأ الأمر عام 1857، لكن لعبة شد الحبل بين الجزائر الفرنسية ومغرب قبل حماية المغرب اشتدت بشكل ملحوظ في عهد السلطان مولاي الحسن بن محمد الملقب بالحسن الأول (1873-1894).
- السلطان يتحدى الفرنسيين
منذ بداية حكمه، أظهر امولاي الحسن أنه صعب المراس عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الطرف الجنوبي من مملكته. وهكذا، في بداية عام 1873، قام العقيد جاستون دي گاليفيه (1831-1909) باختراق الجليلة (المنيا حاليا) بفيلق مكون من 700 رجل، دون أن يحتل القصور.
منزعجين من هذا المظهر العسكري، طلب سكان قورارة، توات، وتيديكلت، غرب القليعة بقليل - الذين أعلنوا ولائهم منذ غزوة السلطان السعدي أحمد المنصور عام 1583 - حماية السلطان الشريف. استجاب على الفور إلى طلبهم بإرسال وفد من كبار المسؤولين. وبعد ذلك بقليل قام بتعزيز حامية فگيک.
"لم يتخل السلطان مولاي الحسن عن سيطرته على الصحراء، حيث عين ممثلين عنه. وفسرت هذه المطالب فشل مشروع احتلال توات الذي أعدته وزارة الحربية سنة 1891. ورفض العاهل المغربي تفسير الدبلوماسيين الفرنسيين بأن هذا الاحتلال ليس موجها ضد المغرب، وهم الذين أكدوا أن توات ليست جزءا منه. ثم ما لبث أن تلقى الدعم من لندن ومدريد وروما وبرلين"، يوضح المؤرخ جاك فريمو في مقالته "الصحراء وفرنسا" (2010).
في يوليوز 1893، قبل وقت قصير من نهاية حكمه، أعاد السلطان تأكيد سلطته. بعث برسالة حازمة إلى الفرنسيين بشأن سيادة ووحدة إمبراطوريته الترابية. خلال المحلة [الاسم الذي يطلق على الحملات العسكرية والروحية والمالية في آن واحد]، توجه إلى تافيلالت، مركز السلالة العلوية والإقليم المتاخم لتوات. الإرادة الشريفة لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا.
وضعت وفاة مولاي الحسن ومجيء السلطان الضعيف ابنه مولاي عبد العزيز حدا للمواجهة. وفي عام 1900، احتلت فرنسا نهائيا كل مناطق توات وتيديكلت وقورارة، مما أدى إلى طمس الحدود التاريخية بين المغرب والجزائر في رمال الصحراء.
وبعد أربع سنوات، واصل الفرنسيون زحفهم، فاستولوا على الساورة من الجزائر وضموها. وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوترات في محيط مدينة فگيگ. وفي يونيو 1903، أشعلت حادثة البارود: «تعرض الحاكم العام جونار، الذي جاء إلى فگيگ للتفاوض مع عملاء السلطان، لإطلاق نار من عدة عصابات متمردة. أنشأ جونار قيادة عسكرية خاصة للحدود، وعهد بها إلى العقيد ليوطي، الذي عين قائدا لمنطقة عين الصفراء (10 سبتمبر 1903). وهكذا دخل ليوطي إلى الساحة المغربية"، يلخص المؤرخ جان مارتان في المجلد الثاني من كتاب "الإمبراطورية المنتصرة" (1871-1936) الصادر سنة 1990.
ومنذ ذلك الحين، واصلت فگيگ ومنطقتها إعطاء ذرائع للسلطات الجزائرية والمغربية، مع رفض الجزائر والرباط لرسم الحدود. صحيح أن الأخير كانمعقدا على أقل تقدير. تخترق الحدود سلاسل الأطلس الصحراوي. وبالقرب من فگيگ، يتشعب الخط الفاصل فجأة نحو الجنوب الغربي، ليفصل بشكل مباشر جزء كبيرا عن مساحة المغرب. وإلى حدود اليوم، يظهر هذا الخط على الخرائط بخطوط منقطة، مما يشير إلى وضع غير دقيق وغير مؤكد.
فضلا عن ذلك، فإن “القسم الحدودي جنوب فگيگ لم يعد ممثلا على الخرائط، بقرار مغربي (وبعد التدخل مع الشركات المصنعة، مثل ميشلان)”، كما يقول الجغرافي ميشيل فوشيه في كتابه “جبهات وحدود – جولة في العالم الجيوسياسي” (1991). ومنذ انهيار العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين في عام 1994، ظل الوضع الراهن هو الوضع السائد.
- الصحراء بين الفرنسيين والإسبان
أما المنطقة الحدودية الأخرى التي تثير الجدل فهي معروفة: الصحراء. وهنا أيضا، بدأ الشعور بالضغط الغربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. خاصة وأن دولتين أوروبيتين، إسبانيا وفرنسا، دخلتا في مرحلة التنافس.
وسيطرت مدريد، أولاً، على أرخبيل جزر الكناري في القرن السادس عشر، وتطلعت إلى سواحل جنوب المغرب. سيكون الأرخبيل بمثابة قاعدة خلفية لاستكشاف الصحراء الغربية. في سبعينيات القرن التاسع عشر، طالبت إسبانيا بملكية ميناء إفني وإقليم ريو دي أورو الواقع على الساحل الأطلسي المغربي. أسست هناك مركزا تجاريا، عرف باسم *سانتا كروز دي لا مار بيكينيا"، بالقرب من أگادير، اعتمادا على معاهدة 1767 التي منح فيها المخزن الصيد لإسبانيا في إقليم إفني.
انطلقت محادثات طويلة بين باريس ومدريد حول موضوع الصحراء الشريفة. ومنذ عام 1900، اعترفت فرنسا، من خلال اتفاقية ثنائية، بالرئاسة الإسبانية، مما أثار استياء المغاربة بشدة. حددت اتفاقية بشكل ضمني الحماية الثنائية لعام 1912 وتقاسم مناطق النفوذ، خاصة في المناطق الجنوبية. لكن ليس هذا فقط. اعترفت فرنسا أيضا بالسيطرة الإسبانية على إقليم ريو دي أورو. وكانت الحدود الجنوبية ممتدة على دائرة عرض 21°20 شمالاً. وهكذا بدأت الحدود الجنوبية مع موريتانيا المستقبلية تتشكل.
وبعد أربع سنوات، جاءت اتفاقية جديدة. اعترفت باريس بسانتا كروز دي لا مار بيكينيا، ولكن أيضًا بمقاطعة الساقية الحمراء. وسيتم تعزيز هذه الاتفاقية الجديدة من خلال التوقيع على الحماية الإسبانية على المغرب في نونبر 1912، تاريخ ميلاد الصحراء الإسبانية.
ومما لا شك فيه أن مليونين ونصف مليون وثيقة التي التزمت فرنسا اليوم بإعادتها إلى المغرب ستكشف عن كواليس المحادثات بين باريس ومدريد حول الصحراء، فضلا عن أسرار التقسيم الترابي الفرنسي بين الجزائر الفرنسية ومغرب ما قبل الحماية. وهذا من شأنه تحريك الخطوط الحدودية بين جارتين.. وزيادة تأجيج توتر علاقتهما.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي