طوفان الأقصى 404 – الإستيطان أساس المشكلة في فلسطين

زياد الزبيدي
2024 / 11 / 14

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا

*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

أندريه زيلتين
كبير المحاضرين، كلية الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، المدرسة العليا للاقتصاد في الجامعة الوطنية للأبحاث
المجلس الروسي للشؤون الدولية


11 نوفمبر 2024

في 29 نوفمبر 1947، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181، المعروف باسم "خطة تقسيم فلسطين". تضمنت هذه الوثيقة إنهاء الانتداب البريطاني في فلسطين بحلول الأول من أغسطس 1948، وأوصت بإنشاء دولتين على أراضيها: يهودية وعربية.
إن حقيقة أن الحدث كان من المتوقع أن يكون فاشلاً واضحة من علامتين.

أولاً، كان التقسيم الجغرافي للدولتين منذ البداية محاولة لإنشاء "شقة مشتركة في موسكو" في فلسطين دون وصول "المقيمين" إلى "المساحات الرئيسية". أي شخص لا ينظر حتى عن كثب إلى الخريطة يمكنه أن يرى هذا.

ثانياً، عارضت جامعة الدول العربية بشدة القرار، والذي كان يعتمد عليه في الواقع نجاح المشروع منذ البداية، كما ثبت لاحقاً في التاريخ الطويل للمواجهة بين إسرائيل وجيرانها.

وكانت هناك أيضاً علامة ثالثة، لكنها لم تصبح واضحة إلا اليوم. وهي الحركة التي تسمى "الصهيونية"، والتي حاولت منذ البداية، كونها علمانية، استخدام دوافع دينية متطرفة لتشكيل دعوة لليهود للهجرة إلى أرض الميعاد.

*****
مفكرة – بداية المأساة

في 29 نوفمبر 1947، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181، المعروف باسم "خطة تقسيم فلسطين". تضمنت الخطة إنهاء الانتداب البريطاني في فلسطين بحلول الأول من أغسطس 1948، وأوصت بإنشاء دولتين على أراضيها: يهودية وعربية.

صوتت 13 دولة ضد الخطة: أفغانستان ومصر واليونان والهند والعراق وإيران واليمن وكوبا ولبنان وباكستان والسعودية وسوريا وتركيا. امتنعت عدة دول عن التصويت، بما في ذلك بريطانيا العظمى، التي تولت الانتداب على فلسطين، والذي كان ساري المفعول من 29 سبتمبر 1923 إلى 15 مايو 1948. كان موقف هذه الدولة ذو دلالة في ذلك الوقت وهو مهم الآن. لقد تحملت لندن طيلة 25 عاماً عبء التناقضات في الأراضي الخاضعة للانتداب، ثم تخلت عن الانتداب في وقت مبكر، وتنفست الصعداء بكل وضوح. ولعل امتناعها اللاحق عن التصويت لصالح تقسيم فلسطين إلى دولتين أظهر على الأرجح ثقة لندن في أن هذه التجربة لن تفضي إلى شيء، ولذلك لم تكن راغبة في التوقيع على تعهد فاشل.
*****
في الواقع، كما يكتب المؤرخ الإيطالي لورينزو كامل Lorenzo Kamel، بدأت المشاكل حوالي عام 1907 فيما يتصل ببداية عمل مكتب فلسطين في يافا، المدينة الأكثر كثافة سكانية من حيث عدد السكان العرب.
في ذلك الوقت، نشأ اتجاه موازٍ، كان يتلخص في حقيقة مفادها أنه كان من الضروري ليس فقط ضمان وجود الجزء اليهودي من السكان، بل وأيضاً القيام بذلك على حساب الجزء العربي. وهكذا بدأت الخطة تنحرف عن الواقع. لذلك، من المهم التأكيد على أن القرار 181 (على الرغم من أنه كان، على ما يبدو، خطأً مقصودا أو دون وعي) لم يكن هو السبب الوحيد للمشكلة.

لقد جعل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1947 المشكلة القائمة بالفعل غير قابلة للحل من خلال اقتراح نسخة استفزازية من تقسيم فلسطين بشكل مبكر.

من الواضح أن الآباء المؤسسين لإسرائيل(وخاصة "الأب الرئيسي" – بن غوريون) لم يعتقدوا حقًا أن إسرائيل، باعتبارها نتاجًا للمشروع الصهيوني، ستبقى في المنطقة، لأنهم أدركوا الخطر المحتمل المتمثل في الثنائي الصهيوني العلماني والحركة الدينية المتطرفة، والذي كان واضحًا منذ البداية، فضلاً عن العداء بين الدول الإقليمية، وبالتالي لم يكلفوا أنفسهم عناء إنشاء أساس قانوني جدي للدولة، مثل الدستور. لقد تم الإعلان عنه، ولكن بطريقة ما لم ير النور. واليوم، أصبحت عواقب هذا ملحوظة بشكل خاص.

كانت الاحتجاجات العارمة عشية هجوم السابع من أكتوبر في شوارع إسرائيل ناجمة عن عدم اكتمال بناء الدولة وأصبحت دليلاً على ذلك. إن الصراع بين الحكومة ممثلة بوزارة العدل ومحكمة العدل العليا، والذي يُعزى غالبًا إلى رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حل مشاكله الشخصية، هو في الواقع تتويج للمشاكل الناجمة عن حقيقة مفادها أن إسرائيل كدولة لم تصل إلى ذروتها بعد.
إن إسرائيل، التي ولدت في حالة من الشك وتعيش في حالة من التعبئة المستمرة في غياب الروافع السياسية الحقيقية لضمان الأمن، هي في قلب المشكلة. هذه الدولة، كما يقول البعض، هي مشكلة بحد ذاتها. قد لا يوافق البعض على هذه الصيغة، لكن تجاهل حجج مؤيديها سيكون أمرًا لا يُغتفر.

لم يكن من دون سبب أن يسارع بن غوريون إلى إعلان الدولة اليهودية من جانب واحد وقبل الموعد المحدد.
أولاً، كان هناك خوف من أن يكون من الصعب جدًا القيام بذلك في ظل الفوضى التي أحدثها انسحاب بريطانيا العظمى من الانتداب.
ثانيًا، كان من الواضح أنه لم يكن هناك من سينشئ دولة عربية، لأن الجيران ببساطة لم يفهموا كيف ولماذا يفعلون ذلك. ثالثًا، نشأت لحظة تتخذ في اللغة الحديثة شكل "أول من ينهض يحصل على النعال"(مثل روسي يعني: الجوائز تذهب إلى من يصل إليها أولاً-ZZ). لذلك، قام بن غوريون وحاييم وايزمان "قبل أن يصيح الديك".

يمكننا أن نقول بضمير مرتاح أن فشل فكرة إنشاء دولتين كان متوقعًا مسبقًا وكان مبررًا تمامًا بالأحداث اللاحقة. فلماذا نسمع حتى الآن عن فكرة الدولتين؟

على الأرجح، السبب هو أن بعض الأفكار التي واجهتها الأدبيات المتخصصة والصحافة السياسية في السنوات الأخيرة حول الحلول البديلة لما يسمى بالمشكلة الفلسطينية، تواجه إحجام المشاركين في العملية السياسية عن "إخراج رؤوسهم من الخنادق". من ناحية، يحاول أقرب الجيران بشكل يائس إبعاد أنفسهم عن المشكلة، ويطلقون على كل ما يتم اقتراحه "خطوط حمراء". من ناحية أخرى، انتعش اليمين الإسرائيلي، ويطالب الآن بأرض إسرائيل "من النهر إلى البحر". ومن المثير للاهتمام أن هذه الرواية هي التي احتلت الفضاء السياسي للجماعات المتطرفة على كل من الجانبين المتصارعين.

مع مرور الوقت، ظهرت تحديات جديدة داخل المشكلة نفسها، تقف في طريق حلها. أحدها كان ما يسمى بحركة المستوطنين. الظاهرة ليست جديدة وتعرضت لانتقادات مستمرة من الخارج. ومع ذلك، فإن المستوطنين اليوم لا يبدأون فقط في مواجهة العرب، بل يدخلون أيضًا في مواجهة مفتوحة مع جهاز الأمن الإسرائيلي، ويشعرون بدعم حلفاء نتنياهو في الحكومة. لقد أطلق على حركة الاستيطان في إسرائيل، كما كتب الصحفي الأمريكي آدم كيرش Adam Kirsch، اسم "الاستعمار الاستيطاني". Settler Colonialism وقد تبنى العديد من الكتاب والناشطين الفلسطينيين هذا المصطلح. ففي كتابه الصادر عام 2020 بعنوان "حرب المائة عام من أجل فلسطين"، كتب المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي أن هدف الصهيونية كان إنشاء "مستعمرة استيطانية أوروبية بيضاء". وبالنسبة للمفكر الفلسطيني جوزيف مسعد، فإن إسرائيل هي نتاج "الاستعمار الاستيطاني اليهودي الأوروبي"، وأن "التحرير" المشار إليه في اسم منظمة التحرير الفلسطينية هو "التحرر من الاستعمار الاستيطاني".

وعلى الرغم من عدم توسع العمليات العسكرية خارج المنطقة وعدم مشاركة الدول المجاورة، فإن وضعاً خطيراً يتطور حيث تسعى إسرائيل إلى استعادة سمعتها، التي شوهتها أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، باعتبارها قوة لن تسمح لنفسها بالإساءة من جانب أي شخص.

وفي الوقت نفسه، تتزايد احتمالات التصعيد غير المنضبط. وكما كتب إليوت كوهين Elliot Kohen (أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي-ZZ): "بالنسبة للإستراتيجيين الإسرائيليين، كان القضاء على شكر وهنية جزءاً من حملة تهدف إلى تحقيق هدفين: استعادة سمعة إسرائيل كرادع واستعادة الروح المعنوية المنهارة لإسرائيل. ولا شك أن الخسائر التي لحقت بحزب الله وحماس (يستهدف الإسرائيليون بشكل منهجي القيادات العليا لكلا المنظمتين) تجعلهما أقل فعالية.
ولكن الهدف الأوسع لإسرائيل هو السمعة: جعل أعدائها يعتقدون أن عملاء استخباراتها في كل مكان، وأن جيشها دقيق للغاية، وأن تل أبيب قادرة على العثور عليهم وقتلهم أينما كانوا".
والواقع أن القيادة الإسرائيلية مفهومة. فبدون استعادة السمعة، سوف تخسر المعركة الداخلية مع المعارضة، بغض النظر عن المشاكل الخارجية. ولكن الرغبة في إعادة تأهيل الذات من خلال التصعيد قد تكون قاتلة للمنطقة بأسرها.

اليوم أصبحت قضية حل المشكلة الفلسطينية حادة بشكل غير مسبوق. وفي نهاية المطاف، لابد من حل هذه المهمة، ومن الواضح بالفعل أنها لن تحل من الخارج. لقد ولى زمن "أوسلو التي لا نهاية لها". ولابد أن ينمو الحل داخل المنطقة. وتبدي النخب إرهاقاً مستمراً من المشكلة، ولكنها لم تجد حتى الآن العزم على التحرك نحو الإجراءات النهائية للخروج من "الطريق المسدود الفلسطيني".

ومن غير المرجح أن تنجح خيارات الفيدرالية أو الكونفدرالية، على الرغم من وجود مؤيدين لها. ويبقى خيار واحد ــ "حل الدول الثلاث" ــ حل يقوم على ثلاث دول. إسرائيل ــ مصر ــ الأردن. والمطالبة بالعودة إلى حدود عام 1967، والتي تسمع من كل الجهات. فهل هذه دعوة إلى إنشاء دولة عربية فلسطينية داخل حدود لم تكن موجودة؟ ولعل هذا الإجماع لم يتشكل بعد بشكل كامل، ولكنه بدأ يكتسب زخماً، وهو ما قد يحل المشاكل المتبقية؟ وماذا عن الهوية الفلسطينية؟ إن فلسطين هي تلك "الشقة المشتركة" التي تنتظر "سمسارها" المبدع القادر على مراعاة مصالح "السكان".
ويبدو أن أصحاب المصلحة الإقليميين قادرون تماماً على إيجاد مثل هذا الفاعل.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي