|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سليم نصر الرقعي
2024 / 11 / 13
يجب الانتباه إلى أن الأنظمة الرأسمالية - وخوفًا من غول الاشتراكية الشيوعية الذي أرعبها في بداية القرن الماضي (العشرين) - قامت بتطوير نفسها وتقديم تنازلات كبيرة وكثيرة لمجتمعاتها والطبقات العاملة، فبريطانيا بقدر ما انها دولة ليبرالية ورأسمالية الا انها دولة تقوم على مبدأ العدالة والكفالة الاجتماعية، ولهذا السبب تأخذ من كل مواطن على قدر دخله من اجل تحقيق مبدأ الكفالة الاجتماعية للجميع، فهي دولة تراعي الطبقات محدودة الدخل في مسألة ضريبة البلدية وفي دعم الطبقات الضعيفة في تكاليف المعاش والطاقة والعلاج والتعليم وهي حقوق اساسية من حقوق المواطنة في اوروبا الغربية، وهو واقع ألمسه كمواطن بريطاني محدود الدخل، فيا ليتنا في العالم العربي نصل لمثل مستواهم فيما يتعلق بمبدأ العدالة والكفالة الاجتماعية ((من كلٍّ حسب جهده، ولكلٍّ حسب عمله، ومن كلٍّ حسب دخله، ولكلٍّ حسب حاجته)) وهو نظام جيد يجمع بين خصائص الراسمالية وخصائص الاشتراكية، فلا شك أن الرأسمالية - بطبيعتها المتناغمة مع طبيعة وفطرة الإنسان العريقة والعميقة في حبه للمال وجمع الثروة واثبات الذات والاستقلال المالي - تتسم بالفاعلية والكفاءة في زيادة الانتاج وتكثير الثروة الشخصية والوطنية بل والثروة الدولية في الكوكب، فبغض النظر عن مسألة (توزيع الثروة) علي المستوى الاجتماعي الداخلي بين الأفراد والعوائل في كل قطر أو على مستوى العالمي في المجتمع الدولي بين الأقطار والدول، فلا شك أن الرأسمالية - وخلال هذه المرحلة من عمر البشرية، ولعدة قرون قادمة - ستظل هي المحرك والمحفز الأساسي ليس للاقتصاد وحسب بل وللعلم والتقنية والفنون وسائر أصناف الإنتاج الأدبي والفكري والفني والترفيهي، وبالتالي فهي من يقود سير التقدم المادي والاقتصادي والعمراني والعلمي والتقني، ولهذا السبب بالذات، أدرك الشيوعيون الصينيون ضرورة ركوب صهوة الرأسمالية باعتبارها الحصان الأقوى والأمهر والأقدر على جر المجتمعات نحو النمو والتقدم الاقتصادي والعلمي وتضخيم الثروة الوطنية وليس الشيوعية عديمة الكفاءة والفاعلية بسبب عدم تناغمها مع طبيعة وفطرة البشرإلا إذا تمكنا من خلق إنسان نموذجي وأخلاقي (جديد) و(رشيد) ليحل محل هذا الإنسان الحالي الذي تسيطر عليه غرائزه وأنانيته ونظرته المحدودة المرتبطة بأيامه المعدودة!، لذا تخلى كل العالم عن الشيوعية واشتراكية الدولة وكل أشكال الاشتراكيات القومية كنظام اقتصادي وتبنوا الرأسمالية والليبرالية دون الوصول لحد تبني الديموقراطية بصورتها الغربية، فالجمع في أوروبا الغربية بين مزايا الرأسمالية ومزايا الاشتراكية الواقعية المعتدلة تم منذ عقود وربما تحت الخوف من غول الشيوعية والثورات الاجتماعية التي تولد من رحم غياب العدالة والرحمة وتزايد رقعة الفقراء في المجتمع، ولهذا فإن الجمع بين الرأسمالية والاشتراكية كان هو جوهر نظام العدالة والكفالة في الاسلام ولو بصورته البدائية التي كانت في نظام الزكاة (التصاعدية) وتفتيت الثروة بمنهج التوريث كي لا تتركز في أيد محدودة ومعدودة بل ورفع شعار ومبدأ فلسفة الاسلام في توسيع وتدوير الانتفاع بالثروة في قول القرآن وبشكل واضح وصريح : (( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم!)) أي لكي لا يكون المال يدور في دائرة مغلقة وضيقة في المجتمع هي دائرة الأغنياء، فيجب أن تعم منفعة المال في المجتمع الجميع وفق مبدأ العدالة والكفالة وليس مبدأ المساواة!! وهو ما نراه مطبقًا بشكل حديث في أوروبا الغربية يجمع بين عامل كفاءة وفاعلية الرأسمالية وقيم ومتطلبات بين العدالة الاجتماعية والكفالة الإنسانية والوطنية التي تراعي الفقراء ومحدودي الدخل وتسعى لضمان حياة كريمة لهم، فتأخذ شطرًا من مال الاغنياء والميسورين وترده على الفقراء والمعسرين، أي من خلال توزيع دخل الرأسمالية على اساس العدالة والكفالة الاجتماعية وليس المساواة بين المواطنين في المعيشة والثروة، بل بحيث يكون لكل مواطن حسب جهده ونشاطه من ماله (النصيب الأكبر)، وللدولة حسب دخله، ثم توزع الدولة جزء مما تجمع لديها من الضرائب على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل حسب حاجتها وكذلك في صورة خدمات عامة، المعاش والتعليم والصحة والنظافة العامة..... نظام جيد وعادل وهو تطوير لنظام العدالة في الاسلام في عهد الخلافة الراشدة، وهو وسط بين الرأسمالية الانانية المتوحشة وبين الاشتراكية الشيوعية الطوباوية، وياليتنا نقدر على تحقيقه في بلادنا ولكن في ظل خصوصياتنا الوطنية والدينية.
أخوكم العربي البريطاني المحب
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |