|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
شاديه خضر الغول
2024 / 11 / 13
أمريكا اللاتينية والقضية الفلسطينية
شاديه الغول
الأربعاء 13نوفمبر-2024
مقدمة
لا يُعبر مصطلح "أمريكا اللاتينية" عن مفهوم جغرافي بحت، بل يحمل دلالات ثقافية واجتماعية ترتبط بمجموعة من الدول الواقعة في أمريكا الجنوبية والوسطى، بالإضافة إلى المكسيك ودول الكاريبي. هذه الدول تشترك في سمات بارزة كالتحدث باللغة الإسبانية، وامتلاكها إرثًا ثقافيًا ودينيًا مسيحيًا، إضافة إلى ماضٍ استعماري مشترك امتد لقرون تحت سيطرة الإمبراطوريات الإسبانية والفرنسية، ومن بعدها النفوذ الأمريكي. هذه الهوية الجماعية شكّلت مواقف العديد من هذه الدول تجاه القضايا العالمية، ومنها القضية الفلسطينية، حيث أظهرت دول أمريكا اللاتينية تضامنًا ملحوظًا مع الشعب الفلسطيني ودعمه على مختلف الأصعدة.
مواقف أمريكا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية
تحظى القضية الفلسطينية بدعمٍ قوي من دول أمريكا اللاتينية، إذ أظهرت هذه الدول مواقف بارزة في دعم حقوق الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، صوتت هذه الدول العام الماضي لصالح قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لوقف الحرب على غزة، وأبدت بعض الدول مثل البرازيل وكولومبيا دعمها لجنوب إفريقيا في تقديم طلب لمحكمة العدل الدولية للتحقيق بجرائم إبادة جماعية ضد إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، طلبت المكسيك وتشيلي من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب محتملة ضد الفلسطينيين. وفي أكتوبر الماضي، قطعت بوليفيا علاقاتها تمامًا مع إسرائيل، وسحبت تشيلي وكولومبيا وهندوراس والبرازيل سفراءها من تل أبيب، احتجاجًا على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
أسباب دعم أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية
هناك عدة عوامل تفسر دعم دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية:
1- الوجود الكبير للجاليات الفلسطينية والعربية: لعبت الهجرة العربية، وخاصة الفلسطينية، إلى دول أمريكا اللاتينية دورًا كبيرًا في تشكيل مواقف هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية. فقد استقر آلاف المهاجرين العرب في المنطقة منذ مطلع القرن العشرين، وشكلوا قوة مؤثرة في مجتمعاتهم الجديدة. على سبيل المثال، تعتبر تشيلي موطنًا لأكبر جالية فلسطينية في الخارج بعدد يتراوح بين 300 إلى 500 ألف شخص، ما جعلها من أبرز الدول الداعمة لفلسطين في أمريكا اللاتينية. وقد أسهمت هذه الجاليات في تعزيز العلاقات بين بلدانهم الأصلية وأمريكا اللاتينية، حيث يظهر التضامن الفلسطيني في تشيلي من خلال مؤسسات رياضية وثقافية، مثل نادي "فلسطين" الرياضي، الذي يعبر عن ارتباطه بالجذور الفلسطينية بارتداء العلم الفلسطيني في بعض المناسبات.
2- . التجارب المريرة مع الاستعمار: عانت دول أمريكا اللاتينية طويلاً من الاستعمار والقهر تحت سيطرة الإمبراطوريات الأوروبية مثل إسبانيا والبرتغال، بالإضافة إلى النفوذ الأمريكي في مراحل لاحقة. هذه التجربة التاريخية المشتركة رسخت تعاطف شعوب وحكومات أمريكا اللاتينية مع الشعوب التي تعاني من الاحتلال، ومن بينها الشعب الفلسطيني.
3- مواقف معادية للدكتاتوريات المدعومة من الولايات المتحدة: دعمت الولايات المتحدة أنظمة دكتاتورية في أمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين، وقدمت الدعم لحكومات قمعية كانت على علاقات وثيقة مع إسرائيل. بناءً على ذلك، اتخذت العديد من حكومات أمريكا اللاتينية موقفًا ناقدًا من التحالف الأمريكي الإسرائيلي، إذ لا ترغب في أن يُنظر إليها على أنها مؤيدة لسياسات الولايات المتحدة أو متحالفة معها في دعمها المطلق لإسرائيل.
4- تأثير الحركات اليسارية: تمتلك العديد من دول أمريكا اللاتينية حركات يسارية قوية، وهذه الأحزاب تميل إلى مناصرة الشعوب المضطهدة ودعم القضايا العادلة. لذا نجد أن الحكومات ذات التوجه اليساري تميل إلى مساندة فلسطين، بينما تتخذ الحكومات اليمينية مواقف داعمة لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، اتخذ الرئيس البرازيلي اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا موقفًا قويًا ضد إسرائيل، في حين كانت العلاقات البرازيلية الإسرائيلية مزدهرة تحت حكم الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، الذي دعم إسرائيل علنًا وارتدت زوجته علم إسرائيل في إحدى المناسبات.
نماذج دولية في الموقف من إسرائيل
تعتبر أمريكا اللاتينية واحدة من المناطق التي تتخذ مواقف داعمة لفلسطين على مستوى العالم. ولتوضيح هذا الأمر، يمكن النظر إلى موقف الاتحاد الأوروبي، حيث أصدرت 26 دولة من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا يدين الهجوم الإسرائيلي على رفح بسبب تأثيره الكارثي على الفلسطينيين، وكانت الدولة الوحيدة التي رفضت المشاركة في هذا البيان هي المجر تحت قيادة حكومتها اليمينية برئاسة فيكتور أوربان، المعروف بعلاقته الوثيقة مع إسرائيل.
من جانب آخر، قرر الاتحاد الإفريقي في فبراير الماضي سحب صفة العضو المراقب لإسرائيل، بعد جهود دبلوماسية إسرائيلية استمرت لسنوات، مما يعكس تأثير الحركات المناهضة للسياسات الإسرائيلية على المستوى الدولي.
إن دعم دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية نابع من تاريخ مشترك وتجارب مشابهة تتعلق بالنضال ضد الاستعمار والاستبداد. هذا الدعم لم يكن نتيجة عوامل سياسية بحتة، بل هو متجذر في هوية وثقافة شعوب هذه الدول التي ترى في القضية الفلسطينية امتدادًا لنضالاتها السابقة. ومع تصاعد دور الحركات اليسارية وتنامي الوعي بحقوق الإنسان، من المرجح أن يستمر هذا الدعم ويزداد زخمًا، ما يعزز من أهمية العلاقات الفلسطينية مع دول أمريكا اللاتينية كحلفاء أساسيين على الساحة الدولية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |