الدولة العميقة (ديرين دولت) - الكسندر دوغين (04)

نورالدين علاك الاسفي
2024 / 11 / 13

الدولة العميقة (ديرين دولت) - الكسندر دوغين (04)
THE DEEP STATE (DERIN DEVLET)

Alexander Dugin
الكسندر دوغين

ترجمة : نورالدين علاك الاسفي
zawinour@gmail.com

مجلس العلاقات الخارجية: نحو إنشاء حكومة عالمية

بحثا عن تفسير لهذه الظاهرة (=الدولة العميقة في الولايات المتحدة)، يجب على المرء أن يتحول أولا إلى المنظمات السياسية في الولايات المتحدة في القرن 20؛ و التي كانت مدفوعة أيديولوجيا أكثر؛ وسعت للعمل خارج خطوط الحزب.
إذا حاولنا العثور على جوهر الدولة العميقة بين الجيش ووكالات الاستخبارات وأباطرة وول ستريت وأقطاب التكنولوجيا وغيرهم، فمن غير المرجح أن نصل إلى نتيجة مرضية. الوضع هناك فردي للغاية ومنتشر. أولا وقبل كل شيء، ينبغي إيلاء الاهتمام للأيديولوجية.
وبغض النظر عن نظريات المؤامرة، يبرز كيانان على أنهما في وئام ضاف مع هذا الدور: مجلس العلاقات الخارجية/ CFR (Council on Foreign Relations، الذي تأسس عام 1920 من قبل أنصار الرئيس وودرو ويلسون/ Woodrow Wilson، المدافع المتحمس عن العولمة الديمقراطية، والحركة اللاحقة للمحافظين الجدد الأمريكيين، الذين خرجوا من الوسط التروتسكيي الهامشي في السابق واكتسبوا تدريجيا نفوذا كبيرا في الولايات المتحدة.
هدفهم هو توجيه المسار الاستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة ككل، بغض النظر عن الحزب الذي هو في السلطة في أي وقت من الأوقات. علاوة على ذلك، يمتلك كلا الكيانين أيديولوجيات جيدة التنظيم و جلية؛ العولمة اليسارية الليبرالية في حالة مجلس العلاقات الخارجية، والهيمنة الأمريكية الحازمة في حالة المحافظين الجدد. يمكن اعتبار مجلس العلاقات الخارجية عولمة يسارية والمحافظين الجدد عولمة يمينية.
منذ نشأته، وضع مجلس العلاقات الخارجية أنظاره على نقل الولايات المتحدة من دولة قومية إلى "إمبراطورية" ديمقراطية عالمية. و ضد الانعزاليين، طرح مجلس العلاقات الخارجية أطروحة؛ مفادها أن الولايات المتحدة مقدر لها أن تجعل العالم بأسره ليبراليا وديمقراطيا. لقد تم وضع مثل وقيم الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية والفردية فوق المصالح الوطنية.
طوال القرن 20- باستثناء استراحة قصيرة خلال الحرب العالمية الثانية- هذه الشبكة من السياسيين والخبراء والمثقفين وممثلي الشركات عبر الوطنية؛ عملت على إنشاء منظمات فوق وطنية: أولا عصبة الأمم/ League of Nations ، ثم الأمم المتحدة/ United Nations ، ونادي بيلدربيرغ/ Bilderberg Club ، واللجنة الثلاثية/ Trilateral Commission ، وهلم جرا. كانت مهمتهم إنشاء نخبة ليبرالية عالمية موحدة تشترك في أيديولوجية العولمة على جميع الصعد؛ فلسفة و ثقافة و علوم واقتصاد و سياسة وغير ذلك.
تهدف أنشطة العولمة داخل مجلس العلاقات الخارجية إلى إنشاء حكومة عالمية، مما يعني ضمنا التلاشي التدريجي للدول القومية؛ ونقل السلطة من قبل الكيانات ذات السيادة السابقة إلى أيدي الأوليغارشية العالمية، التي تتكون من النخب الليبرالية في العالم، المدربة وفق النماذج الغربية.
من خلال شبكاته الأوروبية، لعب مجلس العلاقات الخارجية دورا نشطا في إنشاء الاتحاد الأوروبي (خطوة ملموسة نحو الحكومة العالمية). كما لعب ممثلوها-وخاصة هنري كيسنجر/ Henry Kissinger ، الزعيم الفكري الدائم للمنظمة-دورا رئيسا في دمج الصين في السوق العالمية، وهي خطوة فعالة لإضعاف الكتلة الاشتراكية. كما روج مجلس العلاقات الخارجية بنشاط لنظرية التقارب وتمكن من ممارسة التأثير على القيادة السوفيتية المتأخرة، بما في ذلك غورباتشوف/ Gorbachev. و تحت تأثير الاستراتيجيات الجيوسياسية لمجلس العلاقات الخارجية؛ كتب الراحلون من الأيديولوجيين السوفييت عن " حكم المجتمع العالمي./ “governability of the global community.”
إن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة غير حزبي تماما؛ ويشمل كلا من الديمقراطيين، الأقرب إليه إلى حد ما، والجمهوريين. و هو في جوهره، بمثابة هيئة الأركان العامة للعولمة، مع مبادرات أوروبية مماثلة - مثل منتدى دافوس/ Davos Forum التابع لكلاوس شواب/ Klaus Schwab - تعمل كفروع له.
فعشية انهيار الاتحاد السوفيتي، أنشأ مجلس العلاقات الخارجية فرعا في موسكو في معهد الدراسات المنهجية تحت إشراف الأكاديمي غفيشياني/ Gvishiani ، والذي ظهر منه جوهر الليبراليين الروس عام 1990 والموجة الأولى من الأوليغارشية المدفوعة أيديولوجيا.
من الواضح أن ترامب واجه هذا الكيان على وجه التحديد، والذي تم تقديمه في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم كمنصة غير ضارة ومرموقة لتبادل الآراء من قبل خبراء "مستقلين". لكن في الواقع، إنه مقر أيديولوجي حقيقي.
ترامب، مع أجندته المحافظة القديمة، والتركيز على المصالح الأمريكية، ونقد العولمة، دخل في صراع مباشر ومفتوح معها. ربما كان ترامب رئيسا للولايات المتحدة لفترة وجيزة، لكن مجلس العلاقات الخارجية لديه تاريخ يمتد لقرن من الزمان في تحديد اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية. و بالتأكيد، فعلى مدى مائة عام في السلطة وحولها، شكل مجلس العلاقات الخارجية شبكة واسعة من النفوذ، نشر أفكاره بين الجيش، و المسؤولين، و الشخصيات الثقافية، والفنانين، ولكن في المقام الأول في الجامعات الأمريكية، التي أصبحت أيديولوجية بشكل متزايد بمرور الوقت.
رسميا، لا تعترف الولايات المتحدة بأي هيمنة أيديولوجية. لكن شبكة مجلس العلاقات الخارجية هي أيديولوجية للغاية. الانتصار العالمي للديمقراطية، وإنشاء حكومة عالمية، والانتصار الكامل للفردية والسياسة الجنسانية. هذه هي الأهداف العليا، و غير مقبول الانحراف عنها.
شكلت قومية ترامب، وأجندته الأولى في أمريكا، وتهديداته بـ" استنزاف مستنقع العولمة " تحديا مباشرا لهذا الكيان، الوصي على رموز الليبرالية الشمولية (مثل أي أيديولوجية).

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي