الصهيونية: من الذم إلى العقيدة الاستعمارية وتناقضها مع الإنسانية

خالد خليل
2024 / 11 / 13

الصهيونية، التي كانت تُعتبر في السابق حركة تستدعي النقد والذم لأفكارها وممارساتها الاستعمارية، تطورت في الخطاب السياسي الحديث لتصبح أيديولوجية يفتخر بها بعض القادة العالميين، مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن. هذه النقلة النوعية تكشف تحولًا في مفهوم الصهيونية وربطها بمعاني الشرعية والأيديولوجية التي يُزعم أنها تدافع عن "الحرية" و"الحقوق"، بينما هي في جوهرها حركة استعمارية تتناقض مع المبادئ الإنسانية ومع قيم العدالة والمساواة.

نشأة الصهيونية كحركة استعمارية
نشأت الصهيونية كحركة سياسية في أواخر القرن التاسع عشر، في سياق تزايد القوميات الأوروبية، وبدعم مباشر من القوى الاستعمارية العالمية، خصوصًا بريطانيا. كانت الفكرة الرئيسية تتمثل في "حل المسألة اليهودية" في أوروبا عبر إنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين. بهذا، فقد كانت الصهيونية متأثرة بالنزعات العنصرية والتمييزية السائدة في أوروبا، حيث اعتمدت على مفاهيم الاستيطان، التهجير القسري، و"نزع الطابع العربي" عن فلسطين، تمامًا كما فعلت القوى الأوروبية في مستعمراتها.

العلاقة العضوية بين الصهيونية والعنصرية
ترتبط الصهيونية منذ نشأتها ارتباطًا وثيقًا بالعنصرية. ففكرة "الوطن القومي اليهودي" تقوم على مفهوم التفوق العرقي اليهودي في فلسطين على حساب السكان الأصليين الفلسطينيين. وتعتبر بعض سياسات دولة إسرائيل الحديثة، التي أسستها الحركة الصهيونية، امتدادًا مباشرًا لهذه الأفكار؛ حيث تعتمد إسرائيل سياسة الفصل العنصري (الأبارتهايد)، وتقسم السكان إلى فئات بناءً على الهوية الدينية والعرقية، مما يضمن تفوق اليهود على العرب الفلسطينيين ويفرض عليهم قيودًا وقوانين تمييزية. وقد أكدت العديد من التقارير الدولية، من بينها تقارير "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، أن إسرائيل تمارس نظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

الصهيونية كأيديولوجية استعمارية متجددة
على الرغم من انقضاء مرحلة الاستعمار التقليدي، إلا أن الصهيونية تستمر في فرض نموذجها الاستيطاني الاستعماري في فلسطين. فالاستعمار التقليدي كان يتطلب دعم القوى العظمى للدول الاستعمارية، وهو ما يحدث اليوم مع الصهيونية التي تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية الكبرى. إذ تستفيد إسرائيل من هذا الدعم لتوطيد وجودها في الأراضي المحتلة واستمرار سياساتها القمعية والاستعمارية.

الأمر لا يقتصر على دعم مادي أو عسكري فقط، بل يمتد إلى المستوى الأيديولوجي؛ حيث يُقدّم الفكر الصهيوني كحركة قومية شرعية. هنا يبرز تناقض صارخ، لأن الحركة الصهيونية تدافع عن حقوق اليهود القومية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. في هذا السياق، يُعلن بعض القادة الغربيين، مثل بايدن، عن دعمهم للصهيونية بل ويفتخرون بها، وكأنها مبدأً إنسانياً في حين أنها تتناقض مع المبادئ الإنسانية الأساسية التي تدعو إلى المساواة والعدالة وحق تقرير المصير.

التضليل الإعلامي ومحاولة شرعنة الصهيونية
تلعب وسائل الإعلام الدولية دورًا بارزًا في محاولة شرعنة الصهيونية والتخفيف من وقع جرائمها. يتم تصوير إسرائيل في الإعلام الغربي على أنها "ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط" و"ضحية التهديدات"، بينما يتم تجاهل الانتهاكات اليومية التي تمارسها ضد الفلسطينيين. هذا التضليل الإعلامي يسهم في تكوين رؤية مشوهة لدى الشعوب الغربية ويعطي شرعية زائفة للاحتلال الإسرائيلي.

كما يعتمد الخطاب الصهيوني الحديث على مصطلحات "مكافحة الإرهاب" و"الأمن القومي" لإخفاء ممارساته الاستعمارية، مما يحوّل النقاش من مسألة استعمار وظلم إلى مسألة "دفاع عن النفس" و"مكافحة الإرهاب"، وهو ما يُعتبر محاولة لتزييف الحقائق وقلب موازين العدالة.

الصهيونية والاستعمار: ازدواجية المعايير الأخلاقية
ينبغي على المجتمع الدولي إعادة النظر في علاقته بالصهيونية وإدراك حقيقة أنها لا تمثل حركة قومية بريئة، بل حركة استعمارية متجددة تتناقض مع القيم الإنسانية. إن ازدواجية المعايير الأخلاقية التي يمارسها الغرب، حينما يدعم حقوق الشعوب المستعمَرة الأخرى ويرفض حقوق الفلسطينيين، هي صورة واضحة لتأثير الصهيونية كأيديولوجية تحاول تسخير قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لخدمة مشروعها الاستيطاني.

خاتمة
الصهيونية ليست حركة قومية بقدر ما هي حركة استعمارية وعنصرية متناقضة مع المبادئ الإنسانية. لقد استطاعت عبر التضليل الإعلامي والازدواجية الأخلاقية أن تقدم نفسها كحركة شرعية، بينما تقوم على التمييز العنصري وإقصاء حقوق شعب بأكمله. إن استمرار دعم الصهيونية في الساحة الدولية يمثل تراجعًا عن القيم الإنسانية ويزيد من تعقيد الأزمات في الشرق الأوسط.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي