|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حسين علي محمود
2024 / 11 / 12
يقول مارتن لوثر كينغ "لا يوجد شيء في العالم أكثر خطورة من الجهل بإخلاص والحماقة بضمير مرتاح"
هنا، الكلام يجسد فكرة فلسفية ونقدية عميقة حول تأثير الجهل والحماقة حين يرتبطان بالإخلاص والتسامح الذاتي.
إن لدى الإنسان يقين راسخ مضمونه أن الوعي يتأرجح بين حدين فقط، هما العقل والجنون، في حين يشير البعض إلى وجود حد ثالث يقع بينهما، أي بين العقل والجنون، وهو حد الحُمْق الذي قد يندرج تحته معظم البشر، والمقصود بالحُمْق هو أن تكون جاهلا بجهلك، وليس عكس الجهل العلم، فالعلم جهل من نوع آخر، لأنه يقوم على احتقار معرفة الذات. وعكس الجهل الحكمة.
- كيف يكون ذلك؟؟
▪︎ الجهل بإخلاص : الجهل هنا لا يعني فقط نقص المعرفة، بل يشير أيضا إلى إصرار الشخص الجاهل على أفكاره وقناعاته دون التحقق من صحتها، حتى ولو كانت خاطئة، عندما يكون هذا الجهل مقترنا بالإخلاص (أي أن صاحبه يعتقد بصدق أن ما يفعله أو يؤمن به صحيح)، يصبح هذا الجهل أكثر خطورة، لذا الإنسان الذي يحمل معتقدات خاطئة لكنه مخلص لها تماما يمكن أن يؤذي نفسه والمجتمع ظنا منه أنه يفعل الصواب.
يختلف هذا النوع من الجهل عن الجهل المتعمد أو المتحيز
قد يكون الشخص في حالة الجهل بإخلاص راغبا في الخير للآخرين أو معتقدا بصدق أن تصرفاته صحيحة، ولكن يفتقر إلى الفهم أو المعلومات الصحيحة التي تمكنه من رؤية الأمور بوضوح.
غالبا ما يظهر الشخص الذي يكون جاهلا بإخلاص تصرفات قد تبدو للآخرين غير واعية أو ساذجة، ولكنه قد لا يدرك أنه يفتقد لمعلومات أو رؤية أعمق، وقد تنبع هذه الحالة من التربية، البيئة المحيطة، أو من تأثره بمعتقدات شائعة لم يتبين له مدى صحتها.
قد يؤدي الجهل بإخلاص إلى عواقب غير مرغوبة رغم نوايا الشخص الحسنة، فبدون وعي كامل بالأمور، قد يتخذ قرارات أو يتم نشر معلومات قد تضر بالآخرين أو تؤدي إلى سوء فهم.
▪︎ الحماقة بضمير مرتاح : الحماقة هنا تعني التصرفات أو الأفكار غير المنطقية أو السيئة، وتزداد خطورتها عندما يُمارسها الشخص بضمير مرتاح ودون أدنى شك.
الإنسان الذي يرتكب أفعالا خاطئة أو يتبنى مواقف غير عقلانية ولكنه مطمئن لسلامة ضميره، لا يتوقف ليسأل عن مدى صحة أفعاله أو آثارها، مما يعني أنه قد يستمر في إيذاء الآخرين وإحداث الضرر لأنه ببساطة لا يشعر بأي ذنب أو مسؤولية.
هذا المفهوم له جذور فلسفية ونفسية، إذ أنه يعبر عن النزعة البشرية لتجنب الاعتراف بالأخطاء والانحياز لتصوراتنا الخاصة، مما يسمح له بتبرير التصرفات الخاطئة بطريقة تجعله يشعر بضمير مرتاح.
يمكن أن تكون هذه الحالة ناتجة عن عدة عوامل، منها الجهل أو قلة الوعي أو التحيز الفكري، حيث يعتقد الشخص أنه لا حاجة لمراجعة تصرفاته أو الاعتراف بأخطائه لأنه مقتنع تماماً بسلامة موقفه.
أحياناً، يكون الدافع وراء هذه التصرفات هو الكبرياء أو عدم القدرة على قبول الانتقاد.
يمكن أن نجد "الحماقة بضمير مرتاح" في مجالات مختلفة، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو السياسي. مثلاً، يمكن لشخص ما اتخاذ قرارات ضارة في العمل أو الحياة الاجتماعية، لكنه لا يعترف بآثارها السلبية.
أما في السياسة، فقد يتخذ بعض القادة قرارات استراتيجية أو اقتصادية تؤدي إلى نتائج كارثية، ومع ذلك يستمرون في الدفاع عنها بدون مراجعة نقدية.
- اين تكون الخطورة الكامنة؟؟
تجمع العبارة بين الجهل والإخلاص والحماقة وراحة الضمير، مشيرة إلى أن الجمع بين هذه الصفات يجعل الشخص قادرا على التسبب بأذى كبير لأنه لا يدرك أخطائه أو لا يعترف بها. الأشخاص الذين يجمعون بين هذه الصفات يكونون أحيانا مخلصين جدا لمبادئهم أو أفكارهم أو أيديولوجياتهم، لكنهم لا يلاحظون حجم الضرر الذي قد يلحقونه بالعالم من حولهم. وهذا هو الخطر الأكبر، لأنهم لا يبحثون عن مراجعة أو تغيير لقناعاتهم، فيصبحون كالقنابل الموقوتة في المجتمع.
إذن، لابد من تحذير المجتمع من خطورة الأشخاص الذين يملكون معتقدات غير صحيحة لكنهم مخلصون لها ولا يشعرون بأي ذنب تجاه أفعالهم، فالمخلص الجاهل، والحكيم الأحمق بضمير مطمئن، يمكنهما أن يكونا أكثر دمارا من العدو الواعي لأنهما يعملان بدون أي استعداد للتراجع أو التعديل.
يكون الجهل في ثلاثة أنواع مختلفة :
- الجهل الفعلي (غياب المعرفة ببعض الحقائق)
- الجهل الموضوعي (عدم الإلمام ببعض الأشياء)
- الجهل التقني (غياب المعرفة بكيفية القيام بشيء ما) .
- ألم يحن الوقت كي نثق بالمعرفة ونمنحها إخلاصنا؟؟
بالتأكيد، هناك حاجة ملحة للثقة بالمعرفة وتقديرها والالتزام بإخلاص نحوها.
نحن نعيش في عصر مليء بالمعلومات والأفكار، لكن ليس كل ما يتم تداوله يستند إلى حقائق ومعرفة راسخة، لذا، يتطلب الأمر أن نعطي المعرفة الحقيقية، التي تبنى على الدليل والتحقيق المنهجي، مكانة عالية في حياتنا.
لكن الثقة بالمعرفة لا تعني القبول الأعمى لها، بل تتطلب الوعي والقدرة على التفكير النقدي.
المعرفة الحقيقية هي التي تظل مرنة، تقبل المراجعة، وتدفعنا للبحث الدائم عن الحقيقة.
الإخلاص هنا ليس مجرد الإيمان بأي معرفة دون تمحيص، بل هو الإخلاص للبحث عن الحقيقة والسعي للتطوير المستمر.
لذا، ربما يكون من الضروري أن نجعل من المعرفة مبدأ أساسياً، ونمنحها الإخلاص الذي تستحقه، ليس فقط بالاعتماد عليها، بل بتقديرها وممارستها بشكل واعٍ، وتوظيفها في سبيل تحسين حياتنا وحياة الآخرين.
هناك سؤال يطرح نفسه ..
- هل تشير سيرتنا الحياتية نحن البشر المتحضرون إلى بلوغنا أم إلى جهلنا؟؟
في سيرتنا الحياتية كمجتمعات بشرية متحضرة، قد تعكس عدة جوانب من اهمها : البلوغ والجهل.
ان التقدم الحضاري والإنجازات العلمية والثقافية التي حققناها عبر التاريخ تشهد على بلوغنا مستويات عالية من الفهم والتطور، إذ تمكننا من السيطرة على بعض قوى الطبيعة، وتطوير نظم تعليمية، وابتكار تقنيات تسهم في تحسين حياة الإنسان.
في المقابل، يظهر الجهل في بعض التصرفات الاجتماعية، والأنظمة الظالمة، والصراعات التي تقوم على التعصب أو العنصرية أو الأيديولوجيات المتشددة، ويمكن أن يكون التناقض بين المعرفة والجهل واضحا في قرارات سياسية، وفي إدارة الموارد البيئية، وكذلك في تجاهل التحديات الاجتماعية مثل الفقر أو التمييز.
إذن، يمكن القول إن مسيرة الإنسان تعكس كلاً من البلوغ في بعض الجوانب، والجهل في جوانب أخرى.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |