![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
فلاح أمين الرهيمي
2024 / 11 / 5
لي صديق من أبناء الريف كان يزورني في البيت ويدعوني لزيارة القرية التي يسكن فيها مع عائلته الميسورة وفي أحد الأيام رافقني وذهبت معه إلى القرية لكي أقضي يومي هناك وأتناول الغداء عندهم وكنت أشاهد في القرية مجموعة من الأكواخ مشيّدة من القصب ويحيطها سور من سعف النخيل وكانوا يعيشون مع البقر والخرفان والماعز والكلاب وكان أبنائهم حفاة ويرتدون دشداشة ممزقة ورثة واعتقد لقذارتهم أن الماء لا يمس أجسامهم وحتى وجوههم يلعبون في الساحات أمام بيوتهم وقد ترك هذا المنظر الألم والحسرة عليهم وعندما عدت إلى بيتي وأنا أفكر بهؤلاء البشر والجهل والأمراض والأمية تحيط بهم وبعد تناول العشاء ذهبت كعادتي في الليل إلى صالون البيت وأفتح التلفاز وأشاهد الأخبار والمناظر عن الموت والجراح والتهجير التي يعيشها أبناء غزة ولبنان فازداد وضعي جمراً على جمر بعد قضاء بعض الوقت والألم والحزن يغمر قلبي فأغلقت التلفاز وذهبت إلى فراشي للنوم ... وأنا نائم شعرت بحركة في جواري فاستيقظت من النوع فشاهدت الشيطان بجانبي فلعنته وشتمته على مجيئه وحضوره وحرماني من النوم ... فقال لي مهلاً مهلاً وهدئ نفسك أنا أتيت بعد أن علمت وأدركت أن الألم وما يحاور نفسك من صور شاهدتها في القرية فجئتك الآن من أجل مساعدتك وتلبية رغباتك في تغيير معالم تلك القرية ... فالتفتُ إليه وقلت له : كيف تستطيع ذلك ؟.. فقال : في لمح البصر ... فقلت له : اذهب واعمل ما شئت وسوف اذهب إلى القرية وأشاهد ما قمت به ... فقال لي: لدي شرط واحد توافق عليه ثم اذهب لإنجاز ما وعدتك به ... فقلت له : وما هو الشرط ... فقال : بعد إنجاز عملي تذهب إلى أهل القرية وتخبرهم أن هذا العمل أنجزته لكم بمساعدة الشيطان ... فلعنته وطلبت منه الرحيل ... فقال لي : كيف أنت تحب مساعدة هؤلاء من البشر وتناضل من أجلهم فيجب عليك أن تضحي من أجلهم ؟... فقلت له اذهب وغيّر معالم القرية وأخبرني حتى أذهب إلى القرية وأشاهد معالمها ... فرحل عني وبعد عدة أيام جاءني وطلب مني أن أذهب إلى القرية وأشاهد معالمها الجديدة وتخبرهم عن مساعدتي لك في إنجاز هذا العمل ... وفي صباح اليوم التالي استأجرت سيارة وذهبت إلى القرية فشاهدت شوارعها مبلطات بالرخام وتلك الأكواخ قد تحولت إلى قصور شامخة فذهبت إلى أحد البيوت فوجدت تلك الأفرشة الوفيرة والكنبات من الحرير ورأيت الخراف والماعز والكلاب واقفة ونائمة عليها وترمي فضلاتها وقاذوراتها على تلك الفرش والكنبات ... فذهبت إلى البيت الثاني فرأيت الدجاج على الكنبات ذات الأفرشة الحريرية تقف عليها وترمي قاذوراتها فتركته وذهبت إلى البيت الثالث فوجدت الزوج والزوجة جالسان على فراش النوم الوفير وكان الزوج يمسك بيده على علبة من الدبس والزوجة تمسك علبة من اللبن ويأكلان ويشربان منهما ويمسحون أيديهم وفمهم بالأفرشة فذهبت إلى البيت الرابع فوجدت الصراخ والعراك بين الزوج والزوجة بسبب أن الزوج يرغب بالزواج من امرأة ثانية وقالت لي الزوجة وهي تبكي وتصرخ بأنها قضت عمرها الطويل بخدمته والآن هو كهل كبير وشاهد فتاة جميلة وشابة يريد أن يتزوجها ويطردني من البيت وليس لي أهل أو إخوان آوي إليهم ... أين أذهب ؟
فغادرت القرية والألم يعصر قلبي ... فذهبت إلى البيت وبعد العشاء ومشاهدتي للتلفاز ذهبت إلى فراشي إلى النوم وبعد فترة من الوقت شعرت بحركة فاستيقظت من النوم فشاهدت بجانبي الشيطان فسلم علي وقال لي هل شاهدت معالم القرية وهل أخبرتهم بمساعدتي إليك ؟... فقلت له : أنا لا أريد ظواهر وتغيير معالم وإنما أريد تغيير النفوس والوعي والإدراك وليس المظاهر وكيف يتفاعل ويتعامل ويتصرف مع الوسائل والظواهر والواقع المعيشي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ... فأدار ظهره لي وذهب عابساً الوجه.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |