|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
إسلام حافظ
2024 / 10 / 31
تعاني الجالية السودانية في مصر، مثلها مثل العديد من اللاجئين الآخرين، من تحديات معقدة تتجاوز مجرد الهروب من النزاع في وطنهم. من أبرز هذه التحديات العقبات التي تواجههم في تلقي المساعدات المالية المقدمة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بالإضافة إلى تعرضهم لعمليات ابتزاز واستغلال. يشير العديد من التقارير إلى أن هذه المشكلات لا تعكس فقط نقص الدعم المالي، بل تعكس أيضًا اختلالات عميقة في طريقة التعامل مع اللاجئين ونقص الحماية التي يحتاجون إليها.
المساعدات المالية: أمل محبط
تعتمد المفوضية السامية على تقديم مساعدات نقدية لبعض اللاجئين المسجلين، بهدف تخفيف أعباء المعيشة، مثل تكاليف الإيجار والطعام والخدمات الأساسية. ومع ذلك، تواجه الأسر السودانية عراقيل متعددة تحول دون حصولها على هذه المساعدات بشكل منتظم وكافٍ.
من أبرز المشكلات التي تعاني منها هذه الفئة:
1. التأخر في صرف الأموال: يشتكي اللاجئون السودانيون من بطء الإجراءات الإدارية في المفوضية، حيث قد يستغرق إصدار المساعدة المالية أو تجديدها شهورًا، مما يعرض الكثيرين لخطر الطرد من منازلهم لعجزهم عن دفع الإيجار.
2. اختيار محدود للمستفيدين: نظرًا للموارد المحدودة، تقدم المفوضية مساعداتها لعدد معين من الحالات، ما يجعل الكثير من اللاجئين السودانيين خارج دائرة المستفيدين. وتثير معايير اختيار المستحقين انتقادات واسعة، حيث يشعر بعض اللاجئين أن عملية التوزيع تفتقر إلى الشفافية والعدالة.
آلية تلقي الأموال: التعقيد والتعطيل
يتم تحويل المساعدات المالية عبر بنوك أو شركات تحويل الأموال في مصر. ومع أن هذه المؤسسات تُسهل توزيع المساعدات، إلا أن هناك صعوبات تواجه اللاجئين عند استلامها، ومنها:
رفض البنوك التعامل مع اللاجئين: أحيانًا تُرفض طلبات اللاجئين عند صرف الأموال بسبب نقص الوثائق المطلوبة أو بسبب سوء معاملة بعض الموظفين.
أجور تحويل مرتفعة: رغم أن هذه المساعدات تُمنح بهدف تخفيف الأعباء، فإن بعض اللاجئين يُفاجَأون بخصم مبالغ من قيمة المساعدة عند استلامها، مما يفاقم وضعهم المعيشي المتردي.
الابتزاز والاستغلال: الوجه الخفي للمعاناة
تتعرض العديد من الأسر السودانية في مصر لعمليات ابتزاز من جهات مختلفة، مستغلة ضعفهم القانوني والاجتماعي وحاجتهم الماسة للمساعدات.
1. استغلال من قبل وسطاء: يلجأ بعض اللاجئين إلى وسطاء أو معارف لمساعدتهم في إتمام إجراءات التسجيل أو استلام الأموال. لكن بعض هؤلاء الوسطاء يطلبون مبالغ مالية مقابل هذه "الخدمات"، مما يضاعف معاناة اللاجئين.
2. الابتزاز من مالكي العقارات: في ظل عدم وجود حماية قانونية كافية، يُجبر اللاجئون على دفع إيجارات مرتفعة. وفي حالات كثيرة، يُهددهم الملاك بالطرد إن لم يسددوا المستحقات، ما يجعلهم رهينة استغلال مادي متواصل.
3. الفساد في تقديم الخدمات: تشير بعض التقارير إلى وجود حالات فساد في توزيع المساعدات، حيث يتم طلب رشاوى من اللاجئين مقابل إدراجهم ضمن قوائم المستفيدين من الدعم المالي.
ضعف الحماية القانونية وغياب الشفافية
على الرغم من أن مصر وقّعت على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية اللاجئين، إلا أن التنفيذ على الأرض يعاني من قصور واضح. اللاجئون السودانيون غالبًا ما يترددون في الإبلاغ عن حالات الابتزاز أو سوء المعاملة خوفًا من التبعات القانونية أو انتقام الوسطاء. كما أن قنوات التواصل مع المفوضية غير فعالة في بعض الأحيان، ما يترك العديد من الشكاوى بلا حلول.
التداعيات النفسية والاجتماعية
المشكلات المتعلقة بتلقي المساعدات والتعرض للابتزاز تترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على اللاجئين السودانيين. فهم يعيشون في حالة من التوتر والقلق الدائمين بسبب عدم الاستقرار المالي، إضافة إلى شعورهم بالخذلان من قبل الجهات التي كان من المفترض أن توفر لهم الدعم والحماية. كما أن الأطفال، الذين يمثلون شريحة كبيرة من اللاجئين، يعانون من انعدام الأمان، ما يؤثر سلبًا على تعليمهم وصحتهم النفسية.
دور المفوضية والمنظمات المجتمعية: مسؤوليات وحلول
في ظل هذه التحديات، من الضروري أن تُعيد المفوضية تقييم سياساتها وآلياتها في توزيع المساعدات، مع التركيز على:
1. تحسين آليات صرف الأموال: يجب تعزيز التنسيق بين المفوضية والمؤسسات المالية لضمان سهولة حصول اللاجئين على المساعدات دون عراقيل.
2. مراقبة الوسطاء والحد من الفساد: يجب على المفوضية إنشاء آليات فعالة لمراقبة عمليات التسجيل والتوزيع، وتسهيل تقديم الشكاوى المتعلقة بالفساد والابتزاز.
3. تقديم دعم قانوني للاجئين: يتطلب تحسين أوضاع اللاجئين توفير مساعدات قانونية تمكنهم من مواجهة حالات الاستغلال والتمييز.
4. تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني: يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم المباشر والتوعية، مما يخفف العبء عن المفوضية ويوفر شبكة أمان أوسع للاجئين.
خاتمة
تعكس معاناة اللاجئين السودانيين في مصر في تلقي الأموال من المفوضية السامية والتعرض للابتزاز أزمة متعددة الأوجه، تتطلب تدخلًا عاجلًا لتحسين آليات الدعم والحماية. إن تحسين التنسيق بين المفوضية والجهات المحلية، ومكافحة الفساد، وتوفير الحماية القانونية للاجئين، تعد خطوات أساسية لضمان حياة كريمة لهم. كما أن التوعية المجتمعية وتسهيل دمج اللاجئين في المجتمع المصري ستسهم في تخفيف هذه المعاناة وفتح آفاق جديدة لهم بعيدًا عن الاستغلال والابتزاز.