يريدونه إسلاماً اختيارياً أو توريثياً؟ ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

عبير سويكت
2024 / 10 / 30

يريدونه إسلاماً اختيارياً أو توريثياً؟ ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

عبير المجمر (سويكت)

‎تكملةً لسلسلة مقالات عن ما وراء تحريم زواج المسلمة من المسيحي وبعد أن وضحت أن القرآن لم يحرم على الإطلاق زواج المسلمة من المسيحي وإنما هي قراءة الفرد والمجموعة للقرآن وتفسيرها بطريقة محددة نتيجة لفهم ما أو لدوافع معينة، ونستمر في دراسة هذه الظاهرة وتبعاتها ومنها حديث البعض عن أن زواج المسلمة من المسيحي محرم كذلك بدافع الحفاظ على الأسرة مستقبلاً شارحين الحرص على مستقبل ديانة الأطفال من اتحاد زوجي بين مسلمة ومسيحي ويستدلون على ذلك بحديث يقولون رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا لفظ البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. والتحدي يكمن في أنهم فسروا أن الفطرة التي يخلق عليها الإنسان هي الإسلام شارحين أنه طالما ذكر في الحديث أن الإنسان يولد على الفطرة التي فطرها الله له وأبواه يهودانه أو ينصرانه ولم يقل الحديث أو يسلمانه، وعليه عدم ذكر أو يسلمانه جعلهم يعتقدون أن الفطرة التي يخلق عليها الإنسان هي الإسلام وإن لم يذكر الحديث ذلك على الإطلاق نقلاً عن الرسول لم يقل إن الفطرة التي يخلق عليها الإنسان هي الإسلام ومن ثم أبواه يهودانه أو ينصرانه، فكان في إمكانية الرسول محمد أن يكون أكثر وضوحاً بأن يقول: ما من مولود إلا يولد "على الإسلام"، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، لكنه لم يقل يولد على الإسلام ولكنه قال يولد على الفطرة، والقول بأن المقصود من الفطرة هو من قراءة وتفسير من يوصفون بعلماء الدين، وهو نتاج لاجتهاداتهم الفكرية ومحاولة البعض نسبها للرسول للتأكيد على صحة تأويلهم وتفسيراتهم ولكن ما بين تفسيرات الآخرين واجتهاداتهم وما بين القول المذكور فرق كبير.

‎وفي روايات أخرى يقولون إن في رواية أبي كريب عن أبي معاوية: ليس من مولود يولد إلا على الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه. أي إن المولود يولد على الفطرة التي فسرها علماء الإسلام على أنها الإسلام ولكن التأثيرات الخارجية هي التي توجهه نحو مسار آخر أي التهود أو التنصر ويكون ذلك بناءً على الأسرة أو البيئة الاجتماعية التي يولد عليها أو الثقافة التي ينشأ فيها، والسؤال الذي يطرح نفسه ما المقصود بأن المولود يولد على الفطرة حتى "يعبر عنه لسانه"، هل يعني التعبير باللسان الإقرار؟ لأن علماء الإسلام بعضهم يشير إلى أن المسلم المولود لأبوين مسلمين لا يحتاج إلى الإشهار بالنطق بالشهادتين لإعلان إسلامه أما من هم خلاف ذلك أي ولدوا على غير الإسلام يحتاجون إلى نطق الشهادتين وعلماء آخرين يقولون إن التصديق القلبي يعبر عن الإيمان. وفي رواية أخرى له من حديث ابن نمير: ما من مولود يولد إلا وهو على الملة. أي بمعنى من يولد في بيت مسيحي يولد على ملة مسيحية ومن يولد في بيت يهودي يولد على ملة يهودية ومن يولد في بيت إسلامي يولد على ملة إسلامية وقد يكون ذلك صحيحاً من حيث الدراسة المجتمعية. لكن ما يحتاج إلى وقفة وتفكير هو الإصرار على أن الفطرة التي يولد عليها الإنسان المقصود منها الإسلام مع العلم أنه مجرد تفسيرات واجتهادات بشرية وحتى في الحديث المستدل به لم توصف الفطرة التي يولد عليها الإنسان بالإسلام، ثم ما هو الإسلام؟ لأن البعض يقولون: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) سورة آل عمران الآية 19 ويفسرون ذلك على أن الإسلام هو ما أتى به الرسول محمد فقط خاتم الأنبياء والمرسلين على حد فهمهم وأن من لم يؤمن بهذه الرسالة الخاتمة فهو ليس على ملة الإسلام، وفي ذات الوقت يناقضون أنفسهم عندما تطرح الأسئلة حول ما هي ملة إبراهيم عليه السلام وجميع الأنبياء والرسل الذين لم يعاصروا عهد الرسول محمد؟ وهنا يقولون إن إبراهيم مسلم وهنا يستشهدون بسورة البقرة الآية: 131-132
في شأن إبراهيم (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، ثم يواصلون في الحديث عن بني يعقوب ووصفهم بالمسلمين اعتمادًا على ما ورد ذكره في سورة البقرة الآية 133 (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، وفي ذات الوقت يقولون إن اليهود والنصارى ليسوا بمسلمين معتمدين على أن إبراهيم نُفي عنه اليهودية والنصرانية في سورة آل عمران الآية 67 (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، ثم يقول آخرون إن الإسلام يعني الاستسلام لأمر الله وأن الأديان السماوية الثلاث هي أديان إبراهيمية وبناءً على أنه تم وصف إبراهيم بأنه سلم أمره لله فإن الإسلام يشمل الديانات السماوية الثلاث الأديان الإبراهيمية وليس مختصراً على الرسالة المحمدية.

ثم كيف يكون اليهود والنصارى على حسب ما ورد في القرآن هم من أوتوا الكتاب قبل المسلمين ومن أركان الإيمان الستة إسلامياً الإيمان بحملة هذه الكتب السماوية من رسل كعيسى وموسى وكذلك الإيمان بالكتب السماوية من إنجيل وتوراة باعتبار أنها تعاليم الله ومنزلة من عنده وحسب الإسلام أنه مكمل لهذه الكتب السماوية وليس ملغياً لها وإن كان الإسلام يلغي كل ما قبله فلماذا يطالب المسلم بأن يؤمن بهذه الكتب السماوية وبرسلها؟ وعليه فما الحرج أن يولد المولود لأب مسيحي أو أم مسيحية؟ وكيف يستوي أن الإسلام أو بالأحرى علماء الإسلام لأن الإسلام نصاً وتفصيلاً لا يذكر ذلك لكن ما يسمون بعلماء الإسلام بعضهم وليس جلهم كيف لهم أن يشرحوا لنا كيف أنه لا مشكلة لدى الإسلام في أن يولد المولود من أم مسيحية أو يهودية ولكن يتخوفون ويتوجسون من أن يولد من أب مسيحي أو يهودي؟ لأن على حد فهمه المسلم يحل له التزوج بالمسيحية واليهودية ولا يشترط في هذا الزواج أن تتعهد المسيحية أو اليهودية على أن يكون الأطفال من هذا الاتحاد الزواجي على ملة الأب المسلم ولكن يزعم بعض علماء الإسلام أن زواج المسلمة من المسيحي حرام وبعضهم يخوفون المسلمين بأن مستقبل المولود قد يكون المسيحية أو اليهودية هاتين اللتين من أركان الإيمان الستة و الإيمان بهما واجب !!! ثم إذا كان الأمر متمثلاً في مخافة مما سيؤول إليه دين المولود فكيف يعقل في هذه الحالة أن الإسلام لا يخاف على مستقبل دين المولود الذي يُحمل تسعة أشهر في بطن أم مسيحية أو يهودية ويرضع سنتين من ثدي الأم المسيحية أو اليهودية ثم يتربى وينشأ على أيديها وكما يقولون الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق إذن تربية الأطفال وتنشأتهم تعتمد بنسبة كبيرة على الأم فكيف يستوي في هذه الحالة أن من زعموا تحريم زواج المسلمة من المسيحي وحللوا في ذات الوقت زواج المسلم من المسيحية أنه من ضمن المخاوف مستقبل المولود دينياً؟ يعني يكون مستقبل المولود دينياً في خطر إذا ولد من أب مسيحي أو يهودي ولا يكون في خطر إذا ولد من أم مسيحية أو يهودية؟
هل يستوي ذلك عقلانياً؟ وهل هو من الأديان لأننا لم نجد ولا نصاً واحداً صحيحاً يؤكد هذه المزاعم والادعاءات التي يبدو أن مصدرها ليس دينياً بقدر ما هو نابع من "عقلية ذكورية وهيمنة ذكورية" تحرم على المرأة ما تحله لنفسها من غير منطق عقلاني، ولكن المشكلة أن تلك العقليات تنسب منهجيتها للإسلام زوراً وبهتاناً وتتناقض في القول. ثم كيف لنا أن نفهم ادعاءات الخوف على مستقبل المولود الديني في مفهوم يتناقض مع مبادئ الإسلام في حرية الاعتقاد وأهمية أن يكون الإسلام نتاج قناعة وإيمان، وهذا يتنافى مع من يهدفون إلى أن يصبح الإسلام مورثاً توريثياً من جيل إلى جيل، وهل في ذلك إيمان حقيقي إذا كان الإيمان هو ما صدقه القلب وترجمته الأفعال؟ هل هذا يتفق والمنهج التوريثي الذي لا وجود له في الإسلام الذي يذكر في سورة يونس الآية 99 (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؟ إذا كان الأمر كذلك، إذن الإسلام يهدف إلى أن يكون إيمان الإنسان اختيارياً وعن قناعة، وليس أن يكون توريثياً فقط، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) سورة الكهف الآية 29. فكيف يكون الإسلام مراراً وتكراراً يردد "أفلا تعقلون أفلا تتفكرون أفلا تتأملون"، أي بمعنى يحثك على تفكرك للبحث عن حقيقة الخالق، بل ويضرب مثلاً في قصة إبراهيم كيف توصل إبراهيم إلى حقيقة الخالق عبر التفكر والتأمل والتعقل؟ إذا كان الأمر كذلك، إذن الإسلام يريده إسلاماً عن قناعة وبطريقة اختيارية، وشتان بين هذا ومن يريدونه إسلاماً "سهلاً" توريثياً، وشتان بين الدعوة للإيمان بالكتب السماوية بما فيها التوراة والإنجيل، وشتان بين الذين يخافون على المولود أن يطلع على هذه الديانات فيتنصر أو يتهود، وكيف يستوي أن يلزم الإسلام المسلمين بالإيمان بالكتب السماوية دون استثناء ويخاف عليهم من الإطلاع عليها أو بالأحرى على المحتوى الذي يقول الإسلام إنه تنزيل سماوي من عند الله.

نواصل للحديث بقية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي