|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ضيا اسكندر
2024 / 10 / 2
بعد سلسلة من الاستفزازات التي لا يتحملها أي صاحب ضمير وكرامة، قامت إيران بالرد على "إسرائيل" بشن هجوم صاروخي أثلج صدور مناصري المقاومة. هذا الرد جاء بعد الصدمات المتكررة التي تلقاها حزب الله في الفترة الأخيرة، والتي أثرت بشكل كبير على معنويات أنصاره. وقبل ذلك، شهد قطاع غزة موجة من الضحايا والدمار والخراب والنزوح، نتيجة الاعتداءات المتكررة. كما تعرضت البنية التحتية لأنصار الله في اليمن لأضرار جسيمة بسبب الهجمات المستمرة.
ورغم أن الرد الإيراني جاء متأخراً بعد أشهر من هذه الأحداث، إلا أنه كما يقال: "أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً". هذا الرد لم يكن مجرد رد فعل عابر، بل كان رسالة قوية تؤكد أن المقاومة لا تزال حية وقادرة على الرد في الوقت المناسب، مهما كانت الظروف والتحديات.
تخيلوا لو تم تفعيل مبدأ "وحدة الساحات" في وقت واحد منذ بداية الحرب، لو انهمرت آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة على المدن الإسرائيلية من شمالها إلى جنوبها، ومن كلّ حدبٍ وصوب، مستهدفة أهم المنشآت الحيوية والمرافق الاستراتيجية دفعة واحدة، مثل المواقع العسكرية والثكنات ومفاعل ديمونة ومحطات الكهرباء والمياه وشبكات الاتصال والمطارات والموانئ ومصانع الأمونيوم وغيرها من البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية ذات الأهمية الكبيرة.
ماذا كان سيحصل لـ "إسرائيل"؟
لقد لامني بعض الأصدقاء واتهموني عندما كتبت في مقالٍ سابق بهذا الصدد، طالبت فيه حلف المقاومة ما ذكرته أعلاه، من ضرورة قيامه بشن هجوم متزامن على "إسرائيل" باستخدام الأسلحة النوعية الاستراتيجية الفتاكة التي طالما تحدث عنها وتباهى بها، والتي جعلت مناصريه في توقٍ حقيقي لخوض المعركة الكبرى. وصفوا موقفي بـ "اليساري المتطرف"، وقالوا إنني أخدم عتاة اليمين، ولم يبق سوى أن يتهموني بالعمالة لإسرائيل، لمجرد أنني قدمت رأياً مقتنعاً به خدمةً للقضية التي ناضلت في سبيل تحقيق أهدافها قرابة نصف قرن من عمري. كان ذلك مؤلماً، إذ شعرت بأنني أواجه حالة من عدم الفهم والغضب من بعض الأصدقاء؛ لأنني طالبت بتوسيع رقعة الحرب بشكلٍ متزامن. في حين أنني أراها ضرورة استراتيجية قد تكون مفتاحاً لتغيير مسار الصراع.
لقد كان رأيي مبنياً على قناعة راسخة بأن الحلول الجذرية هي ما تحتاجه قضيتنا في هذه المرحلة الحرجة. وأن التنسيق والتزامن في الهجوم سيشكلان ضغطاً هائلاً على "إسرائيل"، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في موازين القوى ويعزز من موقف المقاومة في مواجهة التحديات.
برأيي، لو تم تفعيل مبدأ "وحدة الساحات" منذ البداية، وفق فهمي له، لوفّر الكثير من الدماء والضحايا والدمار لصالح المقاومة. إن تفعيل هذا المبدأ في وقت مبكر كان سيعني تنسيقاً أكبر بين الفصائل المختلفة، وتوحيد جهودها في مختلف الجبهات، مما يجعل من الصعب على "إسرائيل" التركيز على جبهة واحدة والاستفراد بها دون أن تتعرض لضغوط على جبهات أخرى. هذا التنسيق كان سيؤدي إلى توزيع أفضل للموارد والقدرات العسكرية، مما يزيد من فعالية العمليات الدفاعية والهجومية للمقاومة. كما أن مثل هذا التعاون المشترك كان سيعزز من الروح المعنوية لدى المقاتلين ويعطيهم شعوراً بالوحدة والتلاحم، ما قد يخلق أجواءً من الثقة ويسهم في رفع درجة الاستعداد والجاهزية. بالتالي، كان بالإمكان تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، كان من الممكن أن يعطي "إسرائيل" درساً ربما نهائياً، ويجبرها على إعادة النظر في سياساتها العدوانية. هذا الضغط المتزايد كان سيؤدي إلى إرغام "إسرائيل" على الموافقة على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي، مما يفتح الباب أمام حل سياسي شامل وعادل.
في جميع الأحوال، يبدو أن الحرب طويلة وفق المعطيات الحالية، لارتباطها بعصر التغيرات الكبرى على المستوى العالمي. فـ "إسرائيل" ليست مجرد كيان سياسي، بل هي نتاج ظروف دولية وموازين قوى أفرزتها الحرب العالمية الثانية، حيث تشكلت في سياق تاريخي معقد تميز بصراعات الأيديولوجيات والتنافس بين القوى الكبرى.
ما يجري حالياً هو انتقال تدريجي من عالم الأحادية القطبية، الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة على الساحة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، إلى عالم آخر متعدد الأقطاب، يبرز فيه دور قوى جديدة مثل الصين وروسيا والهند وغيرها. هذا التحول يخلق ديناميات جديدة في العلاقات الدولية ويعيد تشكيل التحالفات والخصومات، مما يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي. ولن تكون "إسرائيل" فيه كما هي عليه الآن، في ظل هذه التغيرات.
وكما يقول المفكر الإيطالي المرموق أنطونيو غرامشي: «العالم القديم يموت لكنه لم يُدفن بعد، والعالم الجديد يولد لكنه لم يتبلور بعد، وفي غضون ذلك، تستغل الوحوش الضارية هذا الظرف المضطرب وتسرح فيه إلى أن ينبلج الفجر.» وهذا ما نشهده حالياً.