من دفتر اليوميات/ محمود شقير9

محمود شقير
2024 / 10 / 2

الخميس 14 / 11 / 1996
ذهبت إلى بيت لحم لتمثيل وزارة الثقافة في الاحتفال الذي أقامه المنتدى الثقافي الإبداعي بمناسبة الذكرى الثامنة لإعلان الاستقلال. ذهبت أنا وجمال غوشة مدير المسرح الوطني الفلسطيني. ألقيتُ كلمة موجزة.
وأنا أتابع وقائع الحفل في قاعة مطعم الروف، خطرت ببالي أفكار لقصص قصيرة تنبني على السخرية مما في حياتنا اليومية من بؤس وتسطح وتفاهة. توصلت إلى تصور أولي حول كتابة قصصية بأسلوب يوحي بالانقطاع في مسار السرد، وبالتنقل من شخصية إلى أخرى تعبيراً عما في حياتنا المعاصرة من تشتت وتفكك وشرذمة.
هذا اليوم، نشرت صحيفة الأيام مقالة للدكتور عادل الأسطة حول الأدب الفلسطيني، تحدث فيها عن تركيز وسائل الإعلام والنقاد على أسماء أدبية دون غيرها. وقد ذكر اسمي متسائلاً لماذا لا يركز النقاد على اسمي، لأنني قدمت إنجازات لها قيمتها في القصة القصيرة بحسب ما جاء في مقالته.

السبت 16 / 11 / 1996
بقيت في البيت حتى الرابعة مساء. (اليوم عطلة بمناسبة عيد الاستقلال) ثم ارتديت ملابسي وذهبت مع عدد من أبناء العائلة إلى "شعب العنب" الواقع على تخوم السواحرة، للاعتذار لإحدى العائلات هناك، عن حادث سير تسبب فيه أحد أبناء العائلة، وأدى إلى إصابة طفل في العاشرة إصابة طفيفة.
عدت إلى البيت في السادسة والنصف مساء وأنا متنغص من هذه الطلعة التي لم تكن في البال. (لأنني كنت راغباً في تمضية هذا اليوم في البيت للقراءة) في فترة الظهيرة قرأت خمسين صفحة في كتاب (سيرة مدينة) لعبد الرحمن منيف الذي يتحدث فيه عن عمّان في الأربعينيات. لم يعجبني تحدث الكاتب عن نفسه بضمير الغائب. كأننا أمام عمل روائي لا سيرة ذاتية. (حينما قرأت مخطوطة محمد جوهر التي سجل فيها سيرته الذاتية، كان استخدم اسماً مستعاراً لبطل السيرة، فأشرت عليه أن يتحدث بضمير الأنا بدلاً من ذلك، فوافق على اقتراحي) إن السرد بضمير الأنا يعطي السيرة الذاتية صدقية ويجعلها أكثر حميمية.
الساعة الآن الثانية عشرة والنصف ليلاً. الطقس يميل إلى البرودة إلى حد ما.

الاثنين 18 / 11 / 1996
جاء إلى مكتبي في الوزارة الكاتب فاروق وادي وهو صديق قديم. وجاء الدكتور سمير سلامة خليل، وهو من طلابي الذين درّستهم في المدرسة الهاشمية الثانوية بالبيرة في الفترة بين 1963 – 1965 . تبادلنا الحديث بحضور المسرحي وليد عبد السلام، حول تلك الأيام التي وصفتها بأنها الأجمل طوال السنوات التي قضيتها في مهنة التدريس.
قبل أسابيع، زارني أحد طلابي في الهاشمية، واسمه مخلص عودة من قرية نعلين، وقد تذكرته على الفور لأنه كان لاعباً في فريق المدرسة لكرة القدم، وهو الآن صاحب مشاريع ويتأهب لخوض الانتخابات للبرلمان الأردني للمرة الثانية (لم يحالفه الحظ في المرة الأولى قبل ثلاثة أعوام). سمير سلامة أيضاً كان من الطلبة الذين لم يغيبوا عن الذاكرة، لأنه كان منتمياً لحركة القوميين العرب بتأثير من أسرته، وكان يحاورني باستمرار، وكنت أختلف معه ولكن بأسلوب ديموقراطي، فلم ينس هذا الأسلوب المرن في الحوار، وقد تحوّل بعد عدة سنوات وأصبح عضواً في الحزب الشيوعي، ثم انسحب منه نتيجة خلافات سياسية.
ذهبت إلى بيت الكاتب عزت الغزاوي تلبية لدعوته لي على الغداء، على شرف كاتبة نرويجية جاءت في زيارة إلى فلسطين. الكاتبة بالغة التهذيب، وقد أوصلتها بسيارتي إلى القدس، في طريق عودتي إلى البيت.

الاثنين 25 / 11 / 1996
زارني في مكتبي بالوزارة د. أحمد حرب، وأهداني نسخة من روايته الجديدة "بقايا". أمر ممتع أن يغيب الإنسان ثم يعود ومعه شيء له قيمة. باركت له بصدور الرواية.
قرأت في مجلة عشتار التي يصدرها عدد من كتابنا الشباب في غزة، ما مفاده أنني مع كتاب آخرين لم نعد نكتب شيئاً جديداً، وأن لغتنا أصبحت عانساً. ويتحدث محرر عشتار عن جيل جديد من كتاب القصة الذين يحملون عبء التجديد. لكن أحد هؤلاء الكتاب وهو تيسير محيسن، يقول في معرض الحوار معه إنه تأثر بأسلوبي في الكتابة القصصية وبالذات في ميدان القصة القصيرة جداً. هؤلاء الشباب يعتقدون أن رجم من سبقوهم بالحجارة هو الطريق إلى التجديد!
هذه الليلة تدربت على الكمبيوتر مدة ساعة. الحفيد محمود أبدى اهتماماً كبيراً بجهاز الكمبيوتر، وكان يصر في البداية على أن هذا الجهاز مخصص له، ثم أصبح يقول إنه لجدّه، وهو لا يجيد التلفظ باسم الجهاز حتى الآن، إذ يقول: أبوتل. وعدته أن أشتري له لعبة تعوضه عن الكمبيوتر.
أتهيأ لكتابة نص طويل عن القدس. الليل ساكن في الخارج، والطقس معتدل.

الأربعاء 27 / 11 / 1996
زارني في مكتبي بالوزارة القنصل السويدي في القدس ومعه شخصان آخران. حدثتهما عن رأيي في بعض الكتب السويدية التي قرأتها مؤخراً مترجمة إلى العربية (قامت دار المنى بترجمتها)، وأبديت إعجابي بروايات استريد ليندجرين التي تكتب للأطفال بأسلوب ممتع مفسحة في المجال لخيالها كي يشطح بعيداً، ما يسهم في إغناء خيال الطفل.
ذهبت بعد الدوام إلى مركز الواسطي في القدس لمشاهدة معرض الرسم بالكمبيوتر للفنان إسماعيل شموط. أعجبتني فكرة الرسم بالكمبيوتر.
غادرت المركز ومضيت في سيارتي نحو شارع صلاح الدين. أوقفت السيارة في الفسحة المواجهة لفندق المريديان، بالقرب من مبنى صحيفة القدس. قمت بجولة في شوارع المدينة وبعض أسواقها، لإنعاش الذاكرة وتمهيداً للشروع في كتابة نص طويل عن القدس.

السبت 30 / 11 / 1996
وصلت يوم أمس إلى منتجع بيت أورين القريب من سجن الدامون، للمشاركة في ندوة حول أدب الأطفال، نظمها مركز أدب الأطفال التابع للكلية العربية في حيفا (مدير المركز د. نعيم عرايدي).
حينما ألقيتُ كلمة في الافتتاح، ذكرتُ أن هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها هذه المنطقة. أما المرة الأولى فقد كانت قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، حينما دخلت سجن الدامون معتقلاً، ثم تحدثت عن محاولات المتطرفين الإسرائيليين تخريب مسيرة التسوية هذه الأيام، وتحدثت عن أهمية إحلال السلام في منطقتنا، الذي لن يتحقق دون الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
في العاشرة والنصف من صباح هذا اليوم، اصطحبني الكاتب أنطوان شلحت في سيارته إلى سجن الدامون، لإلقاء نظرة من الخارج على السجن الذي غادرته بتاريخ 7 / 5 / 1970 بعد اعتقال إداري دام عشرة أشهر.
الساعة الآن الثانية عشرة والربع ليلاً. سأحاول التدرب على الطباعة على الكمبيوتر مدة ساعة.
يتبع...10

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي