|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
جاسم الفارس
2024 / 10 / 2
يسري الحسيني شاعرة عراقية من الموصل، مثابرة بعناد صلب من اجل ترسيخ حضورها في المشهد الشعري العراقي.
تشغلها هموم الانسان وقضاياه الحياتية اليومية منها والمصيرية والوجودية، الموت والحب والحزن الفرح.
تجربتها الشعرية تفاعل خلاق مع الحياة والواقع والتاريخ، تشكل الصورة الشعرية احد اهم ملامح شعرها.
ابتدأت مسيرتها الأدبية بكتابه الاول البيادر. عام 2018. وكان حقا تعبيراً عن رؤية ادبية متنوعة. فقد هيأت بيادرها الأدبية لتجمع فيها ثمار زرعها الشعري خاصة والادبي بعامة، فهناك بيدر الشعر فيه قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، و بيدر القصة القصيرة، و بيدر الحكمة، يفوح عطر الشعر من هذه البيادر وهي ترسم بالكلمة اشواقها واحزانها ومراراتها
ورؤيتها للحياة. ترجمت اعصار الزمن بكلماتها. وحررت المكبوت من الاحاسيس، فالكتابة عندها عملية تحرير للذات من الاوهام، فالوهم لا يخلق سعادة ..السعادة ابنة الحق والحرية حتى لو طال الانتظار:
( انا اظل في انتظارك
يملؤني الدفء فلا تكترث).
تكثر تساؤلاتها عن اشياء تنتظرها في قصائد مثل (ماذا اقول) و تبحث عن ذاتها في الحب الذي لم الذي لم يصبها سهمه، فاشتعل حنينها وهي تساله:
( يا عزيزي من انا
يا حبيبي. قل متى)
. و تشعر بالضياع فتسأل في قصيدتها (لا تعرفين من انا) :
(هل تعرفين من انا
لا تعرفين من انا لا صدري المحزون لا
نجوى تناديني ولا كلام. او
مدام ليس ذكريات
تحيا تعيش في لظى آهات. )
وتعلن ان هذا الوجع والضياع. لا يلغيه الا (هو المحبوب) هكذا الامر في قصيدتها (عيني لا تقر) :
(عيني بغير هواكم لا تسقر
قلبي لكم قد زاده برق.. بصر.)
لان من تحب ضياء لدربها مثل ما هي ضياء لدربه ..
تخرج يسرى من ذاتيتها الى الوطن. فترثي الموصل المجروحة بسكاكين الغدر.
في بيدر النثر تعتمد السجع في رثاء المدينة التي نامت بيوتها و سرق سواد الليل الفرحة( من وليد جاء يتعبد. ما لاح دمه الزكي للناظرين ولا فاح عطره امام المشاهدين النهر تسري امواجه بهدوء الساكنين.) ص 27
في بيدر قصائد النثر تتراكم الصور الشعرية التي تحتوي الوطن و حبه. والانتماء لحضن الام. وحنان الأبوة وتأملات في قضايا الخيروالظلم ..
إن الصورة الشعرية في قصيدة النثر تكثيف لقضايا الوجود بلغة الجمال .
(قلبي مغلف بالخوف.
الان في ليل الصيف
اخرج ما دفنوه في تلك الحفرة العميقة.
قلم ذهبي ختموا على ثغره بالصمغ
لكن الروح فيه تنبض دون قيود
وتسعى بقوة الصمود) ص 30.
والام هي :
العدالة في كل شيء
هي الوفاء، هي كل المرايا)
أما بيدر القص فقد احتوى على عدد من القصص القصيرة (عشق المحبة) و(النداء) و(سكون الموج) و(مرآة القلوب) تبتل هذه القصص برذاذ الشعر، فتاتي اللغة شاعرية شفافة. ومتوترة عبر التناقض بين الاقطاب المتعارضة، الحب يهدمه الأذى.وسحر الاخلاق مقابل البشاعة.
• النايات
عزفت يسرى في مجموعتها النايات لقضايا انسانية مهمة فخصصت ناياً للحب وناياً للحزن ونايا للموت وناياً للحسين رضي الله عنه.
اختارت لناياتها شكل القصيدة التقليدية، لإسهام ايقاع القوافي في العزف. عبرموسيقاه الظاهرة... فأنشدت لكربلاء الحزن:
(سلاما يا ذرى الشجن
و يا قدسيه المدن.
سلاما كربلاء الدمع
اذرفه ويذرفني.)
وكان لموت ابنها مراد وقعه القاسي على قلبها، ففاض الحزن.
بأعمدة الشعر تستند اليها لمواجهة المحنة. محنة ام تفقد ابنها :
( ما كنت وحدي كان ظلاً بي أنا
انى اتجهت اراه ممزوجاً معي
هو كل كلي بل وكلي انا
وانا بكل فيه ضاع تجمعي. )
ويزداد حزنها وجعاً في قصيدتها (لهفة أك ثكلى) :
( طال افتقادك والفراق مروع
ادمى فؤادي بعد فقدك يلذع
يبدو معي طيفاي يلازم مهجتي
انّى اتجهت فثم وجهك يستطع
ارتيك بالالم المعرش في دمي
واصب من دمي عليك ونزع)
و للحب عزفت بصوت العشق :
(كن فارس العشاق يفضح طرفه
واليك يشعر بالهوى الشعراء
انا صوتك المبحوح فيه وتر الدجى
وانا الندى لو جافه الانداء
وانا اليك قصيدة في سرها
سر النبوغ ونورها الوضاء).
وصوت روحها لا يكف في الاشتياق:
( لك صوت روحي واجتياح ودادي
ما انت يا سر الهوى ومرادي
لك اقحوان الروح يعبق بالشذى
واليك ترقص وحدها اورادي) ص 9.
وترسم صوراً ساحرة للحزن الذي خيم على روحها ليتفجر شعراً يحتوي القلب والروح.
(وعلى دروب الأقحوان تبعثرت
روح الغياب. وأيقظ التفكيرا
كنت الوحيدة حين خطوي ما مشى
ومشى لساقية الحنين شكورا
ورميت نحو اللاء خاطرة الأنا
وانا التي لا تحسن التزويرا
**
يا ايها الحزن المراهق في دمي
دعني فعيني تجهل التدبيرا
تعبي معي، فمن الذي يسعى اذن
ما زلت فيه اعاند التدميرا )
ويبقى لرثاء الحسين رضي الله عنه أاثره في النفس الإنسانية، فهو رثاء الخالدين الثائرين ضد الباطل:
(يا سيد الجرح النبيل علي المدى
علم جراحك للهدى وسبيل
فرح الطغاة اذا قضيت وضنهم
فيك الرسالة تنتهي وتزول
خسئوا فهذا انت شمس اشرقت
في عمق جرحك نورها مسبول
تغشي في الارض ما برح المدى
والقاصدون اليك جحافل وسيول )
لقد كسرت اخطاء الاوزان و اللغة السائدة في عمل الشاعرة حنين الناي وانينه...إن الشعر واللغة كالقلب ونبضه، فأي خلل في احدهما تهديد للصحة. صحه الشعر ورقته وجماله.
* الثوب المطعم.
تتعثر اللغة في الثوب المطعم، فالمطعم هنا لا تنسجم مع الثوب اطلاقا، ولا تشكل تناقضا جمالياً بين عالمين.
قصدت يسري في هذه المجموعة مطاردة احلامها وتكريس الجمال عبر اللغة في الحب والصور التي رسمت عبرها مشاهد حياتية جميله .. تعيش اشواقاً يعينها عليها الصبر صاغت كل هذا في قصائد النثر التي انتثرت على الثوب المطعم بالشوق والحزن والصبر والحلم .
منذ ان كتبت سوزان برنار سفرها الرائع قصيده النثر وترجمتها راوية صادق وراجعها وقدم لها رفعت سلام، والعالم يعرف ان قصيدة النثر عناصرها التكثيف والحرية والصور الشعرية والموسيقى الداخلية والتمرد على شكل الشعر القديم والنظم وقصيدة التفعيلة.. لم تتخلص يسرى.. من اسر التفعيلة:
(امراه ومعها اطفالها تجر
خطا واهنة
حفاة تشققت اقدامهم.
وطئوا أشواك المحن .
وفي بلاد الغرب لجان
ا للرفق بالحيوان
لحقوق الانسان
وياتي فعل البرلمان.)
مباشره هي نثر صافٍ بلا شعر ولا شعرية، تتكرر هذه المشاهد في الديوان منها قصيده الثوب المطلق المطعم ورحله الصبرعلى سبيل المثال .. احزان يسرى واشواقها والامها واحلامها تحتاج الى لغة تعيد كتابه هذه العناصر بشعرية خلاقه.
• رذاذ من قصائد الماء
توزع الرذاذ في قصائد الماء على جبهتين، جبهه الشعر التقليدي، شعر النظم بالتفعيلة، وجبهة قصيده النثر.
في الشعر التقليدي ظلت الموضوعات تتكرر. الرثاء و لواعج الحب وشهر رمضان ورثاء الحسين. والايقاع الشعري نفسه يتكرر في اوزان محددة، تقتحم اللغة.البيت الشعري من اجل انقاذ الوزن او القافية.
أما في جبهة النثر فلا يشغلنا الموضوع بقدر انشغالنا بالصور الشعرية التي يتكثف فيها مشهد ما في القصيدة.. فالقصيدة عند يسرى اسعاف لروحها من شده المعاناة في (قصيدتي).
( اني اقتفى خطواتك
في داخل كياني
قد تسعفني قصيدتي
قصيدتي سطر في حروفها شجن)
وكان على الشاعرة أن لا تضع (في) داخل كياني لان الداخل عميق لا يحتاج الى تعريف وتحديد.
في قصيدتها فكرة صفحه 35 تجسد حالات انثى. تطمع ان يتشبث بها من تحب.
( يا صاحب التراتيل الصاعدة الى السماء.
اعرف انك هناك مع من تشاء
وانا الفوضى
رتبني وامكث في قلبي
رتب فوضاي
وثورتي
كيف اجعلك تتعثر
بخطاي
تتمسك بأطراف ثوبي
كي لا تغادر.. لاتغادر فقد
رحلت اليأس
لأبدأ المشوار.)
في (الامس واليوم ) ص 40 رصد لتغيرات الحياة ونتائج العمر:
( القلب هرم
مشاعر الصبر برد لهيبها
وكل لذيذ صار علقماً
فلا ترقب ولا نجوى)
. وهذا لم يمنعها من البحث عن وطن
( لابد من وطن
. ابقى أم أهاجر
لابد من وطن )
ولا بد لهذه الاحلام والاشواق من اللغة المتميزة وشعرية شفيفة، فالشعر بكل اشكاله هو عصير الجمال من رطب اللغة.
• بين الجداول قلبي
اختارت يسري في هذا الديوان الشكل التقليدي للشعر فهل اضافت جديداً للقصيدة التقليدية في مجموعتها ؟ بعبارة اخرى، بماذا تميزت هذه المجموعة عن سابقيها من المجموعات؟ قصائد المجموعة ما زالت تدور في فلك الموضوعات التي تشغل الرؤية الشعرية ليسرى ، مدح النبي محمد صلوات الله عليه حب الوطن. متعه الجلوس عند ضفاف دجلة والحزن على ولدها و الحب. كلها بحاجة الى تعميق الرؤية بمزيد من القراءات الشعرية ونقد الشعر لتكتمل التجربة وترتقي موضوعاتها الى افق الحداثة والتجارب الإنسانية الخلاقة الفلسفية منها وغير الفلسفية.
تشرد شعر يسري في مجموعات يمكن ان يجمعها كتاب واحد او كتابان وتوزع واقعها الشعري في الموضوعات المكررة، لم تستطع المجموعات الشعرية ان تفرز خصوصية جمالية او ايقاعية في معطيات شعرها.
إن القراءة المتأنية تعمق نظرة الشاعرة الى الحياة واستيعاب فنون التشكيل وفلسفة اللون تعمق صورتها الشعرية وتعطي لدلالة كلماتها بعداً جمالياً اكثر عمقا واتساعاً،
تحتاج مجموعاتها الجديدة الي وعي شعري بالأنوثة وجمالها. فالأنوثة شعريه الوجود. ويخلد الشاعر كلما ارتقى الى مستوى شعرية الأنوثة، وأنوثة البلاغة.
استيعاب التناقضات الوجودية بوعي شعري يمنح الشاعرة عمقا رؤيوياً من خلال وعي جدليات الحياة: الموت الحب/ الكره، السكون /الحركة وكذلك الاعتناء بالصور الحسية ورسمها بالوان الكلمة.
إن استيعاب جماليات الحياة وتناقضاتها وحركتها وسكونها تعطي للتجربة الشعرية عمقاً جماليا.
تسعى يسرى الحسيني الى اعتلاء قمة الشعر، فهي تمتلك همة شعريه وحماساً شعريا يجعلها نجمة في سماء شعر الموصل والعراق.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |