|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حاتم الجوهرى
2024 / 10 / 1
يطرح الكثيرون سؤال أو أسئلة محورية ومهمة للغاية في المرحلة الحالية من الصراع العربي الصهيوني، سواء كان جهرا وعلانية أم سرا وفي الغرف المغلقة، وهي أسئلة تدور حول التالي؛ هل انتكست المقاومة الفلسطينية في مواجهة جيش الاحتلال؟ وهل انكسرت أجنحة المقاومة العربية الإسلامية في مواجهة أمريكا وإسرائيل؟
أم أن هناك قصور استراتيجي في الحاضنة العربية الإسلامية نهوضا بدورها في إسناد المقاومة الفلسطينية والعربية، في مواجهة تفوق ملحوظ للحاضنة الغربية الأمريكية نهوضا بدورها في إسناد "إسرائيل" التي يعتبرها البعض آخر الحملات الصليبية!
للإجابة على ما سبق؛ سنجد أنه مع مرور عام تقريبا على عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023م، تتواكب الذكرى مع سلسلة من الاغتيالات "الإسرائيلية" لقادة المقاومة اللبنانية، وصلت لزعيم حزب الله نفسه حسن نصر الله، وشنت قوات الاحتلال اجتياحا بريا محدودا لحدود لبنان اليوم، ذلك بعد أن قامت بتصفية قائد حركة حماس في إيران إسماعيل هنية بفترة ليست طويلة، تدخل فيها الغرب وأمريكا ليقنعا إيران -طوعا وكرها- بالعدول عن الرد، انتظارا لمزيد من مفاوضات الهدنة العبثية وإنهاء الحرب في غزة.
لحظتين استراتيجيتين دون حضور عربي إسلامي
الحقيقة أن هناك لحظتين استراتيجيتين أثبتا عجز الحاضنة العربية الإسلامية وغياب السيناريوهات البديلة، في مواجهة الحاضنة الغربية الحاملة لدولة الاحتلال ووجودها، الأولى بعد عملية الهدنة الأولى بين حماس و"إسرائيل" في نوفمبر 2023م، عندما سحبت أمريكا حاملات طائراتها وتفوقت أجنحة المقاومة في اليمن تحديدا، لكن غياب الرؤية العربية الإسلامية الشاملة للضغط الدبلوماسي والجيوثقافي لإنهاء الحرب، منح الفرصة لنتانياهو ليطبق استراتيجية الاغتيالات وتوسعة نطاق الحرب، ويجبر الحاضنة الغربية الأمريكية على تبني استراتيجيته.
اللحظة الاستراتيجية الثانية كانت بعد اغتيال إسماعيل هنية؛ وبعد وصول المفاوضات مع دولة الاحتلال لطريق مسدود، كان لابد من موقف دبلوماسي عربي إسلامي موحد وقوى لوقف الحرب، وحينما لم يحدث ذلك طور نتانياهو استراتيجته في الاغتيالات وعملية البيجر وأجهزة الوكي توكي، وصولا إلى اغتيال حسن نصر الله.
وفق معطيات الواقع والاستراتيجية الإسرائيلية وغياب الاستراتيجية العربية الإسلامية في مواجهتها، سوف تستمر دولة الاحتلال في عملياتها على كافة الجبهات ولن تقف عند لبنان، هي تسعى لتنفيذ مخطط "إستعادة المكانة" وتفعيل الشكل الخشن لصفقة القرن وتهجير الفلسطينيين وطردهم من أرضهم.
منعطف الجبهة المصرية
والبدائل التي كانت ممكنة
إضافة إلى أن الجبهة المصرية عند وصول الاستراتيجية الإسرائيلية لها كان يمكن أن تعرقل المخطط ولديها الحجة والمبرر؛ لكنها لم تكن تملك حلولا واضحة لـ"التراشق العسكري" وبدائله مع جيش الاحتلال، وإفساد مخططات نتانياهو للسيطرة على محور فيلادلفيا واجتياح رفح، تبدو مشكلة الاستراتيجية المصرية عميقة وغائرة ومحدودة الحلول للغاية في مواجهة تراشقات القرن الحادي والعشرين وتدافاعته الجيوثقافية، وتبدو وكأنها تجمدت عند وضعين إما الحرب الشاملة أو السلام التام! دون مرونة أو تصورات ناعمة لإدارة "تراشقات عسكرية" -و"تدافعات جيوثقافية"- التي هي سمة القرن الحادي والعشرين.
مستقبل غير مبشر
إذا كان الغد مثل الأمس
المشكلة أنه حتى اللحظة الحالية لا توجد سيناريوهات دبلوماسية وجيوثقافية عربية وإسلامية لمواجهة أمريكا والغرب، ويقف المشهد السياسي الحالي نتاجا لمرحلة طويلة من إدارة التناقضات وتفجير الصراعات الهوياتية عربيا وإسلاميا إرث القرن العشرين، فمشكلتنا بكل وضوح هي غياب المشاريع الجيوثقافية الناعمة القادرة على توظيف القوة والموارد الخشنة والصلبة العربية والإسلامية، وتجمد الحال وتصوراته عند مشاريع القرن الماضي وتراتبات دولة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي.
إن الشكل السياسي والاجتماعي والجيوثقافي الحالي للبلدان العربية والإسلامية يفتقد للفكرة الجامعة والدبلوماسية القادرة على إدارة التناقضات، ويكتفي البعض بالمكايدة السياسية والتمترس حول مكتسبات قطرية ضيقة، بينما يحتاج الأمر إلى تغيير كلي وثوري شامل للنخب السياسية والدبلوماسية في البلدان العربية والإسلامية.
استراتيجيات بديلة
هناك استراتيجيات ممكنة لمواجهة أمريكا والاحتلال وتوزيع الحمل السياسي والدبلوماسي والجيوثقافي وتراشقاتهم الناعمة والخشنة عربيا وإسلاميا، لكن استجابة البلدان العربية والإسلامية ضعيفة وبطيئة للغاية وليست على قدر التحدي الجيوثقافي الراهن، وإذا لم تكن هناك قرارات جذرية بتغيير السياسات الخارجية والنخبة القائمة عليها، وبناء توافق حقيقي حول السياسات الداخلية واستبعاد نخب المكايدة السياسية والاستقطاب المجتمعي، فسوف نكون مقبلين على هزيمة استراتيجية جيوثقافية واسعة المدى.. نلوم فيها الركون للراحة والمألوف والعجز والتردد النفسي عن اتخاذ قرار التغيير واستحقاقاته.
رد الصاع صاعين
وإدارة الصراع الإقليمي والعالمي
أمريكا تحركها نظرية الصدام الحضاري عبر دولة الاحتلال التي تعتبرها ممثلة للحضارة الغربية في منطقتنا العربية الإسلامية، وإذا لم تبرز نخبة سياسية ودبلوماسية جديدة قادرة على إدارة الصراع العالمي والإقليمي بالقوة والمهارة وسعة الحيلة نفسها، فإن النخب العربية الإسلامية الحالية بالوضع الراهن لن تتمكن من إيقاف مخططات الصدام الحضاري ومشاريعه، وسوف تستمر إسرائيل في الهيمنة على كافة الجبهات مدعومة بالمدد العسكري الأمريكي.
أمريكا كانت تحضر المنطقة منذ فترة طويلة للتفكيك وتفجير تناقضاتها إقليميا وداخليا، ولم تطور الذات العربية مشروعا جيوثقافيا في مواجهتها، وأصيبت التصورات الجيواستراتيجية العربية والإسلامية بالجمود والعجز وأصبحت خارج التاريخ والجغرافيا.. وتبدو استجابتنا أبطأ بعشرات المرات في مواجهة نظريات الصدام الحضاري وتمثلاته وسيناريوهاته الحاضرة والجاهزة دوما.
التغيير أو التبعية وتبرير الهزيمة
إذا لم يحدث تغيير جذري وثوري في النخب السياسية والدبلوماسية المتصدرة للمشهد العربي والإسلامي، فإن المشروع الصهيوني والأمريكي للصدام الحضاري وتفكيك المنطقة العربية الإسلامية، سوف يتقدم للأمام بقوة، وسوف يخلق نخبة محلية وإقليمية مستلبة وتابعة له، تروج للفتنة والهزيمة والتحزب والطائفية والقطرية والتبعية، بكل اختصار وبلغة صريحة مباشرة.. العجز عن التغيير واتخاذ القرارات في وقتها المناسب سوف يخلق التبرير للهزيمة ويروج للتبعية والاستلاب الحضاري العام.