هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟

محمد علي مقلد
2024 / 10 / 1


ما من عقل سوي يمكن أن يبرر أو يشرعن الصمت المطبق حيال الإبادة والمجازر التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل في غزة وفي لبنان. لكن من واجب العقل النقدي تفسير الأحداث ليتعلم منها ويستخلص عِبَراً.
لم يقف العالم مكتوف الأيدي لا أيام النكبة ولا في العدوان الثلاثي ولا بعد النكسة ولا إبان الانتفاضات الفلسطينية المتكررة ولا في اجتياح بيروت ولا في مجزرة قانا. لا أيام حركة التحرر الوطني العربية بقيادة القوى القومية الناصرية والبعثية والشيوعية ولا أيام منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
في كل تلك المراحل والأحداث كانت تلتقي الحكومات والمنظمات الدولية وتتدخل القوى الكبرى من داخل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو من خارجهما لتقرر استنكاراً أو تضامناً ولتبتكر حلولاً وتسويات.
معركتا الطوفان والإسناد، اللتان شارفتا على انقضاء عامهما الأول، أثارتا ردود فعل شعبية وحكومية في العالم ظلت أصداؤها محصورة ضمن حدود الإدانة ولم تفض إلى الحد من الأهوال المعروفة في الحروب ولم تترجم في قرارات حازمة بوقف إطلاق النار. فماذا عساها تكون الفوارق بين هاتين المعركتين وبين الحروب العربية الإسرائيلية السابقة عليهما؟
ما يميزهما عن سواهما من الحروب، على ما أعتقد، هو أن الإسلام السياسي هو الذي تولى هذه المرة مهمة التحرر الوطني، بديلاً من الحركة القومية، مع ما يعنيه ذلك من اختلاف في طبيعة المشروع السياسي وفي طبيعة الحلف السياسي الدولي الذي يقف وراءها.
الانقسام العالمي حول القضية الفلسطينية كان، في جزء منه وفي ظل قيادة الحركة القومية العربية، تعبيراً عن الصراع بين المعسكرين، أي بين حلفي وارسو والأطلسي. تزامن انهيار الاتحاد السوفياتي مع انهيار حركة التحرر العربي القومية ومع الاحتلال الأميركي للعراق، فتصدرت قوى الإسلام السياسي المشهد، حاملة مشروعاً سياسياً معادياً لا لحلف الأطلسي كقوة سياسية منتصرة بانهيار خصومها في العالم، بل لما يمثله هذا الحلف أيضاً من قيم نشأت مع الحضارة الرأسمالية منذ تأسيس كياناتها بعد الثورة الفرنسية، ولا سيما منها الحرية بمعناها الفلسفي والثقافي، والديمقراطية كترجمة سياسية لها في أنظمة الحكم.
فضلاً عن ذلك، تصرفت قوى الإسلام السياسي في العالم العربي لا كبديل فحسب من برنامج المواجهة القومي بل كعدو له أيضاً وللمشروع النهضوي المرتبك المسمى"جاهلية القرن العشرين". ثم عملت على تعميق هذا العداء بتحالفها مع الكيان الفارسي المحسوب عدواً تاريخياً للعروبة، ما جعلها تظهر عارية من أي حليف محلي أو دولي وأفقدها أي تضامن غير الذي يحمل طابعاً إنسانياً.
تفاقمت هذه العزلة عالمياً ولا سيما بعد أن اعتمدت أسلوب العنف المسمى، بلغة الصراع الحديث، إرهاباً، والمتمثل بالتصفيات الجسدية للمعارضين في إيران ولبنان وفلسطين وغيرها، وبعد أن بلغ الإرهاب والتخلف ذروته في تجارب داعش وأفغانستان والصومال وفي الاعتداءات على المدنيين في بعض عواصم إوروبا.
كل ذلك جعل معركتي الطوفان والمساندة وكأنهما اختصار لتاريخ العنف الديني الذي جسدته قوى الإسلام السياسي، ما حرم حماس وحزب الله من أي تضامن سياسي، وصنفهما كقوتين معاديتين للتقدم والحرية والديمقراطية ولكل قيم العصر الحديث.
التعرية والعزلة ليستا أسوأ مصيرين منيت بهما قوى المواجهة مع قيم العصر. قد تكون هاتان المعركتان بداية النهاية لمشروع الوهابية الذي قدم إجابة مغلوطة عن سؤال النهضة الإرسلاني، لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي