الغرب و شيزوفرينيا العربان

ياسين المصري
2024 / 9 / 29

يذهب الكثير من العربان المتأسلمين، باختلاف أوضاعهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية، إلى الغرب، لغرض العلاج أو العمل أو الدراسة أو الصياعة أو اللجوء، وهناك يصابون بصدمة حضارية وثقافية، يتوقف مداها على ما يتوقعونه هناك والذي وقع لهم بالفعل، وقد تظهر في وقت ما كراهيتهم للأوروبيين أو نقمتهم عليهم، ويتحول البعض منهم إلى الجريمة!، فهل مواقف شيخ الأزهر أحمد الطيب من الغرب تدل على إصابته هو الآخر بهذه الصدمة رغم أنه يذهب دائمًا إليه للعلاج، ويحرص حرصا شديدا على أن يتحدث هناك بلسان ويتحدث هنا بلسان آخر؟
وهل يمكن أن يصاب أيضًا المثقفون العربان بنفس الصدمة؟ بمعنى هل نعتبر مثلا المفكر الفلسطيني الشهير إدوارد سعيد، من كتابه ”الاستشراق“، وكذلك السياسي والكاتب المغربي حسن أوريد من كتابه ”أفول الغرب“، وغيرهما، قد أصيبوا بمثل هذه الصدمة؟، حيث ارتطمت ثقافتهم الإسلاموية مع ثقافة الغرب العلمانية، ومن ثم تحاملوا عليه؟ أم أن الغرب يكره العربان والمتأسلمين بالفعل، بحسب اتهامهم له دائما، وأنه لذلك يتآمر عليهم ويشن عليهم حملة شعواء لِإشاعة الفتنة وبَث الفرقة بينهم، كما يزعمون؟
إدوارد سعيد حاول جاهدا في كتاب ”الاستشراق“ الوصول إلى نتيجة عامة، مفادها أن الحقائق التي يقدمها المستشرقون باطلة بناء على قاعدة بنيوية ترى أن أي معرفة ما هي إلَّا نتاج سلطة ما، وأن السلطة لا تنتج معرفة من أجل المعرفة، بل تنتج معرفة من أجل المصلحة والهيمنة، وهذا يقود إلى القول بأن الاستشراق في رأيه يعبِّر عن معرفة السلطة لا سلطة المعرفة، بمعنى أن إنتاج المستشرقين يدخل ضمن لعبة التّمثلات والتّمثيلات الرامية إلى تشويه الخصم. وهنا يتجاهل سعيد عمدا أن هذا الطرح ينطبق تماما على الإسلاموية وبنيتها العباسية الفارسية المتمثلة في التراث الديني والمضمون القرآني والأحاديث النبوية.
يزعم سعيد أن الغرب ينظر إلى العربان والمتأسلمين بوجه عام على أنهم قُصَّر ولا يملكون العقلانية لفهم ذواتهم، على أساس أنهم شعوب يحكمها الانفعال والعاطفة، بينما أوروبا هي أرض العقل والبرهان، ولذلك: « لا يستطيع المسلمون أو العرب، ولا أي شعب من الشعوب الصغرى التي سُلبت إنسانيتها، أن يتعرفوا على أنفسهم باعتبارهم بشرا». وبالطبع لم يقل لنا سعيد كيف ولماذا سُلبت إنسانيتها ولا يستطيعون التعرف على أنفسهم باعتبارهم بشرا.
إعتمد إدوارد سعيد في توظيفه الشخصي للنص الاستشراقي على جملة من المنطلقات المُركبة، منها:
• أن هدف النص الاستشراقي هو تشويه الشّرق ونسج معرفة غير حقيقة عنه.
• يعبر النص الاستشراقي عن نزعة سلطوية مخفية ضمن مقولات العلم والحقيقة، ولكنه يتحول بالاسم إلى سياسي بالفعل.
• يفرض القول بنسبية النص الاستشراقي ارتباطه بالمكان والزمان أكثر من ارتباطه بالحقيقة.
• يفرض ربطه بمؤسسة مختصة في إنتاج النص وفق استراتيجية هادفة، هي تحقير الشّرقي ووصمه بالدّونية، بهدف « الهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلط عليه»
• إن نقد الاستشراق هو نقد الاستعمار وكشف ألاعيبه ضمن حلبة الصراع الفكري. ونقد ما بعد الاستعمار باعتبار أن الهيمنة استمرت في أوجه جديدة أكثر ارتباطا بمقولات العلم والإنسانية.
ويصل إدوارد سعيد إلى استنتاجه المتمثل في وجود نوعين من الاستشراق: الكامن والظاهر، وكلاهما ينتمي إلى المؤسسة الإمبريالية، فالتعريف الأكاديمي للاستشراق بات من صور الماضي، وفقد مصداقيته التاريخية حين تحول إلى علم استعماري استعلائي.
إدوارد وديع سعيد مسيحي فلسطيني - أمريكي، ولد في القدس عام 1935 وتوفى في نيويورك عام 2003، ويعد أحد أهم المثقفين العربان والفلسطينيين في القرن العشرين سواءً من حيث عمق تأثيره أو من حيث تنوع نشاطاته. لقد أفصح عن عقدته الحقيقية بقوله في ص 9 من مقدمة الطبعة العربية لكتابه: خارج المكان (مذكرات): « إن طفولتي دمرتها أحداث العام 1948 والثورة المصرية والاضطرابات الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1958»، ويقول أيضا: « لم يعد يوجد في حياتي المعاصرة دعم كبير للفكرة القائلة أن فكرة الانتماء العربي لا يزال يقتضي بحكم العادة والتقليد، إقامة علاقة متنافرة مع الغرب!»، ولكنه اعترف أن هذه العلاقة تنطوي على قدر من التوتر، « لكنها لا تقتصر على العداء وحدة»!
سعيد كما هو واضح يتجاهل النص الديني المكون لثقافة العربان، والذي ينطبق أولا وأخيرًا على كل ما قاله عن النص الاستشراقي!، بما في ذلك ربطه بالاستعمار، مع التأكيد على أن استعمار العربان المتأسلمين للبلاد المجاورة لهم كان ولازال من أحط أنواع الاستعمار في تاريخ البشرية جمعاء.
إذًا هناك صدمة حضارية وثقافية لايخفى مداها على القارئ الفطن، انعكست بشكل ممنهج في كتاب: الاستشراق، خاصة وأن موطنه الأصلي (فلسطين) يئن تحت الاحتلال اليهودي - الصهيوني المدعوم بشكل مباشر من الغرب بقيادة أمريكا، وأن أغلب المستشرقين من أصول يهودية.
***
أما عن المفكر المغربي حسن أوريد، الذي له منجزات فكرية كانت دائمًا محل تقدير عالمي بسبب عمق أفكاره، وكتاباته، فقد شاهد الكثيرون صورة لشيخ الأزهر احمد الطيب في الطائرة أثناء عودته من رحلة علاجية في أوروبا، وظهر بجانبه كتابه “أفول الغرب” الصادر عام 2018، كان على ما يبدو يقرأه في الطائرة. والسيد حسن أوريد، الذي تحمل جبهته (في الغالب) زبيبة (مصرية خفيفة، من أثر السجود) على العكس من المغاربة بوجه عام، ومن شيخ الأزهر نفسه، ينطلق في كتابه من فكرة أن الغرب قد بنى حضارته على وقع الصراع مع الحضارات الأخرى والسعي إلى تجاوز تلك الحضارات، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، على حد زعمه. وذهب إلى أن مرحلة التوسع الاستعماري كانت تمثل ذروة هذا الاحتكاك الدرامي بين الغرب وعالم العربان.
وقال: « لكن المثير أن النخب العربية لما بعد الاستعمار ظلت مرتبطة بالغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وبالتالي ظل العالم العربي الساحة التي يعبر فيها الغرب عن تفوقه، مع حضور لاوعي تاريخي مشحون بمحطات الصدام العديدة بين العالمين». ويحذر من تداعياتها على الوضع الراهن لعالم العربان ومستقبله، بالنظر إلى ارتباط نخبه وبنياته السياسية والاقتصادية بالمنهج الغربي. وعلى أساس أن الأزمات المستعرة في عالم العربان، إنما هي إلى حد ما انعكاس لأزمة الغرب الذي يبدو أنه فقد البوصلة وروح القيادة والانسجام بين سياسات القوى المؤثرة فيه. ولذلك يتوقع مستقبلا مظلمًا لعالم العربان طالما استمرت أبعاد هذه الأزمة، وتواصلت سلبية النخب القيادية فيه، وعجزها عن بلورة خيارات مستقلة بجبهات داخلية متماسكة.
وبالنسبة له، لن يقود الغرب العالم، أو لن تكون له السيادة المطلقة. وهذا التحول ليس بالضرورة خبرا جيدا بالنسبة للعربان، فهو يطرح سيناريوهات خطيرة على عالَمهم الذي قد يعرف تحولات عميقة غير مسبوقة تبدت أعراضها في دول فاشلة أو عاجزة أو حروب أهلية من شأنها أن تستفحل وتتوسع. وفي توقع أعم "من شأن الدول المرتبطة بالغرب تاريخيا وثقافيا ووجدانيا أن تكون ساحة لاضطرابات عنيفة يمكن أن تمتد لعقود".
وتحدث أوريد في الشق الاقتصادي لأزمة الغرب، عن "فاكهة ينخرها الدود" بعد أن عصفت الأزمات المالية منذ نهاية التسعينيات بالنجاحات المحدودة للعولمة، ويقف على حصيلة "ضحايا" الليبرالية الجديدة التي أصبحت إنجيل الدبلوماسية الأميركية.
لقد أطلقت العولمة - وفقا لأوريد - عقال قوى جامحة لا ترضخ إلا لأنانيات من الصعب كبحها، ومن شأنها إحداث تغيرات عميقة في تراتبية الثروة، فمن المحتمل في غضون العشرية المقبلة أن تتجاوز اقتصاديات الدول الناهضة اقتصاديات السبعة الكبار، مما يعني "اهتزاز الهيمنة المالية والاقتصادية للدول الغربية مع ما يستتبع ذلك من هيمنة حضارية".
يقول أوريد: « لن يصرف الإنسان جهوده في الأشياء التي تحقق السعادة والرخاء كما حلم فوكوياما لأن عهد الأيديولوجيات لم ينقض بعد» مبرزا أن الأيديولوجية الغالبة "ميركنتيلية" لا صلة لها بالأنوار التي بشر بها الغرب، وأن الديمقراطية أضحت في مهب السوق.
الميركنتيلية التي يعنيها أوريد هي تعبير يعود إلى الفيلسوف الأخلاقي وعالم الاقتصاد السياسي الاسكتلندي آدم سميث (Adam Smith) (1723 - 1790) . وهي مجموعة من الأفكار القديمة والغريبة والخاطئة بشكل كبير حول السياسة الاقتصادية. وأن الدول التي تتبنى هذا المذهب الميركنتيلي تحاول زيادة ثروتها من خلال تعظيم الصادرات وتقليل الواردات، وتؤمن أن هناك قدرًا محدودًا من الثروة في العالم تتنافس من أجله جميع الدول ضد بعضها البعض.
وفي الشق الروحاني والثقافي يتابع أوريد مظاهر الأفول، فيذهب إلى اختزال الإنسان الغربي في بعده المادي وتأليه العقل وإحالة الدماغ البشري إلى آلة، متسائلا "هل هناك مجال لإنسية عصرية تحمي الإنسان من ذاته، من إنجازاته، من فتوحات عقله الذي أضحى بلا ضابط ولا يأتمر إلا للسوق وشطحاته؟". فالجسم الاجتماعي مريض في الغرب والمجتمعات التي ترتبط به، ينخرها الإجرام والعنف وحمى الجنس والأمراض النفسية المتعددة، بحسب قوله.
وينهي أوريد كتابه بدق ناقوس الخطر: « إن الغرب ليمر بأزمة وجودية ولسوف يتأثر بمجرياتها العالم» وتنعكس بدرجة أولى على العالم العربي بحكم الجوار الجغرافي، والإرث التاريخي، والتداخل الاجتماعي (الجاليات التي تعيش بالغرب والفئات المتغربة الماسكة بزمام البنية التقنية في العالم العربي) والمصالح الاقتصادية (البترول، السياحة..) وعامل الإرهاب ومضاعفاته.
وبعبارة مجملة، يقول الكاتب إن: « الأسوأ ما سيأتي إن لم يستوعب العالم العربي التحول الجاري في العالم».
حقيقة لا أدري ما هو الأسوأ الذي يتنبأ به المفكر المغربي، مما هو عليه الحال في بلاد العربان والمتأسلمين حاليا، لعله لم يقرأ تاريخهم قراءة جيدة، أو أنه لم يدري بامتداد السوء منذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا في ربوع عالمهم بأسره.
***
سبق سعيد و أوريد كثير من الأوروبيين أنفسهم الذين انتقدوا الغرب، منهم على سبيل المثال المؤرخ والفيلسوف الألماني أوزوالد أرنولد غوتفريد شبنغلر (Oswald Arnold Gottfried Spengler) ـ (1880 ـ 1936) في كتابه الموسوعي بعنوان: "انحسار أو انحدار الغرب" (Der Untergang des Abendlandes)، (نُشِر الجزء الأول عام 1918 والثاني عام 1922)، وقد ترجمه أحمد الشيباني إلى اللغة العربية بعنوان: تدهور الحضارة الغربية. قال شبينغلر في كتابه هذا: «إن الحضارات مثل الكائنات الحية تولد وتزدهر ثم تموت»، وكان أول من ذكر أن الحضارة الغربية تموت وسوف تحل محلها حضارة آسيوية جديدة. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه ألف ونشر الكتاب في أوروبا المحطمة والمشوشة مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1918))، كرؤية متجهمة وقاتمة لحضارة غارقة، حيث أعطى شكلاً منطقياً لعصر مربك من الإمبراطوريات المنهارة، والمعايير غير المستقرة، وكذلك القيم الهابطة، وأشار إشارات مخيفة على بربرية جديدة تظهر من أعماق البشر.
كذلك ذهب الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (1821- 1881) في روايته ”مذكرات قبوْ“ إلى أن الحضارة الغربية تتجه نحو انهيار مأساوي. أما المؤرخ السويسري جاكوب بوركهارت (1818 - 1879)، وهو أحد أبرز المؤرخين في القرن التاسع عشر، فقد شبه أوروبا في عصره بروما القديمة حال انحلالها، وهو الموضوع الذي كان فيه خبيراً ذائع الصيت، وفي الوقت الذي كان أبناء الغرب مفتونين بتقدمهم ومفعمين بالتفاؤل، توقع كساداً اقتصادياً في القرن العشرين، وحروباً كبرى وتضاؤل الديمقراطية وظهور دول استبدادية.
ومن بين أفضل المؤلفات التي صدرت قبل نهاية القرن الماضي، كتاب الصحفي والمؤلف الأميركي "ب.ج. براندر" المعنون (Staring into chaos…Exploratio I the decline of western civilization) والذي ترجمة هاشم احمد محمد، وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة (2006)، بعنوان "رؤية الفوضى... استطلاعات عن انحسار الحضارة الغربية". وذكر فيه أن الحضارة الغربية وصلت إلى نهايتها، على الأقل من الناحية المادية والتقنية، وهيمنت بشكل توسعي على العالم طوال خمسة قرون. وقدم تحقيقا موسعا عن 24 مفكرا إجتماعيا، كان لهم صوت مدوٍّ في تحذيرات الانحدار الغربي منذ منتصف القرن التاسع عشر.
لا شك أن الغرب على وعي تام بأحواله من جميع الاتجاهات، مما حدى به إلى أن يكون« أفول الغرب Westlessness» هو العنوان الرئيسي فى ”مؤتمر ميونخ للأمن“ عام 2020، ومحوراً رئيسياً فى التقارير البحثية لمؤسسات حلف شمال الأطلسى وسط تساؤلات حقيقية وجادة عن مستقبل الغرب بجناحية الأوروبى والأمريكى، مما يعني أن الغرب ليس بغافل كما يعتري منظومته السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلل!.
***
من الأشياء التي أثار حفيظة الغرب ضد العربان والمتأسلمين اكتشافه مدى انحطاط الديانة الإسلاموية الصحراوية منذ بدايتها، وكيف أنها حولت الدين من ممارسة ايمانية شخصية بين العبد وربه إلى ممارسة إيديولوجية جماعية، تَذهب العقول وتُدمر الأوطان، رآها تحض على القتل ورفع السيوف في وجوه الآخرين وفي وجوه بعضهم البعض دون رحمة، وتحث معتنقيها على الكراهية والعنف والإرهاب، وظهر له في وقت مبكر سوء سلوك المتأسلمين وغبائهم وفسادهم ونفاقهم وكذبهم وغدرهم.. وأنهم يربطون إنسانيتهم بنص ديني ويبررون جرائمهم بنص ديني آخر، يزعمون أنهم خير أمة أخرجت للناس، وهم في الحقيقة أقبح وأوقح أمة أخرجت للوجود، ويكثرون الكلام عن الأخلاق وكأنها حكر عليهم، وليس لديهم أدن حد منها. يأتون إليه يلتمسون منه العلم أو العلاج أو النجاة من الاضطهاد والعبودية، ويتوقعون منه أن يخرّ لهم ساجدًا، لا لشيء سوى لأنهم متأسلمون!، تيَقَّن الغرب أنه يجاور أمة بائسة لا مستقبل لها، تعاني من الاستبداد والجهل والتخلف والفقر والبطالة والمرض والفتن الطائفية والحقد المذهبي والتعصب ورفض الآخر. ورغم دعائهم الدائم منذ 1400عام على الأوروبيين الكفار بتدمير أوطانهم، ولم يجدوا وطنا يضمن لهم كرامتهم وبحفظ لهم إنسانيتهم إلا بلاد الغرب. أليست هذه مفارقة عجيبة، تقتضى إعمال العقل؟
***
إن أساتذتنا الكبار الذين ينتقدون الغرب - دون غيره - لا يختلفون في شيء عن العوام، تسيطر عليهم نزعة الغرور والأوهام والأمنيات، وليس لديهم ما يقدمونه لشعوبهم سوى الوجبات الجاهزة التي لا تسمن ولا تغني من جوع!. قد يكون الغرب في أزمة حقيقية، ولكن يمكنه تخطيها بما لديه من علم وخبرة، كما تخطى أزمات أخرى من قبل، وقد يكون في مواجهة اضمحلال حضاري وبزوغ حضارة أخرى في مكان آخر، وهذا أمر طبيعي ويحدث على مر العصور والأزمنة، ولكن الشيء الذي يغفلونه (ربما عمدا) أن عالم العربان منعدم الهوية، بعيد كل البعد عن الوعي الذاتي، وهذا يحمله على الارتماء في أحضان أية حضارة كانت سواء أوروبية أو أسيوية.
العرب والمتأسلمون بوجه عام وقعوا في فخ النرجسية، والغرور الكاذب، فانفصلوا عن الحقيقة، وابتعدوا عن الواقع، يفضلون الذهاب إلى الغرب والعيش فيه وهم يحملون له الضغائن والكراهية، فيتكلمون عنه بكل سوء، ويحملون إليه كل سوآتهم، لقد أصيبوا بانفصام الشخصية Schizophrenia الذي يعيقهم بشكل كبير، ويؤثر على جميع مجالات حياتهم بما فيها التعامل مع الآخرين وآدائهم الوظيفي والشخصي والأسري والاجتماعي والتعليمي والمهني. أصابهم هذا الانفصام بالبلادة والشموخ الكاذب. يتمنون انهيار الغرب بأسرع ما يمكن حتى يتمكنوا من اقتحامه واستعماره، ينعمون باختراعاته العلمية ويحقدون عليه، يهربون إليه من القهر والعبودية، ويريدون قهره واستعباده!
يثيرون الغرب بعبثهم وفسادهم وانحلال خلقهم وسوء تصرفاتهم ثم يتهمونه بالتآمر عليهم، إنهم يعانون من خلل شديدة في طريقة نظرهم إلى الواقع، يريدون فرض الأوهام الراسخة لديهم على الآخرين وإلزامهم بما يتمسكون به من معتقدات ثابتة بشأن صحتها، رغم وجود ما بثبت عكس ذلك، يريدون تعميم حالات الهلوسة المستمرة التي تحيل المرء إلى الخيال الجامح بعيدا عن واقعه التعيس، الأمر الذي يأنف منه الآخرون وترفضه عقولهم وثقافتهم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي