|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
مبارك بوالزيت
2024 / 9 / 27
ما يجعل الثقافة خطرا كونها في بعض الأحيان، و بفعل التنشئة الاجتماعية، تصنع حواجز و أفكارا قبلية عن الأشياء و الأشخاص، مما يعطل العقل . و مثال ذلك "الإزيدي" في سوريا الذي لا يستطيع الخروج من دائرة رسمت حوله إلا إذا خلصه منها أخ له، و العنصري الذي يحكم بقوالب قبلية على أشخاص يختلفون عنه في لون البشرة أو في الانتماء الجغرافي، أو كالشيعي الذي يؤمن "بالمسردب" مخالفا قوانين البيولوجيا والعقل. إن الأفكار القبلية هي أخطر ما يمكن أن يواجهه العقل الإنساني، فهي حواجز عقلية، مما يوجب على الفرد أن يبني أحكامه و استنتاجاته على اكتشافات و تجارب واقعية . فكل واقعي عقلي. إن أهواء النفس تتحكم في العقل أكتر مما يتحكم العقل في نفسه، وتبعا لهذا فتوليد ثقافة سليمة و منتجة، يقتضي تطهير النفس و التفكير في العقل قبل التفكير به.
التقزيم من أمراض الثقافة ، فباعتماد اللغة تحبس الثقافة الأفراد داخل ألفاظ تعبر عن واقع و نظرة محدودة ، فيصيرون و هم لا يعلمون حبيسي الثقافة. فمن كان لسان العرب في مكتبته و أشعار "الحطيئة" و "امرئ القيس" بقي سجين أشعار بدو ذاك الزمان ، لا يناقش سوى: الفحولة ، و الشعر، و الكرم و بقي تحت الخيمة ينشد، ونحن طبعا لا نعمم. من جعل في مكتبته مجلدات عن دين الإغريق بقي عابدا ل "باندورا" و "زيوس" و "دايونسس" . و من كدس كتابات "ماركس" و "انجلز" اقتنع متوهما أن التاريخ أساسه صراع طبقات ، فناقش الأدلوجة و هو نفسه سجين واحدة ، وبقي حالما ينتظر عودة المخلص العظيم.
التأويل الاديولوجي الجاف للنصوص من آفات الثقافة ، إذ أن له تأثيرا في ممارسات الأفراد. فقد أول "ستالين و "لنيين" قبله أفكار "ماركس" تأويلا جافا فقتل الآلاف (في الاكران وحدهم قتل أكتر من ثلاثة ملايين) . و أول الدواعش الإسلام تأويلا جافا ،فهموا ينشرون الدين في الأرض على حد السيف مقترفين خطأ من سبقهم. ولا أخطر على الثقافة من إنسان يقرأ الواقع بقوالب موجودة سلفا، فيحلل و يحرم ما شاء مبطلا العقل فيدخل في دوامة من العنف.
و لا أخطر على الثقافة من نفوس مريضة، فالنفس هي المتحكمة في السلوك ،لذلك فبعض من سلوكياتنا تأتي من تلك الأغوار العميقة التي يغيب فيها العقل، و لنا في "بشار" القاتل ، و "القذافي" البائد أفضل مثال فالأول يقتل بني جلدته بشره يستعصى على الفهم ،و الثاني ألف كتابا يفصح عن جنون قل نظيره ، فسجن الليبيين داخل ثقافة مجنونة لأكثر من ثلاثين سنة. و كتب" هتلر" " كفاحي" و أجبر الألمان على قراءته فبنى المجتمع الألماني على أساس من الكراهية فأخد اليهود و غيرهم كثير حقهم من التقتيل و الحرق بسبب مرض نفسي رهيب و لاعقلانية تستعصي على الفهم.
تعاني الثقافة من أمراض كثيرة و أخطرها على الإطلاق التكرار. وليس المقصود به هنا تكرار الألفاظ كما في حفض سورة أو بيت شعري، و إنما التكرار المقصود هو تكرار السلوكات المريضة و الأفكار الفارغة ،كما في صورة المواطن الذي يستبشر خيرا بزيارة مشعوذ او ضريح ،او المواطن الذي ألف رمي الأزبال فما استطاع تغيير سلوكه مع توالي الأيام. التكرار خطير لأنه يمنع التفكير السليم و التولد ، ففي الثقافة العربية مثلا لم يقف الإنسان العربي يوما ليسائل أو يلوم نفسه على تخلفه، و إنما بقي في حالة من التكرار الممل، يلوم القوى الخفية أو الأشياء الجامدة من حوله فلم يغير من حاله لقرون. والتكرار يجعل الناس يرفضون كل جديد. التكرار بهذا المعنى سيء لأنه يكرس العادات السيئة و التفكير اللاعقلي او التقزيمي فيصبح عائقا نفسيا أمام كل إصلاح.مثلا, عندما تطلب من شخص ألف زيارة ضريح منذ الصغر أن يكف عن فعله سيظهر لك منذ الوهلة الأولى رفض رهيب لفكرتك. كمن يدعوا علمانيا لقبول أفكار دينية أو كمن يدعو متدينا لفكر علماني. هكذا فالإنسان بطبعه يرفض كل فكرة من شانها أن تزعزع أفكار ألفها عقله. فعندما طبعت الدولة المغربية ورقة مالية جديدة من فئة خمسة و عشرين درهما نزلت على بعض الباعة و سائقي الأجرة كالبلاء العظيم، إذ زعزعت بنيات العقل عندهم فاستعصى الحساب فنالت حقها من السب و الشتم إلى أن ألفتها بنيات العقل بفعل التكرار فاستوى الأمر و عاد السلم.
ما يجب أن يفهم هو أنه بالتكرار تترسخ أفكار و سلوكيات تعيق عمل العقل. وهي شوائب تصبح مسلمات يصعب استئصالها بمرور الزمن. كأن يؤمن الفرد في مجتمعاتنا أن حاله وواقعه جامد و أن لا دخل له في تسييره أو تغييره فينهمك في تفسير جل ما يقع له بمقولات شعبية تحمل طابعا لا عقليا. كأن لا ينجح كسول في امتحان فينسب فشله إلى الله قائلا "قدر الله ما شاء فعل" فلا يلوم نفسه على فشله. أو كمن تصدع جدار منزله فأبى لفتور فيه أن يصلحه فهوى عليه و هلك أهله فجعل يصيح "قدر الله ما شاء فعل".
هذه من أمراض الثقافة و علاجها يحتاج إلى حلم و جلد. هذه الأمراض تستشري في الثقافة بالتكرار في الحوارات ،و في نكتة ، و في مثل ،و في لحن القول ... وان لم تجد عقولا سوية تبددها فلن تندثر ولو بعد حين. للشفاء من تلك الأمراض ولكي تتولد ثقافة سليمة، وجب إعمال العقل الذي لا يقرأ الواقع من منظور اديولوجي تجزيئي، ووجب كذلك الانطلاق من الواقع وعدم استنطاق النصوص.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |