|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
زياد الزبيدي
2024 / 9 / 23
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
كيريل ستريلنيكوف
كاتب صحفي وناشر ومحرر وباحث سياسي
خبير ومستشار محطات تلفزيون روسية
20 سبتمبر 2024
ربما كان من المفترض أن تؤدي العملية الخاصة لتحويل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية على نطاق واسع إلى أسلحة إرهابية إلى استعادة سمعة جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، التي تدهورت بسبب عدم قدرته على منع الهجوم الدموي الذي شنه مسلحو حماس في 7 أكتوبر 2023.
كما كانت تهدف إلى إحداث خلل في "القيادة والسيطرة" في صفوف حزب الله قبل العملية العسكرية الإسرائيلية المخطط لها في لبنان.
ووفقا لبعض التقارير، تم إرسال الإشارة لتفجير آلاف الأجهزة - من أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي إلى أجهزة الاتصال الداخلي والدراجات البخارية - في وقت مبكر بسبب خطر اكتشاف "المخطط"، وبالتالي يقوم الجيش الإسرائيلي الآن بتعديل خططه حرفيا على الطاير. ولم يعد هجوم الجيش الإسرائيلي على لبنان، الذي بدأ بالأمس، مفاجأة لحزب الله.
أما «تلميع» صورة الموساد، فقد حققت إسرائيل وداعميها الرئيسيين أهدافهم على العكس تماماً.
في الواقع، قام منظمو العملية الإرهابية في لبنان بأيديهم، جنبًا إلى جنب مع الضحايا المدنيين والأطفال، بوضع حد أخيرًا للأسطورة المفضلة لدى أنصار العولمة حول العالم المثالي، حيث يحفر الأمريكيون اللاتينيون والأفارقة بحثاً عن المواد الخام بمصاحبة الأغاني والرقصات، ويصنعون رقائق الكمبيوتر التايوانية في اجواء دخان أعواد البخور، والأنغلوساكسون النبلاء يبتدعون الماركات باستخدام اجمل الفاكهة والخضروات ويبيعون انتصار التكنولوجيا الغربية مقابل الدولارات (مثل شركات Apple و Orange و Berry و Tomato وغيرها). وفي نفس الوقت يقول الجميع لبعضهم البعض "كيف حالكم؟" ويبتسمون.
وبدلاً من ذلك، أرسلت إسرائيل والولايات المتحدة، التي توفر لها التغطية، إنذاراً نهائياً للعالم برسائل يبلغ طولها كيلومترات: "إذا أردنا، يمكن أن يحدث هذا لكم في أي لحظة". !؟
أي أنه ولأول مرة في التاريخ، يُمحى الخط الفاصل بين "العسكري" و"المدني" بالكامل، حيث لا تزال بعض القواعد سارية حتى الآن.
اما الآن فهذه القواعد لم تعد موجودة.
وقد عبر رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين عن رأيه بشكل أكثر وضوحا أمس: "إن حقيقة استخدام الأجهزة الإلكترونية المنزلية كأجهزة متفجرة تتطلب تحقيقا مناسبا. إن إمكانية الإنتاج الضخم لمثل هذه "الأسلحة" ترفع الإرهاب إلى مستوى جديد. وهذا يشكل تهديدا عالميا لجميع البلدان. ويجب على المؤسسات الدولية أن تضع تدابير ضد مثل هذه الجرائم. وإلا فلن يتمكن أحد من الشعور بالأمان".
إن البلدان التي كانت تستمتع بسحر "تقسيم العمل الدولي الفعال" و"العولمة المستنيرة" أصبحت الآن في حالة من الصراخ والهلع، في حين تلقت روسيا المتخلفة، التي كانوا يسخرون منها بسبب توجهها الثابت نحو الاستقلال التكنولوجي، تأكيداً كاملاً على صحتها ونظرتها الثاقبة.
إن الموقف يصبح أكثر حدة وأهمية بسبب حقيقة مفادها أن العملية الإرهابية الخاصة الإسرائيلية لم تحدث بشكل عفوي، بل كانت مخططة بعناية وعلى مدى طويل ـ على الأرجح لسنوات. وتفيد مصادر أجنبية بأن الأجهزة الخاصة الإسرائيلية أنشأت في وقت من الأوقات، كجزء من العملية، نظاماً كاملاً من شركات حقيقية وخيالية مختلفة عملت بهدوء في إطار "تقسيم العمل" الغربي المتقدم، دون إثارة أي شكوك، ولم يتبين إلا بعد اندلاع الفضيحة أن الشركة التايوانية المصنعة لأجهزة النداء، أو الشركة اليابانية المصنعة لأجهزة الاتصال اللاسلكي، لم تكن لديها أدنى فكرة عن قيام شخص ما بتصنيع أجهزة قاتلة تحت علامتها التجارية. على الأقل هذا ما يقوله ممثلوها الرسميون. وعليه، لا أحد في العالم (باستثناء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية) يعرف الآن ما هي الإلكترونيات وأين يمكن أن تبدأ في الانفجار بناء على أمر من الخارج.
لقد عملت القيادة الروسية على تطوير برامج استبدال الواردات في الصناعات التكنولوجية الفائقة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخاصة في قطاع الدفاع.
في يوليو/تموز 2014، أعلن فلاديمير بوتن عن الحاجة إلى "أوسع انتقال ممكن إلى المواد والمكونات المحلية في إنتاج المعدات والأسلحة الخاصة"، لأن "استبدال الواردات يلعب دورًا حاسمًا في ضمان الأمن التكنولوجي والعسكري لروسيا".
بالتوازي مع نجاح استبدال الواردات في الصناعات الدفاعية، بدأت قيادة البلاد في توسيع هذا النهج باستمرار ليشمل المجالات ذات الاستخدام المزدوج، فضلاً عن المجالات المدنية البحتة سابقًا.
على سبيل المثال، في مارس 2022، وقع الرئيس مرسومًا يحظر اقتناء البرامج الأجنبية، بما في ذلك كجزء من أنظمة الأجهزة والبرامج، لمرافق البنية التحتية للمعلومات الحرجة (اي ما يخص "البرامج الخبيثة النائمة"). ووفقًا للمعلومات الواردة من مركز المراقبة لاستبدال الواردات، فإن الأرقام في هذا المجال تقترب من 100٪.
كما يتم التعامل بشكل كامل مع مهام تحقيق استبدال الواردات الكامل والسيادة التكنولوجية في المجالات المدنية في إطار المشاريع الوطنية المتخصصة، بما في ذلك "وسائل الإنتاج والأتمتة"، و"المواد والكيمياء الجديدة"، و"الدعم الصناعي لحركة النقل"، و"تقنيات وخدمات الفضاء المتقدمة"، و"التقنيات الحديثة في مجال الصحة "، و"الأمن الغذائي"، و"أنظمة الطائرات بدون طيار"، فضلاً عن "تقنيات الطاقة النووية الجديدة". على سبيل المثال، في إطار المشروع الرائد للطائرة الروسية متوسطة المدى MC-21، والتي يتم إعدادها حاليًا للإنتاج التسلسلي، بعد أن رفض عدد من الموردين الأجانب العمل مع التجمع الصناعي الروسي لإنتاج الطائرات، كان من الضروري استبدال 36 (!) نظامًا. وفقًا للخبراء، لا توجد دولة واحدة في العالم يمكنها إنتاج كل هذه التسميات بشكل مستقل. روسيا فعلت ذلك.
سيكون من غير الصحيح القول إننا لا نواجه صعوبات على هذا المسار. على سبيل المثال، في مجال إنتاج الرقائق الدقيقة، من المتوقع أن نتمكن من الاستغناء تمامًا عن استيرادها من الدول الصديقة فقط بحلول عام 2030.
لكن لا يمكن قطع المسار إلا من قبل من يسير فيه، ولن نخرج عنه، بغض النظر عن الإنذارات النهائية المقدمة إلينا.