حكايةُ الجماعة في هذه الجُمعة وفي كُلّ جُمعة

عماد عبد اللطيف سالم
2024 / 9 / 20

في قصة "بول دي سويف" *Boule DE Suif لـلكاتب الفرنسي "غي دي موباسان"، نجد مجموعة أشخاص يجتمعون في عربة، ويُسافِرونَ معاً دون أن يسبق لهم معرفة بعضهم بعضاً.
كان هدف الرحلة المشترك لجميع الركاب هو الهربُ من الحربِ الشرسة التي كانت تدور بين القوات البروسية الألمانية وبين القوات الفرنسية آنذاك.
جميع الرجال في العربة كانوا ينتمون اجتماعياً إلى الطبقة البرجوازية الفرنسية، وكانت معهم "سيدة" تسافُرُ وحيدة، سرعان ما تبيّن أنّها "فتاةُ هوى".
ورغم "وحدة المصير" التي كان يجب أن تجعل جميع الركاب "مُقاتلينَ" في "جبهةٍ" واحدة، من أجل تحقيق هدفٍ واحد، فقد "توافقَ" برجوازيو "العربة" على نبذِ تلك السيدة، لأنّ "أخلاقها لا تتفّقُ مع اخلاقهم".. وهكذا فقد تجاهل هؤلاء "وحدة الهَمِّ" و "وحدة المصير"، وتعامَلوا مع تلك السيدة بمزيجٍ من الاحتقار والتجاهل.
لكنّ الذي سيحدثُ لاحقاً هو أنّ العربة ستصل ذات لحظة إلى حاجزٍ للجيش الألماني، وسيتعامَل الضابط الألماني المسؤول عن الحاجز مع الرجال بكثيرٍ من القسوة باعتباره "قائداً" في جيش الاحتلال المُتحكِّم بمصائر البلاد والعباد.
وحين يكتشف الضابط وجود سيدة في العربة، سيعرِضُ على بقيّة المسافرينَ "صفقةً" مفادها، أنهُ سيتركهم يمضون إلى حال سبيلهم بسلامٍ آمنين، إن هو تمكّنَ من الحصول على تلك السيدة.
لكن السيّدةَ ترفضُ هذه الصفقة، استناداً إلى منطقٍ "وطنيٍّ" تحديداً، فهي لا تريد الاستجابةَ لرغبات ضابطٍ في جيشٍ "مُحتَلٍّ" لبلدها.
غيرَ أنّ هذا الموقف المُبرَّر وطنيّاً، سرعان ما سيتحوّل إلى عبءٍ هائلٍ على كاهل المسافرين الآخرين، الذين يجِب أن لا يَقِلّ منسوبُ "الوطنيّةً" لديهم، عن مستوى "وطنيّة" هذه السيدة، التي "تركَبُ" معهم في "العربة" ذاتها.
وهكذا.. وبدلاً من احترام الرجال لموقف السيدة الوطني، فإنهم يتوسّلونَ إليها لكي تقبل طلب الضابط، وتؤجِّلُ "وطنيتها"، وتُقلِّل منها "مرحليّاً" بعض الشيء.
في نهاية المطاف تقتنع السيدة بأنّ تضحيتها بجسدها ستكونُ في هذه الحالة "خدمةً للوطن"، فتستجيب لرغبات ضابط الاحتلال، ولو على مضض.
في صباح اليوم التالي، سيُتابِعُ جميع الركاب رحلتهم بسعادةٍ غامرة، باستثناء السيّدة "بول دي سويف" التي اعتقدت أنّها بالتضحية التي بَذَلَتها ستنالُ شيئاً من احترام "مواطنيها"، لتكتشِفَ أنّ احتقارهم لها قد زاد.
فهي الآن، في نظرِ جميع رُكّاب "عربةِ الوطنيّة"، لم تعُد مجرّدَ "فتاةِ هوى" تبيعُ جسدها لمن يشتري من "مواطنيها"، بل أصبحت "خائنةً" أيضاً، تُمارِسُ "وظيفتها" الأزليّةِ القذِرة مع "الأعداء"، ودون مقابل.
لقد تناسى رجالُ العربة "الباسِلونَ-الأشاوس"، إنّهم هم من كانوا يتوسّلونَ تلك السيدة أن تفعلَ ذلكَ قبل ساعات قليلة، من أجل انقاذهم من المصير البائس الذي كان بانتظارهم.

* هناك فيلم بذات الاسم عن القصة ذاتها.
- (نقلاً- بتصرُّف- عن مقال إبراهيم العريس.. على الرابط:
https://www.independentarabia.com/node/608137/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D8%B9%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B5%D8%B1%D8%AE%D8%A7%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B2%D9%88%D9%84%D8%A7-%C2%A0

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي