تفسير- ماركس وأنجلس - لتخلف منطقتنا

رابح لونيسي
2024 / 9 / 20

تحدثنا في عدة مقالات سابقة عن عدة تفسيرات لمفكرين وإقتصاديين متأثرين بالماركسية حول تخلف منطقتنا، بل يمكن وضع أصحاب نظريات التبعية الذين يربطون بين تخلف منطقتنا والتوسع الرأسمالي ضمن هؤلاء، وقد سبق ان تحدثنا عنهم بشكل مفصل، لكن السؤال المطروح هل تطرق كل من كارل ماركس وفريدريك أنجلز لتخلف منطقتنا في كتاباتهم؟.
ففي الحقيقة قد تطرقوا لذلك عندما حاولوا تطبيق نظريتهم حول التطور التاريخي للمجتمعات من شيوعية بدائية ثم عبودية ثم إقطاع، فرأسمالية ثم شيوعية على المجتمعات غير الأوروبية كمجتمعات منطقتنا، فوجدوا بان نظريتهم لا تنطبق عليها، فاضطروا إلى وضع نظرية خاصة بهذه المجتمعات أطلقوا عليها "نمط الإنتاج الآسيوي"، فيرون فيها أن إتساع الأرض وجدبتها في الشرق الإسلامي دفعت التجمعات السكانية الريفية إلى الانعزال، فتمكنت من تحقيق اكتفائها الذاتي بجمعها بين الزراعة والحرف، فبقيت منغلقة على نفسها لا تسودها أية علاقات تبادلية تجارية بين مختلف هذه التجمعات. مثلما لاحظ ماركس انعدام الملكية الخاصة في هذه المجتمعات، فالأرض مشاعة كما رأى ذلك بأم عينيه عند زيارته الجزائر عام 1882. وما دامت الملكية الخاصة منعدمة في هذه المجتمعات، فإنه لا وجود للطبقات فيها، مما يؤدي إلى انعدام الصراع الطبقي الذي هو محرك التاريخ –حسب الماركسية-.
وبناءً على ذلك كله فإنهم يرون أنه لا وجود لحركية التاريخ في هذه المجتمعات، مما يفسر جمودها وعدم تطورها، وأعتبر كل من ماركس وانجلس إن العلاقات الاجتماعية الوحيدة السائدة في هذه المجتمعات هي علاقة الحاكم المستبد الذي يجلب الخراج بالقوة من عامة السكان، وقد وضح ماركس ذلك في كتابه "التشكيلات الإقتصادية ما قبل الرأسمالية".
ويبدو أن هذه النظرية يمكن أن ينطبق جزء منها فقط على المناطق الزراعية في العالم الإسلامي كمصر والعراق، مما جعل انجلس يطور نظرية نمط الإنتاج الآسيوي الجامدة، وذلك في دراسة نشرها عام 1894 في مجلة Die New Zeit، بقوله أن هذه المجتمعات الشرقية تتميز بديناميكية وحركية، لكن في دائرة مغلقة لا تخرج منها، ويستند انجلس فيما يبدو إلى نظرية العصبية القبلية لابن خلدون معطيا لها طابعا اقتصاديا محظا. فيقول أنجلس أن البدو ينظرون إلى ثروة الحضر بالحسد والطمع، فيتهمونهم بعدم الالتزام بالشريعة الإسلامية بسبب البذخ والترف الذي يعيشون فيه الحضر، فيتحد البدو تحت قيادة مهدي لمعاقبة أهل الحضر المنحرفين عن مبادئ الشريعة في نظرهم، وأن هدفهم هو التطبيق الحرفي للشريعة الإسلامية وإعادة النقاوة للعقيدة الإسلامية. لكن بعدما يستولي هؤلاء المتمردون البدو على السلطة يتحولون هم أيضا إلى حياة البذخ والترف وسلب ونهب الفائض الاقتصادي للسكان، مما يجعل هذه المجتمعات –حسب انجلس- لا تتقدم اقتصاديا، ثم تثور قبائل بدوية أخرى ضد البدو الذين تحولوا إلى حضر وبنفس الطريقة وهلمَّ جرً، فتتكرر نفس التجارب، مما يبقي هذه المجتمعات في دائرة مغلقة لا تتطور إلى الأمام.
فكانت هذه الظاهرة تتكرر عدة مرات، مما جعل المنطقة تعيش الفوضى وعدم الإستقرار الدائم، مما لم يسمح لها بتراكم الإنتاج والتنمية الذي يحتاج إلى دولة قوية تضمن الإستقرار، أن ما قاله أنجلس حول علاقة البدو بالحضر هو نفس ماكتبه بن خلدون تقريبا في مقدمته. مما يجعلنا نتساءل: هل أستعان فريدريك أنجلس ببن خلدون في وضع نظريته "الدائرة المغلقة" لكن دون أن يشير إليه، خاصة أن المستشرق الفرنسي دوسلان كان قد سبق له أن أكتشف مقدمة بن خلدون، ونشرها قبل أن يكتب انجلز مقالته بسنوات؟.
وتبدو لنا هذه النظرية الأخيرة أكثر إغراءً في تفسير الكثير من الأحداث التي يعرفها العالم الإسلامي. فإذا قمنا بتعويض البدو بسكان الريف، فإننا نجد أن الكثير من دول منطقتنا التي أقامت نظام رأسمالية الدولة، وأطلقت عليه النظام الاشتراكي مثل الجزائر ومصر قد مرت بهذه التجربة، فقد اعتقدت هذه الأنظمة الاشتراكية أن بقدرتها القيام بثورة صناعية بالحصول على تراكم أولي من الزراعة مثلما فعل ستالين في الاتحاد السوفياتي، فباستغلال الفلاح وعرقه اضطر سكان الأرياف إلى الهجرة إلى المدن، ومن الزراعة إلى الصناعة التي تدرُّ دخلا كبيرا جدا مقارنة بدخل الزراعة، فاستوطن هؤلاء الريفيون هوامش المدن. فبفعل فقدان هؤلاء لأرضهم وعدم وجود العمل والحياة التي كانوا يحلمون بها في المدينة، تحول هؤلاء من فئة فلاحية إلى مهمشين في المدينة يمكن أن نطلق عليها حثالة البروليتاريا مثلما سماها فرانز فانون في كتابه "المعذبون في الأرض"، وقد كان هؤلاء المهمشين وراء الكثير من أحداث العنف المؤلمة التي عرفتها الكثير من البلاد الإسلامية بشكل أو بآخر في عقد التسعينات من القرن العشرين، والتي أدخلت الكثير من هذه البلدان في عدم الإستقرار الضروري لأي تنمية إقتصادية.
وبهذه المقالة ننهي سلسلة مقالاتنا حول مختلف النظريات والطروحات التي حاولت تفسير التخلف في منطقتنا الذي هو ضروري جدا لبناء بديل إنساني سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي، لكن قبل أن نطرح بديلنا الإقتصادي والسياسي والثقافي، سنقوم في المقالة القادمة بعملية إستنتاج حول أسباب تخلف منطقتنا إنطلاقا من مختلف التفسيرات التي تطرقنا إليها في سلسلة هذه المقالات، وعليه سنبني ما أسميناه ب"البديل الإنساني" الذي سينقذنا من مخالب الوحش الرأسمالي الذي ينخر ليس فقط جسد شعوب منطقتنا، بل غالبية شعوب العالم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي