|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
زكية خيرهم
2024 / 9 / 20
كان راضي الليلي يومًا ما نجمًا على شاشات التلفزيون المغربي، يُخبرنا بكل ثقة أن "الصحراء مغربية"، وكأن هذه الحقيقة لا تحتمل النقاش، مثل الشمس التي تشرق من الشرق أو القهوة التي تُشرب ساخنة. لكنه، كما تتبدل الفصول، تبدلت آراؤه أيضًا، فتبدل من مدافع عن مغربية الصحراء إلى أحد أبرز المشككين في هذه القضية... تمامًا كما فعل فيدكون كويسلينغ، السياسي النرويجي الذي تعاون مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. كويسلينغ، الذي كان يومًا ما رمزًا للقومية النرويجية، استيقظ ليجد نفسه في خدمة الاحتلال النازي، ليتحول اسمه إلى مرادف للخيانة، تمامًا كما هو حال راضي الليلي الذي فقد دعم جمهوره السابق بعد تحوله الجذري في مواقفه.من الرباط إلى باريس، ومن منصات الأخبار إلى منصات المعارضة، قرر الليلي أن يعيد اختراع نفسه كبطل جديد لجبهة البوليساريو. ربما أراد تغيير قناعاته كما يغير أحدهم جواربه، أو كما يغير قميصه على الشاشة! لكن التغيير لم يكن بهذه السهولة، ويبدو أن الليلي اكتشف أن النجومية لا تأتي فقط بالتبديل السريع للمواقف.
"طردوني لأنني أردت أن أقول الأخبار من رأسي!"
لنكن صريحين، لم يكن طرد الليلي من القناة المغربية حدثًا عابرًا. بل قال إنه طُرد لأنه أراد أن يقول الأخبار "من رأسه" وليس من الورق الذي يضعه أمامه المخرج. وهكذا انتهت مسيرته كقارئ أخبار محترف وبدأت مسيرته كقاريء جديد للمواقف السياسية المتقلبة. ولكن، كما هو الحال مع الممثل الذي يغير دوره فجأة، لم يكن الجمهور مستعدًا لهذا التحول.
زيارة تندوف: بين الترحيب والصفير!
مثل أي سياسي طموح، قرر راضي الليلي أن يتفوق على نفسه بزيارة "الأراضي المحررة" – كما يسميها أنصار البوليساريو. لكنه وجد هناك استقبالًا غير ما كان يتوقعه. فالابتسامات قليلة، والهمسات كثيرة. وكأنهم يتساءلون: "أليس هذا هو الرجل الذي كان يدافع عن مغربية الصحراء؟". هنا، تبين أن تندوف ليست المدينة الفاضلة التي كان يعتقدها، وأن المواقف السابقة لا تُنسى بسهولة.
المقارنة التاريخية: بين الليلي وكويسلينغ
كما فعل فيليب بيتان، الذي اعتقد أن النازيين سيعتبرونه بطلًا ووجد نفسه في النهاية منبوذًا من الجميع، كذلك يبدو أن راضي الليلي وجد نفسه عالقًا بين المواقف المتناقضة. في السابق، كان يقول "الصحراء مغربية" بكل ثقة، لكنه الآن يشكك في مغربيتها، وكأنه اختبر صبر الجميع ليختبر موقفه الأخير.
ومثل كويسلينغ، الذي أصبح رمزًا للخيانة، يبدو أن الليلي وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه. فلا الجزائر تثق به، ولا البوليساريو ترى فيه حليفًا موثوقًا.
الخائن والمسترزق: من صحفي إلى متشرد في شوارع فرنسا
طار الليلي إلى "تيرّة" لا طير يطير ولا وحش يسير. ذهب إلى جمهورية "الكياطن والعجاج"، لا كهرباء ولا ضوء ولا إنترنت. كل شيء هناك لونه بني: الأرض والسماء والهواء والماء، حتى السحاب والعباد. خرج علينا في صباح تندوفي من مخيم بوجدور، شعر رأسه واقف على شكل قرنين بسبب الشمس التي تقف فوق رأسه. سبحان مغير الأحوال، كيف كان وكيف أصبح من صحفي في القناة الأولى الى مهرّج في قناة "الزملة" .
نشكره نحن المغاربة لأنه بيّن لنا حقيقة تلك الجمهورية "القهوية"، وأظهر لنا مساوئها وعوراتها. بابتسامته البلهاء، حاور إحدى النساء هناك عن معنويات ساكنة تندوف عقب عودة الكفاح المسلح. فجاءه الرد: "الناس هنا مساكين، نار الحمادة تكويهم والدرون تبومبيهم"، ثم صرخت أخرى: "قتلنا العطش جيبوا لنا الماء". إنها "مخيمات العزة والكرامة المثقوبة"، مخيمات العار، فهنيئًا له بجمهورية "لالا".
ماذا بعد؟ فتح قناة "التغيير اليومي"؟
إذا كان هناك درس يمكننا تعلمه من قصة راضي الليلي، فهو أن التبديل السياسي هو فن في حد ذاته. ربما نراه قريبًا يفتح قناة تلفزيونية جديدة، يسميها "التغيير اليومي"، حيث يعرض لنا في كل حلقة موقفًا جديدًا يناسب الظروف السياسية. اليوم هو مع البوليساريو، وغدًا ربما يعلن نفسه سفيرًا للمريخ في صراع الفضاء!
مثلما انتهى بيتان ولافال منبوذين من الجميع، يبدو أن راضي الليلي يسير على نفس الخطى. مرفوضًا في المغرب، مرفوضًا في تندوف، وربما الحل الوحيد هو أن يبحث عن كوكب آخر، حيث لا توجد صحراء ليتجادل حولها مع أحد!
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |